انتقل إلى المحتوى

مجلة الرسالة/العدد 719/الآداب والفن في أسبوع

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 719/الآداب والفن في أسبوع

مجلة الرسالة - العدد 719
الآداب والفن في أسبوع
ملاحظات: بتاريخ: 14 - 04 - 1947



جوائز المجمع للبحث والشعر والقصة:

أقام مجمع فؤاد الأول للغة العربية في الأسبوع الماضي حفلاً أدبياً بدار الجمعية الجغرافية الملكية لتوزيع الجوائز المالية التي رصدها هذا العام للفائزين في مسابقات البحث الأدبي والشعر والقصة، وقد افتتح الحفل الدكتور طه حسين بك بحديث ممتع مستفيض عن نشأة البحث الأدبي في الأدب العربي وتطوره بتطور العصور والثقافة، ثم تأثره بما اقتبسناه في ذلك من ألوان الأدب الغربي واتجاهاته، ثم انتهى إلى الحديث عن البحوث الأدبية التي قدمها أصحابها لنيل جائزة المجمع فقال: (وقد استحق ثناء المجمع وتقديره السيدة سهير القلماوي عن بحثها (ألف ليلة وليلة) والأستاذ سليم حسن بك عن كتابه (الأدب المصري القديم)، والأستاذ جما الدين الشيال عن (الترجمة في القرن التاسع عشر) والدكتور سيد نوفل عن كتابه (الطبيعة في الشعر العربي) والأستاذ أحمد خاكي عن كتابه (قاسم أمين).

ثم تحديث من بعده الأستاذ عباس محمود العقاد عن الشعر ومذاهب الشعراء في النهضة الأدبية الحديثة فقسمهم في ذلك إلى مذهبين، أو كما يقولون إلى مدرستين. مدرسة التجديد والابتداع ومدرسة التقليد والإتباع. وقد أنحى الأستاذ باللائمة على الآخرين بمذهب المدرسة الثانية، ثم قال: وقد رأى المجمع أن يوزع جائزة الشعر هذا العام بين شعراء المدرستين؛ فنالها الأستاذ محمد عماد عن (ديوان عماد)، والأستاذ محمد مفيد الشوباشي عن (ديوان الشوباشي) وهما من المدرسة الإبتداعية، كما نالها الأستاذ محمود غينم عن ديوانه (صرخة في واد) والأستاذ محمد الأسمر عن ديوانه (تغريدات الصباح) وهما من المدرسة الاتباعية أو التقليدية.

ثم تلكم الأستاذ محمد فريد أبو حديد عن القصة في نشأتها من عهد اليونان والرومان وما تم فيها من التطورات والاتجاهات ثم ما صار لها من المقام في الآداب العالمية قاطبة وما أصبح لها من الشأن في الأدب العربي الحديث، وبعد أن نوه بكثير من القصصيين النابغين قال: وقد استحق جائزة المجمع للقصة هذا العام الأستاذ محمد تيمور بك عن مجموع إنتاجه القصصي الغزير.

وعلى أثر انتهاء الأساتذة الثلاثة من إلقاء بحوثهم وقف الدكتور منصور فهمي باش السكرتير العام للمجمع وأعلن أسماء الفائزين وقيمة الجائزة التي استحقها كل منهم.

هذا وستجتمع لجنة الأدب بالمجمع في هذا الأسبوع للنظر في إجراء المسابقات للعام القادم، وقد أرصد المجمع لهذا الغرض مبلغ ثمانمائة جنيه توزع على نواحي الإنتاج الأدبي حسب ما تقدره تلك اللجنة.

ونحن من جانبنا نرجو أن يعمد المجمع في إجراء هذه المسابقات إلى تقدير أوضاع أدبية للفائزين إلى جانب تلك الجوائز المالية التافهة، لأن الجوائز المالية يذهب أثرها وتفقد قيمتها بعد قليل، وإذا راعى المجمع أن أكثر الفائزين ممن يعملون في الحكومة فمن الواجب أن يبذل سعيه ليكون هؤلاء في العمل الذي يلائم اتجاههم ويساعدهم على الإنتاج الأدبي، ومن من القراء يذكر أن الشاعر محمود عماد مثلاً يعتبر من الشعراء المبرزين منذ أكثر من ثلاثين عاماً، وكان اسمه يتردد مع الشعراء النابغين النابهين، ولكنه قضى حياته على مكتب ضئيل في ركن مظلم من أركان وزارة الأوقاف، فلم تمكنه هذه الحياة من أن يظهر للناس فنسيه الناس، ولما أعلن فوزه بالجائزة قال القائلون: ومن هو محمود عماد. بل لقد رأيت الصحف ذكرت اسمه بين الفائزين محرفاً، فقلت يا لله، أيكون اسم ذلك الشاعر الكبير مجهولاً إلى هذا الحد؟

وبعد، فإنه تقليد طيب على أي حال، وتقدير للأدب يدعو إلى التشجيع ويحض على الإجادة في الإنتاج الأدبي، ولعل صديقنا الأسمر بعد هذا لا يعود فيزدد قوله القديم:

نصحتك لا تكن صداح أيك ... وكن في مصر ناعبة القبور

تيسير الكتابة العربية:

وكان المجمع قد فتح باب مسابقة لإبداء الاقتراحات والآراء فيما يقصد إليه من تيسير الكتابة العربية، وقدر لذلك جائزة مالية ضخمة مقدارها ألف جنيه. وقد تلقى المجمع في هذا الموضوع عشرات الاقتراحات والمشروعات من الباحثين في مصر وشتى الأقطار العربية، فأخذ في بحثها وتقديرها ووضع تقرير شامل عن مختلف الآراء التي قدمت إليه وإعلان الرأي في مدى صلاحيتها وفائدتها وما يمكن أن تؤدي إليه في خدمة هذا المشروع.

ومن المعلوم أن هذه المشروع يتناول وضعاً أساسياً من أوضاع العربية، وأن الشأن فيه يهم سائر أقطار العروبة، فليس القصد فيه بمنح الجائزة للتشجيع كما هو الشأن في المسابقات الأدبية، وإنما القصد هو الوصول إلى طريقة مثلى في الإصلاح، ولهذا يجب على رجال المجمع أن لا يمنحوا هذه الجائزة وأن لا يجزموا باختيار أي اقتراح في هذا الموضوع إلا بعد عرضه وطرحه تحت الأنظار حتى يتناوله العلماء والباحثون في الخارج بالمناقشة والدرس والتعليق، وإلا فالجمع مهما بلغ من المكانة والاعتبار لا يستطيع أن يفرض مشروعاً في هذا السبيل لا تقبله الأفهام ولا تقره الأقلام. . .

محنة الأدب المصري:

قرأت مقالاً في إحدى المجلات الأسبوعية قال فيه كتابه: (إن المجتمع المصري يضطرم اليوم بالحركة وبالحياة، وهو في يقظة متوثبة، ومع ذلك فأدبنا عقيم راكد، وأدباؤنا أيقاظ في أذهان أنفسهم، أيقاظ بأسمائهم وبشرتهم المولية في أذهان قرائهم، ولكنهم رقود عما يجري حولهم حتى لينطبع سباتهم العميق على ما ينتجون من أدب راكد. . . وإذا كان الأدب المصري اليوم يعاني أزمة في جميع فنونه من شعر أو قصة أو مسرحية لا تقل في شدتها عن الأزمة السياسية القائمة، فمرد ذلك إلى أنه أدب سطحي لا ينفذ إلى أعماق الحياة المصرية، ولأنه أدب مفتعل لا يخدم غاية حتى ولو كانت هذه الغاية مجد منتجيه وشهرتهم. . .).

ومقال الكاتب يدور كله حول هذا المعنى، فهو يرمي شيوخ الأدب في مصر بالجمود والركود، وينبغي على الشبان أن أحداً منهم لم يتقدم في هذا المعترك ولم يتوجه بأدبه وفنه نحو الحياة المصرية القائمة، وإنما عنيت بتقييد هذا الكلام لأنه يصور عقيدة قائمة في أذهان بعض الشبان الذين أذهلتهم الحرب بأهوالها وبأحدثها عن القيم الروحية في الحياة، فأصبحوا يطالبون بتوجيه التفكير إلى النواحي المادية والحياة المعيشية التي يحياها الشعب وتواجهها الجماعات في مصر، ويعلل الشيوخ الأدباء هذه الظاهرة بأنها أثر من آثار التعلق بالشيوعية، وعندي أنها أثر لتوتر الأعصاب التي ينتاب أبناء الشرق العربي عامة في هذه الآونة، ومن الطبيعي أن تكون هذه الحال بعد تلك الحرب الضروس التي أرهقت العالم سبع سنوات كاملة، وقد بدت مثل هذه الحال عقب الحرب العالمية الأولى إذ طغت على جميع الآداب الأوروبية عامة موجة واسعة النطاق من الشك والحيرة، حتى لقد دعا بعض الأدباء إلى التخلص من جميع الأوضاع القديمة دفعة واحدة ومواجهة الحياة على وضع سافر، ولقد ظلت النفوس عامرة بهذا الشك حتى جاءت الحرب الثانية بأهوالها فأنضجته وأثارته عند أبناء الشرق العربي المخمورين بالنغم الروحي.

ومهما يكن من شيء فإننا الآن بازاء مذهبين في تقدير مهمة الأدب والأدباء، رأي يقول: الأدب للأدب، أو الأدب لتغذية الروح والعواطف والعقل والفكر، ورأي يقول الأدب لإسعاد الشعب وإطعامه والدفاع عن حقه في العيش والحياة الرغيدة، ولن نلبث قليلاً حتى نشاهد معركة حامية بين الرأيين، والتقديرين!

الموت الأحمر:

على أن هذا التمرد ليس خاصة في مصر وحدها، فقد تلقيت العدد الأخير من مجلة (المواهب) التي يصدرها أبناء العروبة في المهجر الأمريكي فطالعت فيها مقالاً افتتاحياً مطولاً قصره محرر المجلة على الحديث عن (نهضتنا الأدبية الحديثة)، وبعد أن أطرى الكاتب ما في هذه النهضة من ظواهر القوة والتوثب قال: (إن أدبنا الحاضر في الأعم الأغلب أدب نقل وصنع لا أدب سجية وطبع، أدب فروع لا أدب أصول، أدب لهوجة وسمعة لا أدب إتقان ورفعة. وعلاوةً على ذلك فهو الآن يطغي عليه - كما تعاون على تكوينه من قبل - فقران جائران: فقر القلوب وفقر الجيوب والفقر في عرف جميع الناس هو الموت الأحمر. وقد نشأ أدبنا وشب على هذه الحال الضعيفة السقيمة، وفي كنف هذه البيئة الخاملة القانعة بأيسر الأمور. وتفاقمت العلة وانتشر الداء. . . حتى أسلم الأدب أمره إلى التزلف والاستجداء. ونعوذ بالله من التزلف والاستجداء فإنهما الخزي بعينه، وإنهما ليقتلان الضمير قتلا، حتى لا يدعا في قرارة النفس ذرة من العزة والشهامة ولا قلامة من المتعة والكرامة).

وأعود فأقول إنها نزعة طارئة، كانت أثراً من أثر تلك الحرب الجهنمية في النفوس، وكان من المتوقع أن تكون، ولن يضير الأدب أن تكون. . .

إنشاء كرسي باسم شوقي بك:

تقدمت وزارة المعارف إلى مجلس الوزراء بمذكرة تطلب فيها إنشاء كرسي بقسم اللغة العربية باسم المغفور له أمير الشعراء أحمد شوقي بك لتدريس الأدب العربي الحديث في مصر وسائر الأقطار العربية على أن يعني في ذلك بدراسة أدب شوقي وشاعريته دراسة مستفيضة من شتى نواحيها واتجاهاتها.

وقد ضمنت الوزارة مذكرتها المبررات التي تدعو إلى إنشاء هذا الكرسي وتحتم وجوده فقالت: إن دراسة الأدب العربي كانت منذ نشأة كلية الآداب في مقدمة الدراسات التي عنيت بها الجامعة، وإذا كان الأدب العربي خليقاً بعناية خاصة فقد أنشئ بعد ذلك للعناية بدراسة الأدب المصري الإسلامي في أطواره المختلفة إلى عصر النهضة الحديثة، ولكن مصر الحديثة امتازت في الأدب العربي فحملت له لواء نهضة حديثة في بلاد الشرق العربي وظهر في مصر من العلماء والأدباء والشعراء المعاصرين من توسطوا هذه النهضة في مصر وبلاد الشرق العربي، ومن هؤلاء الشاعر الكبير المرحوم أحمد شوقي بك الذي امتاز من بين زملائه بالسبق في تصوير الصلات السياسية لمصر ومسايرة النهضة الأخيرة فيها وبخدمة المسرح العربي بما كتب من روايات ووضع من أغان وبتقدمه الفني على شعراء العربية الحديثين حتى بايعوه بأمارة الشعراء حياً وأبقوا على ذكراه ميتاً). . .

وهذه فكرة رشيدة جليلة لا يسعنا إلا تحبيذها وتشجيعها ونرجو أن يتم لها التوفيق على أكمل وجه وعلى ما يحقق تلك الأهداف التي تناولنها الوزارة في مذكرتها وأن لا يكون إنشاء ذلك الكرسي مجرد وضع من الأوضاع الرسمية، فإن مما يؤسف له أن الكرسي الذي أنشئ في كلية الآداب منذ سنوات لم يثمر ولم يجد شيئاً في تحقيق الآمال الكبيرة التي كانت منوطة به، فما زال الأدب المصري على عهده مجهولاً مطموراً لم يكشف فيه ذلك الكرسي جديداً، ولا أحدث في دراسته تجديداً، ولكنها جملة من المعلومات تتداولها الأقلام من قديم، وتدرج عليها الأفهام كأنها الصراط المستقيم، فلعل الله يجعل لكرسي شوقي حظاً أوفي ويوفر له جهداً أوفر. . .

(الجاحظ)

نشر ما انطوى

يقولون أسراب الغواني سوانح ... فهلا بعثت الطرف فيهن رائدا

نراك اعتزلت الغانيات فكلما ... سنحن صرفت القلب عنهن ذائدا وما ذاك شأن الشاعرين وإنما ... أخو الشعر من تلفيه بالغيد واجدا

لقد ملت عن طيب الحياة وصفوها ... بميلك عن حب الحسان نواهدا

رأيت غرام الفاتنات مضلة ... يكدر من هذى الحياة المواردا

يقود زمام النفس للشر عنوة ... وذو اللب من قد كان للنفس قائدا

إذا ما أطعت النفس في اللهو الهوى ... ضللت وخير الناس من كان راشدا

(دمشق)

أحمد عبيد