انتقل إلى المحتوى

مجلة الرسالة/العدد 729/الأدب والفن في أسبوع

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 729/الأدب والفن في أسبوع

ملاحظات: بتاريخ: 23 - 06 - 1947



رسالة الأدب وجائزة فؤاد الأول:

كتب (ا. ح) مقالاً بمجلة (الصباح) عنوانه (الأدباء المعاصرون في مصر - وهل فهموا رسالتهم الفكرية؟) قال فيه إن بعض كبار كتابنا من المشتغلين بالأدب والتأليف، ثار في الأيام الأخيرة، لحرمان الأدباء من جائزة فؤاد الأول الأدبية ومن حق كل متفوق أن يحنق لذلك، بعد أن منح الجائزة رجال القانون والعلوم.

ولكنه يرى أن تلك الثورة لا تمنع من تقرير حقيقةٍ اجتمع الرأي عليها (وهي أن أدباءنا على كثرة ما ألفوا من كتب، وما أصدروا من مؤلفات، لا يزالون بعيدين عن فهم رسالتهم الحقيقية في المجتمع)

ويحدد الكاتب رسالة الأدب التي يرى أن الأدباء لا يزالون بعيدين عنها، فيقول: إن الأدب هو الحياة، وكل أدب لا يصور حياتنا، ولا يتصل بها اتصالا يهدف إلى تجديدها، من حيث التنبيه إلى ما فيها من أخطاء ونقص، والدعوة إلى إصلاح عيوبها أو التحذير من أخطاء هذه العيوب - هو أدب زائف لا يمس حياتنا، ولا يؤدي الخدمة المنشودة منه، إنه يكون أدباً غير متفاعل مع عواطفنا، قليل الاهتمام بهمومنا ومشكلاتنا الروحية) ثم يتساءل: هل في كتب الأدب الكثيرة التي أنتجها رجال الفكر في مصر ما حقق رسالة الأدب على هذا الأساس؟ وهو يرمي إلى أن أكثر تلك الكتب ألف في البحوث الأدبية عن آداب العصور الماضية، وأن توجيه أكبر الجهد إلى ذلك دون ابتكار أدب تجد فيه الأمة ما يحفز همتها للنضال من أجل الحرية أو إرشادها إلى الطريق القويم الذي تسلكه في الحياة - إنما هو قصور في تأدية رسالة الأدب على حقيقتها، وعندما نستطيع إنتاج أدب يتسم بالخلق والابتكار، ويعالج مشاكلنا الكثيرة، ويصحح أوضاع حياتنا المقلوبة، ويتجه بمجتمعنا نحو الرقي عندئذ نستطيع أن نغضب إذا حرم أدباؤنا من أي جائزة رصدت للمتفوقين منهم في أي فرع من فروع رسالتهم السامية. . .

وهذا الذي كتبه كاتب الصباح (كلام جد) عبر فيه عما يشعر به الكثيرون، فإننا إذا أحصينا إنتاجنا الأدبي المعاصر نجد أكثره إما دراسات لأدب العصور العربية الماضية، وإما دراسات ومترجمات من الآداب الأجنبية، فأما الأدب الذي يصور حياتنا ويعبر عن ذات أنفسنا فهو قلة، مع أنه هو الأدب الأصيل، وما البحوث والدراسات إلا خدمة له، وليست الترجمة إلا (استيراد) له من الخارج.

وقد كان لنا العذر في قلة إنتاج الأدب الأصيل في الصدر الأول من هذا العصر، لأنه كان عصر نهضة، والنهضة تحتاج إلى كثرة النقول ودراسة الآثار، لنتزود منها ونبني على نافعها، أما الآن فلا عذر لنا في كثرة الدوران حولها، وإهمال أنفسنا، فلا نبني لزماننا كالذي بنى أسلافنا لزمانهم. . .

هذا من ناحية الموضوع العامة، أما ناحيته من حيث استحقاق جائزة فؤاد الأول الأدبية فثمة أمران يرجحان كفة الأدب الأصيل: الأول هو ما قدمناه من بيان أهميته، الأمر الثاني يمكن استخلاصه من المرسوم الملكي الصادر بإنشاء جوائز فؤاد الأول وفاروق الأول، فقد جاء فيه: (يشترط فيالإنتاج الذي يقدم في المسابقة في كل عام أن يكون ذا قيمة علمية أو فنية ممتازة تظهر فيه دقة البحث والابتكار (ويهدف خاصة إلى ما يفيد مصر) والإنتاج القومي) والشرط ينصب على الآداب والعلوم والقانون، وجميعها لا بد أن تهدف إلى ما يفيد مصر. ولا شك االأدب الذي يعالج مسائل مصر ويصور حياة مصر وينبعث من البيئة المصرين، هو أقرب الآداب إلى فائدة مصر. وصحيح أن المرسوم نص على أن جائزة الآداب تشمل (الآداب البحتة مثل الأدب القصصي، الأدب التصويري، الأدب الاجتماعي، الشعر، البحوث الأدبية (النقد، البحوث اللغوية، الدراسات الإسلامية الأدبية) والتأريخ والجغرافيا والفلسفة والآثار)

ولكنه إلى تقديمه الآداب البحتة، قيد الجميع بأن تهدف خاصة إلى ما يفيد مصر. وستجتمع لجنة جائزة الآداب وتنظر في كل ذلك لتقرر منح الجائزة لمن يستحقها في العام القادم بعد أن أجلتها هذا العام، ولا أخالها إلا مرحبة بمعرفة اتجاه الرأي الأدبي العام، وتقدر ما يبدى من الآراء التي يراد بها وجهة الأدب الخالصة

قضاة الغرام:

أرادت مجلة (الاثنين) أن تستفتي الأدباء في مشكلة من أهم المشاكل التي تشغل بال الرأي العام في هذه الأيام. . . هي مشكلة غرام! فقد ساءت العلاقة بين شاب وفتاة، وتكرر وقوع الاعتداء من أحد الطرفين على الآخر، فأصبح الأمن بذلك مهدداً في عالم الغرام. . . ولم يستعن الفتى بخبراء، ولم ينتظر قرار هيئة مستشارين، بل أسرع في كتابة العريضة ورفعها إلى (الاثنين) يقول إنه أحبها، وأحبته، وهو رقيق الحال معتز بكرامته، وهي ربيبة نعمة وجاه (وأعتدي المال على الفقر مرة واثنتين وثلاثاً، وثارت الكرامة وتطلبت الاعتذار. . . ولكن الفتاة لم تعتذر، لأنها لم تتعود الاعتذار. وإنه لفي حيرة لا يدري أيكون أكثر شقاء بالصفح والغفران، أم بالقطيعة والهجران. . .)

وتلفتت (الاثنين) _أو الاثنان_حولها، تبحث عمن ينظر القضية. ومن لها غير الأدباء؟ أليسوا أساة القلوب وقضاة الغرام؟ ومتى تلجأ إليهم إن لم يكن هذا وقتهم! وفيم تحكمهم أن لم يحكموا في هذا الأمر الجلل؟ أفي كهربة خزان أسوان ولا يتصل لمثل هذا بهم شغل؟ أم في مسائل تتصل بأدبهم ولكنها تشق على الأذهان الناعمة. . .؟

واصدر الأدباء، فلان وفلان وفلان، حكمهم، فمنهم من رأى أن كل شيء يهون إلا الشرف، ومنهم من قال: لغة الحب الضنى! ومنهم من أنشد: (ليس لمخضوب البنان يمين)

وهكذا عولجت المشكلة وانتهت القضية واستتب الأمن في عالم الغرام!

ولكن هل ينبغي أن تقصر العناية على هذه المشكلة (الحيوية)؟ وهل يصح إلا يدعي الأدباء إلى غير ذلك مما يهم الناس. . .؟

باسم أدباء العرب:

من الأنباء الأخيرة أن أحد أعضاء المؤتمر الدولي لنادي القلم المجتمع في زيورخ، اقترح اتخاذ قرار بالثناء على الشعب اليهودي والأنحاء باللائمة على خصوم الصهيونية والرغبة في معاملة الوطن القومي لليهود على قدم المساواة مع سائر دول العالم، فقابلت كثرة المؤتمر هذا الاقتراح بالتصفيق.

غير أن الأستاذ كميل أبو صوان مندوب لبنان (وهي الدولة العربية الوحيدة الممثلة في المؤتمر) قد احتج على هذا الاقتراح باسم الأدباء العرب، مما أدى إلى نقاش عنيف بين أعضاء المؤتمر انتهى برفض الاقتراح لأن قانون المؤتمر يحرم التعرض لأية مسألة سياسية

وهذا - ودون شك - عمل رائع من الأستاذ كميل أبو صوان، ومما يزيد روعته أنه أدى إلى رفض الاقتراح الذي أريد به تأييد الصهيونية.

الفنيون وتيسير الكتابة العربية:

لما كان تيسير الكتابة العربية موضوع مسابقة جائزتها ألف جنيه، وقد دخل فيه نحو مائتي متسابق بينهم فنيون وفنانون لهم قيمتهم، وهم مختلفون في منازعهم، حتى أن مجمع فؤاد الأول للغة العربية القائم ببحث هذا الموضوع، تلقى رسائل فيه من أمريكا ومن روسيا ومن الهند وغيرها من سائر الأقطار والأصقاع، ولأهمية هذا الموضوع وخطورة أثره، رأى المجمع ألا تنفرد لجنة تيسير الكتابة العربية بالحكم على هذه المشروعات، وأن ترجئ نظرتها حتى تسمع رأي حكام فنيين في الخط وفي الطباعة، فقد يعجب اللجنة مشروع يصعب تنفيذه في العمل، فتبطل قيمته، وتنعدم جدواه، وقد يروق اللجنة مشروع من وجهته العامة ولكنه في أداء مقتضيات الكتابة العربية ناقص أو عسير التحقيق، ورأت اللجنة أن أعضائها وأن كان لهم بصر بالكتابة العربية، وسابق نظر في المشروعات والمقترحات التي بسطت للتيسير، فانهم ليسو بالفنيين المتجردين لشؤون الخط والطباعة.

لذلك كله قرر مجلس المجمع، في جلسته التي ختم بها دورته الماضية، تأليف لجنة من فنيين في الخط وفي الطباعة اختار لها المدير العام لمصلحة المساحة رئيساً، ويتكون أعضاؤها من كبير الخطاطين بمصلحة المساحة والأستاذ السيد إبراهيم الخطاط، والشيخ محمد فخر الدين بك، ومدير المطابع والتوريدات بمصلحة السكة الحديد، ورئيس مطبعة دار الكتب، والأستاذ شفيق مترى صاحب دار المعارف. وضم إليهم الأستاذ شارل كونتز مدير المعهد الفرنسي بالقاهرة باعتباره فنياً في الخطوط السامية وأحد الذين تتبعوا تطور الكتابة العربية، ليقارن بين الخطوط المقترحة وبين الخطوط السامية.

وتعقد هذه اللجنة بدار المجمع اجتماعات أسبوعية توالي فيها النظر في المقترحات المقدمة. وينتظر أن تقدم تقريرها في هذه المهمة إلى المجمع قبل انتهاء عطلة الصيف حتى يستطيع المجمع أن ينظر فيها في مقتبل دورته القادمة. . .

المؤتمر الثقافي العربي:

عرف القراء مما كتبناه في عدد مضى من الرسالة أن اللجنة الثقافية بالأمانة العامة للجامعة العربية دعت إلى عقد مؤتمر ثقافي بلبنان في سبتمبر القادم تنفيذا لسياسة التعاون الثقافي بين الدول العربية. ونذكر اليوم، إلى ما بيناه فيما مضى، أن المؤتمر سينعقد في فندق بيت مرى الكبير ويبدأ في اليوم الثاني من سبتمبر ويستمر إلى التاسع منه، وسيكون تحت رعاية فخامة رئيس الجمهورية اللبنانية، أما رئيس المؤتمر فهو وزير التربية الوطنية (المعارف) اللبنانية، ويرأس معاليه أو من ينوب عنه حفلات الافتتاح والختام والمحاظرات العامة. أما الاجتماعات التي تخصص لمناقشة مقترحات اللجان الفرعية الفنية وأخذ الآراء فيها، فينيب معاليه عنه في رياستها رئيس اللجنة الفرعية المختصة لعرض وجهة نظر اللجنة وتوجيه المناقشات واتخاذ القرارات. . .

وقد نشرت بعض الصحف أن المؤتمر ستشترك فيه بعض السيدات المثقفات. وقد عرفنا أن الأمانة العامة لم تتلقى بعد أسماء سيدات لهذا الغرض، ولكن إذا رأت إحدى الهيئات الرسمية أن يكون من ممثليها سيدات فإنها لا تمانع في ذلك، كما انها لا تمانع في حضور سيدات مثقفات من غير الهيئات الرسمية جلسات المؤتمر مستمعات كغيرهن من الرجال. . .

وقد تلقت الإدارة الثقافية بالجامعة العربية من جامعة فؤاد الأول أن مجلس إدارتها وافق على إيفاد حضرتي الدكتور محمد عبد المنعم الشرقاوي والأستاذ أحمد محمد الشايب لحضور المؤتمر الثقافي، وتلقت من وزارة المعارف العراقية أن ممثلي العراق في المؤتمر هم الدكتور جواد علي والدكتور مصطفى جواد والأستاذ إبراهيم شوكت، ويمثل فلسطين السادة وصفي العنبتاوي والأستاذ إسحاق الحسيني والأستاذ أحمد خليفة من كبار رجال التعليم بحكومة فلسطين. . .

والمفهوم أن قرارات المؤتمر سترسل إلى الدول العربية للعمل على تنفيذها، وانه وأن لم يكن هناك إلزام رسمي بذلك إلا أن الفكرة العامة من حيث الرغبة في الاتحاد والتقارب الثقافي بين الأمم العربية، تكسب تلك القرارات نوعاً من الإلزام الأدبي. . .

مؤتمر الآثار العربي:

وقد عرف القراء أيضاً نبأ انعقاد مؤتمر للآثار العربية بسورية قبل انعقاد المؤتمر الثقافي بلبنان. . .

ونضيف إلى ما سبق أن مؤتمر الآثار سيعقد بدمشق ويبدأ في الثالث والعشرين من أغسطس القادم وينتهي في آخره، بحيث يبدأ على أثره المؤتمر الثقافي بلبنان في أوائل سبتمبر كما تقدم

وسيكون مؤتمر الآثار العربي تحت رعاية فخامة رئيس الجمهورية السورية، ويرأسه معالي وزير المعارف بسورية. . .

ويمثل جامعة فؤاد الأول في المؤتمر الدكتور زكي محمد حسن والدكتور أحمد بدوي، ويمثل دار الآثار العربية بالقاهرة الدكتور محمد مصطفى أمين الدار، ويمثل العراق السادة فؤاد سفر وطه باقر وبشير فرنسيس. . . وقد أبرقت وزارة المعارف السورية إلى الإدارة الثقافية بأن مندوبها الرسمي الأول هو الأمير جعفر الحسني، وأن المندوب الثاني هو السيد سليم عادل. . .

(العباس)