مجلة الرسالة/العدد 722/الأدب والفن في أسبوع

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 722/الأدب والفن في أسبوع

ملاحظات: بتاريخ: 05 - 05 - 1947



يوم من أيام العلم:

شهدت جامعة فؤاد الأول في الأسبوع الماضي يوماً رائعاً من أيام العلم في تقدير النبوغ وإكباره، ولقد زاد في روعة هذا اليوم وبهائه أن باركه الفاروق العظيم برعايته السامية وعطفه السابغ، إذا وقف المليك العظيم في لباسه الجامعي بين أبناء الجامعة، أساتذة وطلاباً، ورجال العلم والأدب: شيوخاً وشباباً، يوزع جوائز فؤاد الأول على الذين استحقوها من العلماء المبرزين، ويسلم الدرجات العلمية للذين نالوها من المتخرجين المتفوقين، وما الجامعة العظيمة إلا غرس فؤاد العظيم ومأثرته على العلم، فلا غرو أن يكون الغرس موضع الرعاية من شبله، وإنما الابن سر أبيه. . .

جوائز فؤاد العلمية:

ولقد افتتح الاحتفال معالي وزير المعارف عبد الرزاق السنهوري باشا بخطبة ضافية ألقاها بين يدي المليك العظيم نصير العلم والعلماء واستهلها بقوله: (مولاي إن لوالدكم الراحل العظيم من الأيادي البيضاء على العلم، ما جعل رجال العلم في هذا البلد تختار يوم ذكرى وفاته ليكون موسماً للعلم، فاختارت لجنة الجوائز هذا اليوم لتوزيع الجوائز العلمية التي تفضلتم بتخصيصها كل عام للفائزين من كبار العلماء والأدباء، وهي الجوائز التي أطلقتم عليها اسم والدكم العظيم. كما اختارت جامعة فؤاد الأول هذا اليوم أيضاً لتوزيع درجاتها العلمية على النابهين من أبنائها الخريجين. . وسيتشرف بالمثول بين يديك يا مولاي لأخذ الجوائز العلمية ولتسلم الدرجات الجامعة كهول وشباب، أما الشباب: فأولئك هم المتفوقون من الناشئين في العلم، وأما الكهول فأولئك هم النابغون فيمن نضج من العلماء).

العقل المصري:

قال معالي الوزير: (لقد أثبت علماؤنا اليوم يا مولاي إن العلم ليس وقفاً على الغرب، وإن العقل المصري إذا أطلق من عقاله وأفسح له المجال، يثب ويرتفع، حتى يصل إلى المستوى الذي وصل إليه علماء الغرب، وهذه الحقيقة تدل عليها مؤلفات علمائنا الذي فازوا بجوائز هذا العام، وهي ليست إلا مثلاً لمؤلفات كثيرة أخرى، فالعالم المصري بحق له اليوم أن يطالب بمكانه بين علماء الغرب، وهو في ذلك لا يستحدث جديداً، بل يواصل تقاليد قد سلفت، يوم كانت مصر هي منار العلم ومنبع المدينة ومقر الحضارة). . .

النهضة العلمية في مصر:

ثم قال: (والنهضة العلمية في مصر هي عز الماضي، وأمال المستقبل، بنينا مجدنا بالعلم، وسنعيد بناءه بالعلم، وهانحن نمد النظر إلى آفاق بعيدة، آفاق يشع منها النور قوياً وهاجاً، ونرى النور يقترب منا رويداً رويداً، ولكما اقترب زاد إشعاعاً وقوة، فهل يغمر مصر وهي تمشي إلى مستقبلها هذا النور المتألق؟ لقد أخذت غياهب الجهل تنقشع عن سمائنا، يبددها هذا النور الذي يقترب، فليكن سيرنا نحن النور، ولنمش إليه بخطوات ثابتة، فإن هذا النور الذي نراه هو مرآة الماضي، وعنوان الحاضر ورجاء المستقبل). . .

الفائزون بالجوائز:

وتكلم بعد ذلك الأستاذ الكبير معالي أحمد لطفي السيد باشا رئيس لجنة الفحص لجوائز الآداب فأعلن إن اللجنة لن تفرغ من عملها بعد ولهذا قررت إعلان تأجيلها إلى العام القادم، ثم تكلم معالي بهي الدين بركات باشا رئيس لجنة الفحص لجائزة القانون ثم سعادة الدكتور حسن صادق باشا رئيس لجنة الفحص لجائزة العلوم ثم قدوم معالي وزير المعارف الفائزين بجائزة القانون إلى جلالة الملك وهما الدكتور محمد مصطفى القللي بك عميد كلية الحقوق بجامعة فؤاد الأول والدكتور محمد زهير جرانه المحامي فتسلما البراءة بالجائزة وقدرها ألف جنيه، ثم قدم معالي الوزير الفائزين بجائزة العلوم وهم مصطفى نظيف بك والدكتور محمود الشيشيني الأستاذان بكلية الهندسة والدكتور محمد عبدة السعيد الأستاذ بكلية الهندسة وعضو بعثتها إلى إنجلتراً.

درجات المتفوقين:

وبعد ذلك تفضل جلالته بتسليم المتفوقين من الخريجين درجاتهم العلمية، وقد قدمهم إلى جلالته الدكتور عبد الوهاب عزام بك نيابة عن مدير الجامعة بكلمة الجامعة رائعة ختمها بقوله: (إن مصر والأمة العربية جمعاء تبني اليوم تاريخاً وتنشئ أجيالاً وتعد مستقبلاً يكافئ مكانتها بين الأمم ومآثرها على الزمان. والله أسأل أن يرعاها ويسدد خطاها وأن يجعل عرشكم الزاهر مناراً لنا في تاريخ مصر وتاريخ العرب كلهم، وتاريخ الحضارة الإنسانية).

وكان هذا الدعاء الصادق مسك الختام.

البراءة الملكية بالجائزة

ويهمنا أن نسجل فيما يلي نص البراءة الملكية بالجائزة التي منحت للدكتور مصطفى نظيف بك وهي نموذج للبراءات التي منحت لجميع الفائزين.

وهذا هو النص:

من فاروق ملك مصر بعناية الله تعالى

إلى صاحب العزة مصطفى نظيف بك الأستاذ بكلية الهندسة بجامعة فؤاد الأول.

بناء على ما أقرته اللجنة الدائمة لجوائز فؤاد الأول وفاروق الأول من استحقاقكم جائزة فؤاد الأول للعلوم عن سنة 1947 لما امتاز به مؤلفكم (الحسن بن الهيثم - بحوثه وكشوفه البصرية) من دقة البحث.

قد أمرنا بإصدار براءتنا الملكية هذه من ديواننا بمنحكم تلك الجائزة وفقكم الله لخدمة العلم والوطن.

تحريراً بقصر القبة الملكي بالقاهرة في اليوم السابع من شهر جمادى الآخرة لسنة ألف وثلاثمائة وستة وستين من هجرة خليفة المسلمين وفي السنة الحادية عشرة من حكمنا.

صدر بأمر مولاي الملك المعظم

رئيس ديوان جلالة الملك

مولانا أبو الكلام:

اختارت حكومة الهند مولانا أبو الكلام آزاد ليكون سفيراً لها في مصر، وهو أول سفير تختاره لتمثيلها في البلاد العربية، وثاني سفير يمثلها في العالم، إذ اختارت أول سفير لها ليمثلها لدى الولايات المتحدة.

ومولانا أبو الكلام أحد الزعماء المسلمين البارزين في الهند الذين قضوا حياتهم في مجاهدة الاستعمار مقاومة الطغيان والنضال في سبيل الحرية نضالاً أبياً شريفاً لم ينل منه سجن ولا تشريد، ولم يفل من حدته وعد ولا وعيد، ونحن إذا تجاوزنا عن الناحية السياسية في حياة هذا الزعيم العظيم وهي موضع خلاف بينه وبين الزعماء الآخرين فإننا نجده زعيماً من زعماء الإصلاح الديني الذين جاهدوا لنصرة الإسلام وعملوا على تقوية الروابط الإسلامية وانتصروا لها في صدق وإخلاص وأبدوا في ميدان الثقافة الإسلامية جهوداً مشكورة كان لها أعمق الأثر عند بني قومه وأطيب الذكر في العالم الإسلامي أجمع.

فمنذ عام 1912 وقف مولانا أبو الكلام وهو لما يزل في مطلع شبابه، يهيب بالمسلمين في الهند أن يتحرروا من ربقة الجمود والتقليد، وإن يكون طريقهم في الدين التمسك بالكتاب والسنة ونبذ البدع والخرافات، وتطهير الأعمال والعقائد من المحدثات، ويصيح فيهم تلك الصيحة المأثورة: (إن الدين ما كان عليه الرسول وأصحابه والسلف الصالح من أمته، لا ما قاله فلان وفلان وإن القرآن مهيمن على الكتب السماوية والعلوم البشرية فلا تشوهوا وجهه باليونانيات ولا بتخريفات المتفرنجين).

وكان الرجل في كل ما يكتب ويدعو إليه ينطق بتلك الروح القوية التي غرسها المصلح الكبير السيد جمال الدين الأفغاني في النفوس؛ فهو الذي يقول لأبناء وطنه (إن الإسلام من أوله إلى آخره دعوة عامة إلى البسالة والجرأة والتضحية والاستهانة بالموت في سبيل الحق والقرآن، وإن التوحيد يعلم المسلمين أن الخوف والخشوع لا يكون إلا لله الواحد القهار، وأن المسلم الذي أمره ربه أن يرحب بالموت الأحمر ويتغلغل في لجج الدواهي لا يقبل السكوت عن الحق ولا يغضي على المكروه).

ولما قامت الحرب العالمية الأولى واشتبكت إنجلترا في ميدانها مع تركيا وهي أمة الخلافة يوم ذاك، وقف مولانا أبو الكلام يدعو المسلمين في الهند وفي الأقطار الإسلامية عامة أن يمتنعوا عن معونة إنجلترا في تلك الحرب التي تقوم بها ضد الدولة الإسلامية الكبرى، وطاف بالهند يلقي الخطب ويذيع البيانات في هذا، فلما أعيت إنجلترا الحيل في جذبه أو ردعه سجنته أربع سنوات، وبعد عقد الهدنة أطلقت سراحه فخرج يدعو إلى وحدة إسلامية عامة بين المسلمين، ويهيب بالدول الإسلامية أن تلتف حول دولة الخلافة لتعينها من كبوتها وتساعدها في محنها حتى ضجر به الإنجليز فأعادوه مرة ثانية إلى السجن.

فسر الزعيم أبو الكلام قدراً من القرآن الكريم تفسيراً علمياً عصرياً، وترجم القرآن كله إلى اللغة الإنجليزية، وله مقالات إسلامية وبحوث ثقافية ضافية كان ينشرها في مجلتي (الهلال) و (البلاغ) اللتين أنشأهما للدعوة إلى التحرر الديني والتحرر السياسي ثم عطلتهما الحكومة لشدة أسلوبهما، وعلى الرغم من هذه الغيرة الإسلامية الصادقة التي تفيض بها نفس ذلك الزعيم فإنه من أنصار الدعوة إلى توحيد الصفوف وجمع الشمل بين طوائف الهند، فلا شكل أنه سيكون خير سفير للهند في أقطار العروبة.

وزارة للفكر:

كتب مستر برناردشو الكاتب الأيرلندي الذائع الصيت إلى جريدة (التيمس) يقترح إنشاء وزارة للفكرة في إنجلترا ويقول في رسالته: (إن التقدم الذي أحرزته آسيا الصحراوية التي تسكنها القبائل حتى توصلت إلى قلب المدينة إنما يرجع إلى الاشتراكية الزراعية والصناعية. . . وإننا إذا ما وضعنا أسس الاشتراكية فلن يقف شيء في سبيلنا غير الكسل الفكري والسياسي، وخوفنا وكراهيتنا للتفكير. لدينا وزارات لكل شيء ما عدا وزارة للفكر على إنها العامل الوحيد الذي يستطيع مسايرة المدينة الحديثة).

وإني لأعجب لذلك الكاتب الكبير أن يقصد إلى حصر التفكير في حدود الرسميات وأن ينزعه من جو الصراحة والطلاقة حيث يعيش ليجعله في رعاية الحكومة تصرفه وتمشى به كما تريد، فإن ذلك في الواقع قتل للتفكير، وحجر على العقول الطليقة أن تثمر وتنتج.

وهل يعتقد برناردشو إنه لو كانت هناك وزارات للتفكير في العالم من قديم الزمان كان في الإمكان أن يصل تطور الفكر إلى تلك الحال التي بلغها وكان العالم قد رأى ما نراه اليوم من ألوان الفكر المختلفة في مناحي الحياة الاجتماعية والعلمية والأدبية والاقتصادية؟! كلا! ونحسب أن برنادرشو نفسه يعلم حق العلم إن تاريخ التطور في التفكير ليس إلا نزاعات ووثبات وصفت بالتمرد والتهور وقوبلت في أول الأمر من الحكومات والوزارات بالمقاومة والصرامة، وفي هذا السبيل كثيراً ما ذهب أصحاب الأفكار ضحية أفكارهم وتفكيرهم.

وشيء آخر نراه واضحاً ملموساً وهو يدحض ذلك الرأي الذي يراه برناردشو، ونعني به تلك الهيئات الرسمية والمجامع الحكومية التي تتولى الإشراف على ناحية من نواحي التفكير، فإننا نراها جامدة خامدة لا تسير إلا في بطء ولا تنتج إلا في ضوء المتابعة للتفكير الحر الخارج في دائرة الرسميات، ولهذا كثيراً ما كانت تلك الهيئات والمجامع في دائرة الرسميات، ولهذا كثيراً ما كانت تلك الهيئات والمجامع هدفاً لسخرية الساخرين وضحك الضاحكين!

وزارة التفكير؟! كلا أيها الكاتب الكبير، فإن هذا سيكون إيذاناً بوضع نهاية لإيجاد التفكير. . .

الشمس تغني:

اكتشفت مصلحة الرادار في الجيش البريطاني أثناء الحرب العالمية الماضية إن الشمس ترسل في الفضاء موجات (راديوفونية) كالموجات التي ترسلها محطات الإذاعة اللاسلكية في أنحاء العالم. . .

وقد وقع هذا الاكتشاف مصادفة إذ كان البريطانيون يراقبون اقتراب طائرة مغيرة للعدو على أجهزة الرادار في نطاق الأربعة أمتار والستة أمتار فأدهشهم أن استمعوا إلى أصوات موسيقية غريبة استمرت في عزفها يومين ونصف يوم وكانت اتجاهات الرادار تشير طول هذه المدة إلى الشمس، فلما انتهت الحرب قامت هذه المصلحة بعدة تجارب أثبتت إن الشمس ترسل في الفضاء موجات (راديوفونية) على أبعاد مختلفة.

وقد أثارت هذه الظواهر اهتمام العلماء والباحثين، فهم يجرون التجارب لكشف هذه الظاهرة العلمية واستغلالها ويقولون إنه ليس ببعيد أن نسمع صوت المذيع في يوم من الأيام يقول: هنا راديو الشمس، تسمعون الآن قطعة موسيقية تعزفها الشمس!

(الجاحظ)