مجلة الرسالة/العدد 734/الأدب والفن في أسبوع

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 734/الأدب والفن في أسبوع

مجلة الرسالة - العدد 734
الأدب والفن في أسبوع
ملاحظات: بتاريخ: 28 - 07 - 1947



مصر وسودانها وشعرائها:

غنت أم كلثوم (أغنية السودان) في المذياع يوم الاثنين، بعد أن قدمت لها بكلمة رقيقة قالت فيها: (إنه في هذا الوقت الذي تعرض فيه قضية الوطن على مجلس الأمن أردت أن اقدم هذه الأغنية التي تعبر عما يجيش في نفوسنا نحن أبناء الوطن.

و (أغنية السودان) التي غردت بها أم كلثوم هي أبيات مختارة من قصيدة (اعتداء) التي قالها شوقي في تهنئة سعد زغلول بنجاته من حادث إطلاق الرصاص عليه، وذكر فيها من المسائل الوطنية مسالة السودان.

ومنذ شهور اختيرت لعبد الوهاب أبيات من قصيدة (شهيد الحق) التي قالها شوقي في ذكرى مصطفى كامل وجاء بها ذكر السودان في البيت التالي:

وأين الفوز؟ لا مصر استقرت ... على حال ولا السودان داما

فأخذنا هذا البيت ضمن أبيات تندد بما كان في ذلك الوقت من اختلاف الأحزاب وانقسام الزعماء، وسميت أيضا (أغنية السودان) ثم غير هذا الاسم فكان (وحي السودان) ثم سميت (إلام الخلف) ثم طويت. . .

أما أغنية أم كلثوم فقد لوحظ في اختيارها أن يكون ذكر السودان فيها أكثر مما كان في أغنية عبد الوهاب؛ ويخيل إلي أن الذي قام باختيارها بحث في شعر شوقي حتى عثر على قصيدة (اعتداء) فتنفس الصعداء وشعر بلذة الظفر، إذ وجد بها عدة أبيات في قضية السودان، ولكن كيف يستخلصها؟.

بدأت الأغنية هكذا:

وفي الأرض شر مقاديره ... لطيف السماء ورحمانها

وموضع هذا البيت هناك في قصيدته حيث التعبير عن الارتياح لسلامة الزعيم ولطف الله بالبلاد، فنقل البيت كارها متبرما ليكون مطلع الأغنية! فتبدأ به جثة مسلوبة الروح. . . ويأتي بعدة خمسة أبيات هي خمسة أشلاء متقطعة الأوصال فاقدة الحياة. . . ثم يأتي ذكر السودان، واصله في القصيدة هكذا:

ويا (سعد) أنت أمين البلا ... د قد امتلأت منك إيمانه ولن ترتضي أن تقد القنا ... ة ويبتر من مصر سودانها

وحجتنا فيهما كالصبا ... ح وليس بمعييك تبيانها

فيحذف البيت الذي فيه (سعد) ويبدأ البيت التالي بـ (ولن نرتضي) بتحويل تاء المضارعة إلى نون، ولا ادري من يكون المخاطب بقوله (وليس بمعييك تبيانها) بعد حذف (سعد)؟

ولا أريد أن أطيل بالاسترسال في بيان الاضطراب والتشويه والمسخ في هذه القطعة، وإنما أريد أن اخلص إلى أمرين:

الأول: إن اختيار الأبيات على هذا النحو من قصائد قيلت في حوادث ماضية، لمجرد التشابه بينها وبين حال حاضرة، إنما هو عبث بالآثار الأدبية وجناية عليها، ليس بالتشويه والمسخ فحسب، بل كذلك بعدم الالتفات إلى الدقائق الفنية التي تدل على الفوارق بين حال وحال.

الأمر الثاني: هو أنه ما دامت الرغبة متجهة إلى غناء قطعة موضوعها (السودان) فلم الالتجاء إلى تلك الطريقة؟ أذلك لاعتبار اقتصادي؟ أم أن مصر أقفرت من شاعر ينظم في السودان قطعة مناسبة تغنيها أم كلثوم أو عبد الوهاب؟

أيصح أن نبتغي الغناء بما يجيش في صدورنا نحو وطننا في الوقت الذي تعرض فيه قضيته على مجلس الأمن، فلأنجد شاعرنا يغنينا عما قيل منذ ربع قرن وقد تطورت الأفكار وجدت أحداث؟

فأين شعراؤنا من قضايا الوطن الحاضرة؟ ألا يشعرون بها؟ وأين التعبير عن هذا الشعور؟

لقد كان الشعراء يحفزون الهمم ويغذون المشاعر، أما الآن فالناس يتحفزون ويتوثبون وهم لا يحسون للشعراء بوجود. أنهم يلتهبون عندما تغنيهم أم كلثوم لشوقي من قصيدة (سلوا قلبي):

وما نيل المطالب بالتمني ... ولكن تأخذ الدنيا غلابا

رأينا الجمهور يفور حماسة من هذا البيت وهو ليس نصا فيما يريد. . . مما يدل على أنه يتلمس الوقود تلمسا فلم لا يستجيب الشعراء لمشاعر الأمة ومطالبها الوطنية؟

إن من نكد الأيام على هذه الأمة المسكينة أن الفنون فيها إنما تستعمل لإثارة الغرائز وجلب ما يملأ البطون. أما الشعور بالصالح العام فليس حظ الفن منه بأكثر من حظ السياسة. . .

فلك الله يا مصر. . .

حول معجم الحديث:

أتينا في العدد الأسبق ممن الرسالة، على فحوى ما كتبه الأستاذ فرج جبران إلى الأهرام في شأن (المعجم المفهرس لألفاظ الحديث النبوي) الذي شرع فيه بعض المستشرقين بليدن ولكنه لم يتم إلى اليوم لأن إتمامه يحتاج إلى معاونات مالية ودعوته إلى تقديم يد المعونة إليهم لكي يتسنى لهم إتمامه.

وقد نشرت الأهرام تعليقات على هذا الموضوع تدور كلها حول الإشادة بعمل أولئك المستشرقين والثناء على مجهوداتهم في خدمة لغتنا وديننا إلى آخر ما طالما سمعناه من هذا الكلام ومللناه.

وأقول أولا أن ما تضمنته كلمة الأستاذ فرج جبران من أن مصر كانت قد ساهمت قبل الحرب في دفع النفقات اللازمة لإتمام هذا العمل - لم أجد أصلا في الجهات ذات الشأن في مثل هذا، التي رجعت إليها للتحقيق من صحته. ويعزز عدم صحته ما ذكره الأستاذ فؤاد عبد الباقي في الأهرام من أنه راجع مقدمة الجزء الأول، فلم يطلع فيها على ما يدل على تلك المساهمة.

ومما ذكره الأستاذ فؤاد أن الدكتور منسنك أراد قبل أن يبدأ في وضع العجم إشراك أكبر هيئة إسلامية فيه فقدم إلى الأزهر نموذجا منه لأخذ رأيه فيه فألف لجنة قامت ببحثه وقررت ألا فائدة ترجى منه.

أننا لا ننكر المجهودات القيمة التي قام بها المستشرقون في خدمة اللغة العربية والتاريخ العربي الإسلامي والتي لم يطلبوا مساعدة مالية فيها من الحكومة المصرية ولا من غيرها، ولكنا منذ نحو نصف قرن من الزمان نتلقى هذا المجهودات وننظر فيها وننتفع بها؛ وأكثرها، بل كل النافع منها، ما يتعلق بالترتيب والتنسيق ومن أهم ذلك الفهرسة أي أن جهودهم النافعة مما لا مشقة في اكتسابه، فهل تعلمنا ذلك منهم بعد كل ما تقدم؟ وهل أصبحنا نستطيع أن نقوم مثلهم بتلك الأعمال؟ إذا كان الجواب نعم فيجب أن نضع حدا لتلك الطريقة التقليدية في التنويه بكل ما يرد من الخارج، وأن لم يكن كذلك ففيم جهدنا طوال تلك السنين؟ فيصنع القائمون بذلك المعجم ما يصنعون من إتمامه، أو تركه حسبما يتفق لهم أما ما يرجى أن نساعد به من مال أو جهد فاستغلاله في بلادنا تحت أعيننا فيما نراه مفيدا خير على أي حال من الرمي به إلى ما وراء البحار. . .

رفض تمثيلية:

نشرت (أخبار اليوم) أن محطة الإذاعة وفضت تمثيلية معريه من مسرحية (كنديدا) للكاتب الإنجليزي برناردشو واتت بنص التقرير الذي رفضت به، واهم ما في التقرير من أسباب رفضها أن فيها سخرية بالقسيس زوج (كنديدا) وأنها تصور التهتك النفسي لزوجة تفاضل بين زوجها الطيب وعاشقها، وأنه ليس من الوفاء لوطننا أن نواصل الترويج لآداب الأمم الأجنبية في وقت نحن أحوج فيه إلى تغليب شخصيتنا الفكرية.

ولا شك أن تغليب شخصيتنا الفكرية على المترجمات مطلبنا القومي في الأدب والفن، ويسرنا أن تعمل إذاعتنا في تحقيقه بالإكثار من إذاعة تمثيليات مصرية بلغة مصري عربية فصيحة من إنتاج أدبائنا الناضجين.

ولكن (التغليب) ليس معناه رفض المترجمات كلها وعدم الانتفاع بالجيد منها، وهل نفهم من ذلك التقرير أن محطة الإذاعة لن تذيع بعد ذلك تمثيليات مترجمة كتلك التي يقوم عليها الركن الثقافي لهيئة خريجي القسم الإنجليزي؟

أن مسرحية كنديدا يعدها النقاد من الأدب العالمي، ويقولون أن برناردشو خرج في هذه القصة على مألوف عادته في تناول الموضوعات الوقتية وحاول أن يرسم فيها شخصية المرأة الخالدة.

على أنه، بغض النظر عن هذه التمثيلية بالذات، لا يجوز أن نختط هذه الخطة التي يرمي إليها تقرير الإذاعة فلا ينبغي أن يكون العمل على إبراز شخصيتنا الأدبية مدعاة إلى إغفال الروائع العالمية.

إصدار المطبوعات واستيرادها:

كتبت دار النشر العربية ببيروت إلى (الأهرام) كتابا أشارت فيه إلى ما قررته الحكومة المصرية من تقييد الاستيراد، وقالت إن هذا القرار يطبق على استيراد المطبوعات من البلاد العربية ورجت فيه رفع هذا الحظر ذاكرة أن ما تصدره البلاد العربية كلها إلى مصر من المطبوعات لا يعدل واحدا في المائة مما تصدر مصر إلى لبنان وحده. وقال المسؤولون بوزارة المالية في ذلك أنه رأى وقف الإصدار والاستيراد مؤقتا ريثما تنتهي اللجنة المختصة من وضع القواعد الجديدة التي تقيدهما.

وهذا الذي أجاب به المسؤولون لا يزيل الباعث على شكوى دار النشر البيروتية، فهو يدل على وقف الإصدار والاستيراد، ولا شك أن الوقف أو التقييد في استيراد وإصدار المطبوعات يثير شكوى دور النشر في البلاد العربية كلها. وإصدار المطبوعات يثير شكوى دور النشر في البلاد العربية كلها.

وللمسألة وجه آخر غير الناحية المادية التي تقلق لها دور النشر، ذلك الوجه هو الرباط الفكري بين البلاد العربية التي تعد من هذه الناحية على الأقل أمة واحدة، يهيا لها زاد ثقافي واحد. ولا يجوز مطلقا أن توهن الاعتبارات الاقتصادية من هذا الرباط فيجب ألا يشمل أي إجراء من وقف أو تقييد في الإصدار والاستيراد - ما تتبادله بلاد الأمة العربية من جرائد ومجلات وكتب ولا ينبغي أن يكون هذا موضع بحث لجنة أو رهن الفراغ من عمل لجنة، إلا أن يكون كذلك إرسال ما يصدر في القاهرة من صحف ومجلات إلى الإسكندرية أو أسيوط. . . إنما هي مسألة بديهية يبت في بالفور ولا تحمل التسويف.

الأدب اللبناني في مصر:

تضمن كتاب دار النشر العربية ببيروت الذي أشرنا إليه، موازنة ما تصدره البلاد العربية كلها إلى مصر من المطبوعات بما تصدره إلى لبنان وحده. . . ولا يسعنا إلا الإغضاء عن حصر اهتمامها وقلقها في تقييد ما تستورده مصر من المطبوعات لأن ما تصدره مصر لا يعنيها في محيطها التجاري ولكن تلك الموازنة تنطوي على أمر وثيق الصلة بما يردده إخواننا أدباء لبنان من أن مصر تهمل الأدب اللبناني ون الكتاب اللبناني كاسد في السوق المصرية، وأن الأدباء المصريين لا يكترثون به، على عكس ما يلقاه الكتاب المصري في لبنان. . .

ومن ذلك كلمة لأديب لبناني هو الأستاذ سهيل إدريس في مجلة العالم العربي، قال فيها: (أن الكتاب اللبناني يموت في السوق المصرية ويهمل في الوسط الأدبي، ولا يتناوله الكتاب المصريون بالنقد أو التعريف، على الرغم من أنه يضاهي - في كثير من الأحيان - الكتاب المصري روعة أدب وسمو فكر وإتقان إخراج. . . حتى لقد اصبح الشعور العام في لبنان أن هناك مؤامرة على الكتاب اللبناني يدبرها الأدباء المصريون!)

وجاء في رد محرر العالم العربي (أن حظ الكتاب المصري في هذا ليس خيرا من حظ الكتاب اللبناني، فحركة النقد هامدة ومعظم الذين يتولونها لا يصلحون لها. وفوق ذلك فكثير ممن يتولونها يرونها وسيلة لإرضاء الأصدقاء والتشهير بالأعداء، وكثيرون لا يتحركون للتنويه إلا تلبية لأغراض وردا لخدمات)

ولكن في ذلك ما يدل على أن حظ الكتاب المصري خير من حظ الكتاب اللبناني. . وإنما يتساوى حظهما إذا جاء المؤلفون اللبنانيون إلى مصر في اثر كتبهم وطافوا بالصحف والمجلات واصطنعوا بها ما يصطنع المؤلفون المصريون من أصدقاء التنويه. . ولن يفعلوا قلنا ما علينا فهل نقول ما لنا.؟

أن المؤلفين اللبنانيين لا يرضيهم أن ينقد أدباء مصر مؤلفاتهم نقدا حرا. . . ويرون فيه غضا من شأنهم والمصريون أهل حساسية (ذوق) وهم حريصون على مودة إخوانهم في العروبة على أن هذا وذاك إنما هو نظر في واقع. . أما ما يجب أن يكون فلا شك أنك تعرفه.

(العباس)