مجلة الرسالة/العدد 725/الأدب والفن في الأسبوع
مجلة الرسالة/العدد 725/الأدب والفنّ في الأسبوع
مدارس الشعر:
نلاحظ في الأنباء الأدبية الواردة إلينا من بعض الشقيقات العربية في هذه الأيام، وفيما يكتب من الحالة الأدبية فيها، كثرة ما يقال من مثل (أدباء الجيل الجديد) و (شعراء المدرسة الحديثة)، وقد يقابل هذا بنحو (الأدب القديم) و (الأدباء المحافظون).
وأكثر ما نجد ذلك في الحجاز، وقد وفدت علينا أخيراً طائفة من دواوين الشعر من إنتاج صفوة من الشباب الحجازيين الناهضين، حوت شعراً جديداً جذب الأنظار إلى منازل وحي الشعر العربي الأصيل. وليس عجيباً أن تترد بينهم كلمة الجديد وكلمة القديم، لأن جيل الكهولة هنالك لم يكد يتجاوز حدود عزلته للمشاركة في نهضة الأدب العصرية في سائر البلاد العربية.
وفي مصر لا نزال نرد الشعراء إلى مدارس تنسب إلى الجديد وإلى القديم، ولكن ذلك خفت حدته في السنوات الأخيرة وقل ترداده، وكان أمره مستشرياً في أوائل هذا العصر رد فعل لعنصر الجمود السابق له، ثم تهيأت الأذهان واستقرت بها الحقائق الأدبية العصرية، فتدانت المدارس واجتيزت الحدود ولم تعد بينها فروق كبيرة، واصبح الاختلاف بين الخصائص الشخصية اكثر من الاختلاف بين الخصائص المدرسية.
لذلك لم يكن الناس يتوقعون ما قاله الأستاذ العقاد عن لجنة الأدب بمجمع فؤاد الأول للغة العربية في الحفل الذي أقيم منذ أسابيع لإعلان نتيجة المسابقات الأدبية، فقد نسب الأستاذ الشعراء إلى مدرستين: ابتداعية حديثة، واتباعية سلفية، على أن الأستاذ نفسه أشار إلى متاخمة المدرستين واقتراب خصائصهما.
وقد قرأت أخيراً من الدواوين الحجازية الجديدة ما يسوغ لي أن أسجل هنا أن الشعر الحجازي الجديد لا يلتزم حدود مدرسة معينة، وهو يسير في ركب الأدب العربي الحديث مقاربا ًومؤاخياً، وأن الشعراء الشباب هناك ليس بينهم وبين أمثالهم في مصر وفي سائر البلدان العربية كبير اختلاف إلا فيما لابد منه بعض السمات المحلية.
الشعر والاستعمار:
ذكرنا ما قال الأستاذ احمد أمين بك الذي كتبه في عدد (الثقافة) الخير بعنوان ( يناهض الاستعمار) الذي بين فيه أن سقوط أمم الشرق في يد الغرب جعل الناس يشعرون أن الحرب الحقيقية بين المستعمَرين والمستعمرين بدأت بدخول الأجانب بلادهم، لا أنها انتهت بدخولهم، فكان الأدب هو وحده المعبر عن شعورهم، ثم بين اتجاه البارودي في شعره إلى مسائل عامة يعرض فيها قضية الوطن واستثارة الهمم، وكذلك شوقي وحافظ اللذان أذكت زيادة الوعي القومي في عصرهما حرارة الوطنية في شعرهما، وكان يناهض الاحتلال إلى جانبهما شعراء آخرون أمثال أحمد الكاشف وأحمد محرم وأحمد نسيم ومحمد عبد المطلب ومحمد الهراوي.
ذكرنا ذلك بما يلاحظ على شعرائنا الأحياء من ضآلة نصيبهم في ذلك المضمار وقعودهم عن مكافحة الاستعمار، وخصوصاً في هذه الآونة التي استفحلت فيها المنازعات بيننا وبين المستعمرين، وبلغ فيها الوعي القومي مبلغاً كبيراً.
فهل ترجع قلة محصول شعرائنا في هذا الميدان إلى قصور شاعرياتهم، أو ترجع إلى أن الشعر يتجه، في آخر اتجاهاته، اتجاهاً غنائياً، فلا يحفل بحماس الوطنية ولا بمشاكل السياسة؟؟
سفير عربي:
حدثنا الأستاذ محمود تيمور بك عن زيارته لدار الكتب الأهلية في نيويورك في أثناء رحلته إلى أمريكا في العام الماضي، قال يصف تلك الدار: (إنها مبنى عظيم يحتوي على حجر رحبة وقاعات فسيحة، وقد حجبت أرجاءها فاستهوتني تلك الطرافة والتجديد في كل ركن، وذلك التيسير وسرعة الإفادة في كل موضوع، وزهاني أن تقع عيني هنالك على قسم عربي ملحوظ الجانب بين سواه من الأقسام، هذا سفير الشرق العربي يتربع هنا في مهابة وإجلال. . . ألا تراه اعز مكانة واحمد أثراً من مقاعد تعد للشرق في هيأت الأمم ومجلس الأمن أو غيرهما من هيئات السياسة والشئون العالمية ومجامع الشرف والتكريم؟).
والأستاذ تيمور يعمل في تأليف كتاب عن هذه الرحلة اسمه (أبو الهول يطير) يفرغ منه قريباً.
مسابقة المجمع اللغوي: اجتمعت لجنة الأدب بمجمع فؤاد الأول للغة العربية يوم الاثنين الماضي، ونظرت في موضوع المسابقات الأدبية لسنة1947 - 1948، وقد تناقشت اللجنة في موضوعات الشعر والقصة والبحوث من حيث التقييد والإطلاق، وكان بعض الأعضاء قد اقترح إن تعين موضوعات جائزة الشعر والقصة مثل البحوث، ولكن رأي عدم الأخذ بهذا لأن تحديد الموضوع وإن كان مقبولاً في البحوث الأدبية فإنه لا يستحسن في الشعر والقصة، إذ لا شيء أفسد لهما من صنعهما عن طريق التعمل والتكلف.
واقترح أحد الأعضاء النص على أن الإنتاج المقدم للجنة يجب ألا يكون قد سبق تقديمه للمجمع ولا لأية هيئة علمية أخرى، لأن مثل هذا الإنتاج لا ينبغي إن يجاز مرتين، فأدامت هيئة علمية محترمة قد سبق أن أجازته فمن الحرج مخالفتها، فنوقش هذا الاقتراح بأنه يجب قصر النص على أن لا يكون الإنتاج مما سبق أن أجازه المجمع، أما ما سبق لهيئة علمية أن أجازته فلا ينبغي أن يكون هناك مانع من قبوله، وقد جرت على ذلك المجامع الأوربية ثم استقر الرأي على أن ما يقدم للمجمع يجب ألا يكون مما سبق أن أجازه المجمع. أما النص على ألا يكون مما سبق أن أجازته هيئة علمية محترمة فلا يذكر وتترك المسائلة مطلقة.
وقد تقرر تخصيص مبلغ مائتي جنيه لأحسن إنتاج من الشعر العربي الفصيح، ومبلغ مائتي جنيه لأقوم قصة وضعت بالعربية الفصحى لا تقل عن مائتي صفحة من القطع المتوسط، على ألا يكون كل من الشعر والقصة قد سبق تقديمه للمجمع
وتخصيص مبلغ400 جنيه للبحوث الأدبية على أن توزع على النحو الآتي:
أ - 200 لأحسن بحث بالعربية الفصحى عن البيئة الأدبية في المدينة أيما بنى أمية
ب - 200 جنيه لأقوم بحث بالعربية الفصحى عن مهيار الدبلمى وشعره
على ألا يقل البحث المقدم عن مائتي صفحة من القطع المتوسط وترسل إلى المجمع نسختان من الإنتاج الأدبي المقدم، مطبوعتان أو مكتوبتان على الآلة الكاتبة في موعد لا يتجاوز نوفمبر سنة 1947.
التتويج الأدبي: كان مجمع فؤاد الأول للغة العربية قد قرر في سنة 1945 (أن يتخذ سنة جديدة فيتوج أعظم الآثار الأدبية كل عام بتقديره ومنح صاحبه جائزة كما سيصنع مع الأستاذ خليل بك مطران) وتم فعلاً بعد ذلك تتويجه للأستاذ خليل بك مطران ومنحه جائزة 800 جنيه. وكان ضمن قراراته في المسابقة الأدبية الماضية تتويج الأنتاج القصصي للأستاذ محمود بك تيمور ومنحه جائزة مائة جنيه.
وقد نظرت لجنة الأدب أخيراً في هذا الموضوع فرأت عدم تتويج أحد في هذا العام، وقررت مبدأً جديداً، أن يكون التتويج معنوياً لا مادياً أي تقديراً أدبياً فحسب فلا يمنح المتوج جائزة مادية، على أن يكون التتويج حسب مشيئة المجمع واختياره من تلقاء نفسه، لا بناء على طلب صاحب الآثار الأدبية
المخطوطات العربية:
من مشروعات اللجنة الثقافية بالجامعة العربية إنشاء معهد لإحياء المخطوطات العربية، ويجرى العمل في سبيل تصوير المخطوطات العربية القيمة وجمعها في هذا المعهد.
وهذا مشروع جليل يستحق أكبر العناية، فلا تزال في المكتبات العربية أسفار مخطوطة عظيمة الشأن، منها مراجع يلقى الدارسون عناء كبيراً في نبش قبورها، كالمنهل الصافي والمستوفى بعد الوافي، وكالمغرب في حلى المغرب.
وتلك المراجع المخطوطة هي أهم ما يستعين به من يضع مؤلفاً في أحد الموضوعين اللذين قررت اللجنة الثقافية وضع جائزتين للتأليف فيهما، وهذا الموضوع هو (تاريخ الأمة العربية من سقوط بغداد إلى أول القرن الثالث عشر الهجري) فجل تاريخ هذه الفترة مما حوته المخطوطات.
وقد أنشأت الجامعة المصرية منذ سنوات كرسياً للأدب المصري، والمقصود أدب تلك العصور، ولا شئ أعون على دراسته من إحياء تلك المخطوطات، فغاية ما نرجو ان يكون حظ الجامعة العربية من التوفيق في ذلك أحسن من حظ الجامعة المصرية.
الإذاعة العامة:
وأخيراً وافق مجلس الوزراء على مذكرة وزارة الشئون الاجتماعية الخاصة بإعادة تنظيم محطة الإذاعة، بعد أن آلت إدارتها إلى الحكومة ومما تضمنته هذه المذكرة تأليف لجان ثقافية وفنية لاقتراح ما يذاع من الموضوعات واختيار المحدثين والفنانين وما إلى ذلك.
والمأمول من هذا التنظيم الجديد أن يحقق ما يرجى من محطة الإذاعة بحيث يقوى برامجها ويتلافى عيوبها التي استهدفت للنقد في الأيام الأخيرة. ومهما يكن من شئ فإنا لا نستطيع أن نستمر على غض الطرف عن هذه العامية المتفشية في الإذاعة المصرية، في التمثيليات وفي الأحاديث. . . وليس الأمر مقصوراً على العامية منها، بل نسمع كثيراً من المحدثين بالعربية يلحنون ويخطئون في النطق وفي التعبير، وكثيراً ما يقع ذلك ممن يدعون من الوزارات المختلفة للتحدث في موضوعات فنية. فلم لا تكون هناك رقابة لتصحيح لغة الأحاديث وتمرين المحدثين على النطق الصحيح ما داموا لا يهتمون بتقويم ألسنتهم في لغتهم كما يهتمون بتقويمها في اللغات الأجنبية!.
وقد انفردت محطة الإذاعة المصرية من بين سائر المحطات العربية بالإكثار من الإذاعة العامية، فلا تكاد تجد في محطة غيرها حديثاً ولا تمثيلا الا بالعربية الفصيحة.
فيجب أن يلتفت القائمون على أمر الإذاعة في عهدها الجديد إلى أنه، قبل تقوية صوتها ليسمع جلياً في العالم العربي كله، يجب أن يكون هذا الصوت بلسان عربي مبين.
(العباسي)