انتقل إلى المحتوى

مجلة الرسالة/العدد 718/رثاء الأستاذ الأكبر

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 718/رثاء الأستاذ الأكبر

ملاحظات: بتاريخ: 07 - 04 - 1947


للأستاذ عباس محمود العقاد

عصف النعّي بكل قلب خافق
يوم استطار بنعي عبد الرزاق
من راب سمع السامين بخطبه
وهو المعلم كل علم صادق
ومن استقام على الفضيلة والتُّقى
ورعى مع المخلوق حق الخالق
ومن ارتضى شيم الثبات لزيه
ولرأيه، ولكل سمت لائق
ومن اتقى حسد الحسود بخير ما
يُرجى ويُحسد من نُهى وخلائق
نظرٌ كساري النجم مؤتلق على
أدب كأفواف الربيع العابق
بلغ المدى في الدين والدنيا معاً
وعلا من الأحساب ذروة شاهق
أسفاً عليه! وكم حزين آسف
أسفي على ذاك المحيا الرائق
ماذا عليه لو استتم بقاءه
كتمامه في كل وصف فائق
ذاك الذي كملت جوانب فضله
وتناسقت في الحسن أي تناسق
من مثل نابغة النوابغ، مصطفى
في سابق من مجده أو لاحق
رجّاه والده الكريم لغاية
حسبني، فوفاها وفاء الواثق
ربّاهِ حبراً للديانة فاستوى
في نخبة الأحبار أسبق سابق
ونماه في حجر العبادة مسلماً
فهدى الحجيج وحج كلَّ منافق
وأعده للعلم فاستوفى به
حظ العليم الفيلسوف الحاذق
وغذاه بالتبيان فانقادت له
غرر اليراع بكل معنى شائق
وهداه للإحسان فهو وليه
لمعاهد الإحسان غير مفارق
ورجاه للعلياء فاستبق الخطى
سبق الكرام إلى المقام السامق
لا وانياً عنها، ولا متعجلا
فيها، تعجّل مشفق من عائق
وكأنه وعد الأمين وفى به
فطوى صحيفته كلمح البارق
لو لم يكن قدراً قضاه لما قضى
كالنجم يرجع غارباً من شارق
إن المطالع لا يقر قرارها
بعد التمام، ولا تدوم لطارق
يا آخذاً من كل شئ صفوه
بوركت من ذي معجزات خارق
حتى الخمول بلغت غاية حظه
عجباً، وأنت من العلا في حالق
لم ألق قبلك من نبيه آمن
من شرة الباغي وغيظ الحانق
تلك المدامع ما امتزجن بدمعة
من كاذب في حزنه أو ماذق
ولتلك من رضوان ربك آية
تخذت من الإجماع أصدق ناطق
فادخل حظيرته بخير خلائق
مرضية منه وخير علائق
مال الموت يا كشاف كل حقيقة
إلا حقائق حُجَّبت بحقائق