مجلة الرسالة/العدد 727/تفسير الأحلام

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

7 - تفسير الأحلام مجلة الرسالة/العدد 727/تفسير الأحلام للعلامة سجموند فرويد سلسلة محاضرات ألقاها في فيينا للأستاذ محمد جمال الدين حسن كلا، أيها السادة، فالوقت مع هذا لم يحن بعد. فحتى هذا الاعتراض القوي قد ينهار من ساسه إذا صوبنا إليه سهام النقد الحادة. فنحن إذا فرضنا أن هناك نزعات لا شعورية تكمن في الحياة العقلية، ثم اتضح أن عكس هذه النزعات بالضبط هو الذي يغلب على الحياة الشعورية، فليس معنى هذا إننا أخطأنا التقدير، فربما كان هناك متسع في العقل البشري للنزعات المتضادة وللمتناقضات تكمن كل بجانب الأخرى. بل من المحتمل أن تغلب إحدى النزعات هو الذي يستلزم أن تكون النزعة العكسية لا شعورية. وعلى هذا فالاعتراضات التي تواجهنا كلها تتلخص في أن النتائج التي وصلنا إليها في تفسير الأحلام نتائج معقدة غير مستساغة. فأما كونها معقدة فإن في استطاعتنا أن نرد على ذلك بان نلفت نظركم إلى إنكم مهما كنتم مغرمين بالبساطة والسهولة فلن تستطيعوا بذلك أن تحلوا مشكلة واحدة من مشاكل الأحلام، وعلى هذا يجب عليكم أن تشرعوا في تهيئة عقولكم من الآن لتقبل نتائج صعبة معقدة. وأما كونها غير مستساغة فإنكم ترتكبون خطأ كبيرا عندما تجعلون من ميلكم للشيء أو عدمه مقياسا تحكمون به على الأشياء أحكاما علمية. فماذا يهمنا إذا كنتم ترون النتائج التي وصلنا إليها في تفسير الأحلام نتائج غير سارة أو حتى على أسوا الفروض نتائج بشعة تعافها النفس؟ أن الواجب يقتضي منا أن نطرح الميل والنفور جانبا إذا أردنا أن نقف على الحقيقة في هذه الحياة. فإذا جاء أحد علماء الطبيعة فاثبت لكم أن الحياة العضوية قيمة بان تختفي من وجه البسيطة عما قريب، أيجد أحدكم من نفسه الجرأة على مواجهته قائلا: (كلا يا سيدي هذا لن يكون لأني اكره هذا المنظر كرها شديدا)؟ أظنكم لن تقولوا شيئا من هذا القبيل حتى يأتي عالم آخر فيثبت للأول انه قد اخطأ في التقدير أو في الحساب. والواقع إنكم عندما تنكرون كل ما هو بغيض بالنسبة إليكم فإن ما تقومون به هو تكرار لعملية بناء الحلم وليس فهما لمرماه أو وصولا إلى معناه. وعلى هذا أظن إنكم ربما تأخذون على أنفسكم أن تغضوا النظر عن الطبيعة الجارحة للرغبات التي تخضع للرقابة في الحلم ثم تحولون دفة المناقشة إلى أنه من غير المعقول أن نسلم بوجود مثل هذا الجزء الكبير من الشر في الطبيعة البشرية. ولكن هذا تحقق تجاربكم في الحياة صدق هذه العبارة؟ أني لن أقول شيئا عن هيئة الواحد منكم في نظر نفسه. ولكن هل صادفتم من النية الحسنة بين رؤسائكم ومنافسيكم، ومن الشهامة والكرم بين أعدائكم، ومن الحسد القليل بين زملائكم ما يدفعكم إلى الشعور بأنه يتحتم عليكم أن تحتجوا إذا قلنا أن الأنانية الوضيعة تلعب دورا كبيرا في الطبيعة البشرية؟ أو ولا تعلمون كيف يعجز الرجل العادي أن يملك زمام نفسه في كل ما يمس حياته الجنسية؟ أو هل تجهلون إن كل ما نراه في الحلم من انغماس في الضلالات أو إفراط في الشهوات ما هو إلا جرائم تحدث فعلا كل يوم، يرتكبها الناس وهم في تمام اليقظة؟ أن التحليل النفساني لا يفعل في هذه الحالة اكثر من انه يعزز القول القديم لأفلاطون وهو أن الأخيار لهم أولئك الذين يكتفون بان يروا في أحلامهم ما يرتكبه الأشرار فعلا في حياتهم اليومية. والآن دعوا الأفراد وانظروا إلى هذه الحرب الضروس التي ما تزال تدمر أوربا: فكروا في هذه القسوة والوحشية الطاغية كيف انتشرت في أرجاء العالم المتمدن. أتعتقدون حقا إن في استطاعة حفنة من الرجال الفاسقين الذين لا مبدأ لهم في الحياة أن يقودوا العالم إلى هذا الشر المستطير إذا لم يكن ملايين الناس الذين اتبعوهم شركاء لهم في الجرم أيضا؟ أتجدون من أنفسكم الجرأة بعد ذلك على أن تنكروا وجود عنصر الشر في الطبيعة الإنسانية؟ أظنكم بعد هذا توافقون على انه لا حاجة بنا إلى أن نطرح النتائج التي وصلنا إليها في تفسير الأحلام، حتى ولو إننا لا نستطيع أن نمنع أنفسنا من الشعور بأنها نتائج غريبة. وربما كان في إمكاننا فيما بعد أن نصل إلى تفهم معناه عن طريق آخر، ولكنا في الوقت الحاضر سنكتفي بأنه نتمسك بالنتيجة الآتية وهي أن التحريف في الأحلام ينشأ عن الرقابة التي تفرضها بعض النزعات المعروفة للذات على الرغبات التي تجرح الشعور والتي تعتلج في صدورنا أثناء النوم. ومن الواضح إننا إذا سألنا أنفسنا عن مصدر هذه الرغبات التي تستوجب الزجر ولم لا تظهر إلا أثناء الليل، فسنجد إننا مازلنا في حاجة إلى البحث الطويل والى الإجابة على أسئلة كثيرة. على انه من الخطأ إلا نوجه إلى إحدى النتائج التي تتضح من هذا البحث ما تستحقه من الالتفات. فهذه الرغبات التي تظهر في الأحلام والتي تقلق نومنا تكون مجهولة لدينا ولا نعلم عنها شيئا إلا بعد القيام بتفسير الحلم، وعلى هذا فهي تستحق أن يطلق عليها (لا شعورية في الوقت الحالي) بالمعنى الذي استخدمنا به هذا الاصطلاح من قبل ولكنا يجب أن نعلم أيضاً إنها اكثر من (لا شعورية في الوقت الحالي) لأن الحالم كما رأينا مرارا ينكرها إنكارا باتا حتى بعد أن يقف على معناها عن طريق تفسير الحلم. وهذه الحالة تكرار للحالة التي صادفتنا من قبل عندما كنا نقوم بتفسير زلة للسان (تفيقوا) حيث أكد لنا الخطيب في حنق انه لم يشعر نحو رئيسه بعدم الاحترام بتاتا لا في ذلك الوقت ولا في أي وقت آخر. وبالرغم من هذا فقد تجاسرنا على الشك في قيمة هذا التأكيد وفرضنا بدلا من ذلك أن الشاب كان جهل مستديم بوجود هذا الشعور في نفسه. ونحن نجد أنفسنا في مثل هذا الوضع في كل مرة نقوم فيها بتفسير حلم من الأحلام التي تعرضت لدرجة عالية من التحريف. وعلى ذلك فإن في إمكاننا الآن أن نفرض أن هناك نزعات وعمليات في الحياة العقلية لا نعرف عنها شيء. وهذا يعطي كلمة (لا شعوري) معنى جديد فقط أصبح لا داعي كما رأيتم لأننلصق بها الصفة (في الوقت الحالي) أو (مؤقتا) لأنها قد تعني أيضاً (لا شعوريا مستديما) وهذه النقطة قد نعود إلى مناقشتها مرة أخرى فيما بعد. (يتبع) محمد جمال الدين حسن