مجلة الرسالة/العدد 72/قصيدة مترجمة

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 72/قصيدة مترجمة

ملاحظات: بتاريخ: 19 - 11 - 1934


احذري!

للأستاذ مصطفى صادق الرافعي

ترجمنا عن الشيطان قصيدة (لحوم البحر). وهذه ترجمة عن أحد الملائكة؛ رآني جالساً تحت الليل وقد أجمعت أن أضع كلمةً الشرقية فيما تحاذره أو تتوجس منه الشر؛ فتخايل الملك بأضوائه من الضوء، وسنح لي بوحه، وبث في من سره الإلهي؛ فجعلت أنظر في قلبي إلى فجرٍ عن هذا الشعر ينبع كلمةً كلمة، ويشرق معنىً معنىً، ويستطير جملةً جملة، حتى اجتمعت القصيدة وكأنما سافرت في حلم من الأحلام فجئت بها.

وأنطلق ذلك الملك وتركها في يدي لغةً من طهارته للمرأة الشرقية في ملائكيتها.

احذري!

احذري أيتها الشرقية وبالغي في الحذر، واجعلي أخص طباعك الحذر وحده.

احذري تمدن أوربا أن يجعل فضيلتك ثوباً يوسع ويضيق؛ فلبس الفضيلة على ذلك هو لبسها وخلعها. . . .

احذري فنهم الاجتماعي الخبيث الذي يفرض على النساء في مجالس الرجال أن تؤدي أجسامهن ضريبة الفن. . . .

احذري تلك الأنوثة الاجتماعية الظريفة. إنها انتهاء المرأة بغاية الظرف والرقة إلى. . . . إلى الفضيحة.

احذري تلك النسائية الغزلية. إنها في جملتها ترخيص اجتماعي للحرة أن. . . . أن تشارك البغي في نصف عملها.

أيتها الشرقية احذري احذري!

احذري التمدن الذي اخترع لقتل لقب الزوجة المقدس، لقب (المرأة الثانية). . . .

واخترع لقتل لقب العذراء المقدس، لقب (نصف عذراء). . . .

واخترع لقتل دينية معاني المرأة، كلمة (الأدب المكشوف). . . .

وانتهى إلى اختراع السرعة في الحب. . . . فاكتفى الرجل بزوجة ساعة. . . .

وإلى اختراع استقلال المرأة، فجاء بالذي اسمه (الأب) من الشارع، لتلقي بالذي اسمه (الابن) إلى الشارع. . . .

أيتها الشرقية! احذري احذري!

احذري وأنت النجم الذي أضاء منذ النبوة، أن تقلدي الشمعة التي أضاءت منذ قليل.

أن المرأة الشرقية هي استمرار متصل لآداب دينها الإنساني العظيم.

هي دائماً شديدة الحفاظ حارسة لحوزتها؛ فان قانون حياتها دائماً هو قانون الأمومة المقدس.

هي الطهر والعفة، هي الوفاء والأنفة، هي الصبر والعزيمة، هي كل فضائل الأم.

فما هو طريقها الجديد في الحياة الفاضلة، إلا طريقها القديم بعينه؟

أيتها الشرقية! احذري احذري!

احذري ويحك تقليد الأوربية التي تعيش في دنيا أعصابها محكومة بقانون أحلامها. . . .

لم تعد أنوثتها حالة طبيعية نفسية فقط بل حالةً عقليةً أيضاً تشك وتجادل. . . .

أنوثة تفلسفت فرأت الزواج نصف الكلمة فقط. . . . والأم نصف المرأة فقط. . . .

ويا ويل المرأة حين تنفجر أنوثتها بالمبالغة العقلية فتنفجر بالدواهي على الفضيلة. . . .

إنها بذلك حرة مساوية للرجل، ولكنها بذلك ليست الأنثى المحدودة بفضيلتها. . . .

أيتها الشرقية! احذري احذري!

احذري خجل الأوربية المترجلة من الإقرار بأنوثتها. أن خجل الأنثى من أنها أنثى يجعل فضيلتها تخجل منها. . . . إنه يسقط حياءها ويكسو معانيها رجولةً غير طبيعية. إن هذه الأنثى المترجلة تنظر إلى الرجل نظرة رجل إلى أنثى. . . . والمرأة تعلو بالزواج درجة إنسانية، ولكن هذه المكذوبة تنحط درجةً إنسانيةً بالزواج.

أيتها الشرقية! احذري احذري!

احذري تهوس الأوربية في طلب المساواة بالرجل. لقد ساوته بالذهاب إلى الحلاق، ولكن الحلاق لم يجد في وجهها اللحية. . . .

إنها خلقت لتحبيب الدنيا إلى الرجل، فكانت بمساواتها مادة تبغيض.

العجيب أن سر الحياة يأبى أبداً أن تتساوى المرأة بالرجل إلا إذا خسرته.

والأعجب أنها حين تخضع، يرفعها هذا السر ذاته عن المساواة بالرجل إلى السيادة عليه.

أيتها الشرقية! احذري احذري! احذري أن تخسري الطباع التي هي الأليق بأم أنجبت الأنبياء في الشرق.

أم عليها طابع النفس الجميلة، تنشر في كل موضع جو نفسها العالية.

فلو صارت الحياة غيماً ورعداً وبرقاً، لكانت هي فيها الشمس الطالعة.

ولو صارت الحياة قيظاً وحروراً واختناقاً، لكانت هي فيها النسيم يتخطر.

أم لا تبالي إلا أخلاق البطولة وعزائمها، لأن جداتها ولدن الأبطال.

أيتها الشرقية؛ احذري احذري.

احذري هؤلاء الشبان المتمدنين بأكثر من التمدن. . . .

يبالغ الخبيث في زينته، وما يدري أن زينته معلنة أنه إنسان من الظاهر. . . .

ويبالغ في عرض رجولته على الفتيات، يحاول إيقاظ المرأة الراقدة في العذراء المسكينة.

ليس لامرأة فاضلة إلا رجلها الواحد؛ فالرجال جميعاً هم مصائبها إلا واحداً.

وإذا هي خالطت الرجال، فالطبيعي أنها تخالط شهوات، ويجب أن تحذر وتبالغ.

أيتها الشرقية! احذري احذري!

احذري فان في كل امرأة طبائع شريفة متهورة؛ وفي الرجال طبائع خسيسة متهورة.

وحقيقة الحجاب أنه الفصل بين الشرف فيه الميل إلى النزول وبين الخسة فيها الميل إلى الصعود.

فيك طبائع الحب والحنان، والإيثار، والإخلاص كلما كبرت.

طبائع خطرة، إن عملت في غير موضعها. . . . جاءت بعكس ما تعمله في موضعها.

فيها كل الشرف ما لم تنخدع، فإذا انخدعت فليس فيها إلا كل العار. أيتها الشرقية! احذري احذري!

احذري كلمةً شيطانيةً تسمعينها في قيمة الجمال أو قيمة الأنوثة.

وافهميها أنت هكذا: واجبات الأنوثة وواجبات الجمال.

بكلمةٍ الإحساس فاسداً، وبكلمة يكون شريفاً.

ولا يتسقط الرجل امرأةً إلا في كلماتٍ مزينةٍ مثلها. . . . .

يجب أن تتسلح المرأة مع نظراتها، بنظرة غضب ونظرة احتقار.

أيتها الشرقية! احذري احذري! احذري أن تخدعي عن نفسك. إن المرأة أشد افتقاراً إلى الشرف منها إلى الحياة.

إن الكلمة الخادعة إذ تقال لك، هي أخت الكلمة التي تقال ساعة إنفاذ الحكم للمحكوم عليه بالشنق. . . .

يغترونك بكلمات الحب والزواج والمال، كما يقال للصاعد إلى الشناقة: ماذا تشتهي؟ ماذا تريد؟ الحب؟ الزواج؟ المال؟ هذه صلاة الثعلب حين يتظاهر بالتقوى أمام الدجاجة.

الحب؟ الزواج؟ المال؟ يا لحم الدجاجة! بعض كلمات الثعلب هي أنياب الثعلب. . . . .

أيتها الشرقية! احذري احذري!

احذري السقوط. إن سقوط المرأة لهوله وشدته ثلاث مصائب في مصيبة:

سقوطها هي، وسقوط من أوجدوها، وسقوط من توجدهم.

نوائب الأسرة كلها قد يسترها البيت إلا عار المرأة. فَيَدُ العار تقلب الحيطان كما تقلب اليد الثوب فتجعل ما لا يرى هو ما يرى.

والعار حكم ينفذه المجتمع كله، فهو نفي من الاحترام الإنساني.

أيتها الشرقية! احذري احذري!

لو كان العار في بئر عميقة لقلبها الشيطان مئذنةً ووقف يؤذن عليها.

يفرح اللعين بفضيحة المرأة خاصة كما يفرح أب غني بمولود جديد في بيته. . . .

واللص، والقاتل، والسكير، والفاسق، كل هؤلاء على ظاهر الإنسانية كالحر والبرد.

أما المرأة حين تسقط، فهذه من تحت الإنسانية هي الزلزلة.

ليس أفظع من الزلزلة المرتجة تشق الأرض إلا عار المرأة حين يشق الأسرة.

(طنطا)

مصطفى صادق الرافعي