مجلة الرسالة/العدد 711/ملحمة:

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 711/ملحمة:

ملاحظات: بتاريخ: 17 - 02 - 1947



بطل الريف

الأمير عبد الكريم الخطابي

للأستاذ محمود رمزي نظيم

(كنت يوم انهيار جهاد الأمير الجليل محمد عبد الكريم

الخطابي أمير الريف ووقوعه في الخدعة الفرنسية قد نظمت

هذه المزدوجة وقد رأيت نشرها اليوم على صفحات الرسالة

الخالدة في الظرف الحاضر بمناسبة ما يجري لفك إساره).

العين تبكي والدموع تجري ... ولم يعد ذاك النسيم يسري

(عبد الكريم) جاثم في الأسر ... وكان محفوفاً بجند النصر

تسليمه قد حار فيه الساسة ... من بعد طول الجهد والحماسة

وبعد ذاك الحزم والكياسة ... وقد أضل أمره السياسة

ولم تفز منه بكشف السر

رباه ما أتعس حظ الشرق ... من حالق به الخطوب تلقى

ويل لنا من مزعجات البرق ... صواعق تهوي بنا كالبرق

تجيئنا منذرة بالشر

الشرق نامت عينه طويلا ... ولم يزل مضجعاً عليلا

والجهل أرخى حوله سدولا ... فلم يجد لبعثه سبيلا. .

وصار لا يملك كشف الضر

كم أمة من أهله مستعبده ... راسفة في جهلها مقيدة

وليس منها من تعيش سيده ... بشعبها وعلمها مؤيده

وحره يعيش غير حر

وما أذل الشرق غير أهله ... وما به من خلفه وجهله فما الذي أصابه في عقله ... ألم يكن في فرعه كأصله

حتى استنام لحياة الأسر

والجهل قاده إلى التعصب ... وكثرة الشجار والتحزب

تنافر ووحدة في المطلب ... هذا ضلال كله في مذهبي

وبحره ليس له من بر

فانظر إلى تطاحن الهنود ... تعصب يعزى إلى الجمود

ولم يكن لعلة الجود ... ولا القديم احتك بالجديد

لكنه من نكبات الدهر

العصر عصر النور والحياة ... وليس عصر هذه الآفات

ألم يحن لهذه الرفات ... قيامها من غفوة الأموات

ألم تكن من أهل العصر

دسائس الغرب لنا تكيد ... وهكذا الأسياد والعبيد

فهم يريدون ولا نريد ... ونارهم نحن لها الوقود

ونحن في حسابهم كالذر

لهم عقول للحياة تعمل ... تعمقوا في فهمها وأوغلوا

وجددوا وغيروا وبدلوا ... وجربوا وهذبوا وحولوا

فجعلوا الزئبق ذوب التبر

واخترعوا فحيروا ألبابنا ... وملكوا بسعيهم زمامنا

كيف نقول ما لهم وما لنا ... إذا استغل علمهم خمولنا

وجرعوا الشرق كؤوس المر

غواصة تسبح تحت الماء ... طائرة تطير في الفضاء

وصوت (لاسلكي) في الهواء ... فيا لهم من عالم أحياء

ويا لنا من عالم في القبر

مستضعفون كلنا أذله ... ونحن داؤنا ونحن العلة

كل زعيم قام يشفى الغلة ... نتركه في وحشة مملة في عزلة كتائه في القفر

وكم يثير الحسد البغيض ... وكم إناء حاسد يفيض

وهكذا لا يبرأ المريض ... وكل ماء أمل يغيض

وينتهي جهاد كل بر

كم وقفة بين أسود الريف ... للبطل المستسلم الشريف

فيا له من جهده العنيف ... من أسد مكشر مخيف

في معقل يشبه وكر النسر

ممتنع كالأسد الهصور ... مرابط للضرب في النحور

فما لهذا القائد المنصور ... قد غلبته قوة المقدور

فسلم الأمر لرب الأمر

صيت جهاده علا وطارا ... وطبق البلاد والأقطارا

وأدهش العقول والأفكارا ... ثم هوى من شاهق وانهارا

وأوقعوه في شباك الغدر

بالأمس قاد جنده الشجعانا ... ببأسه وقهر الأسبانا

وساقهم أمامه قطعانا ... وأحسن البلاء والطعانا

فانقلبت فلولهم بالكسر

وعاد بالنصر وبالسلاب ... وجنده دامية الحراب

وسد باب الحرب والخراب ... بعد طويل الطعن والضراب

منذ رمى أعداءه في البحر

واستبشر الشرق بهذا الربح ... وهلل القوم لهذا الرمح

ولم يكد يبش وجه الصبح ... حتى أثار الغرب نار الفتح

كي يسترد ثمرات النصر

هب الفرنسيس مع الأسبان ... لخوض نار الحرب والطعان

وليس ليث الريف بالجبان ... فقابل النيران بالنيران

حتى جرت دماؤهم كالنهر ودكت الجبال بالقنابل ... والطائرات هطلت بوابل

وسال بركان على القبائل ... يذهب بالأرواح والمنازل

والريف ملتف بثوب الصبر

ليست به موارد غنيه ... وإنما نفوسه أبيه

وحب حريته سجيه ... ولم يزل ملتهباً حميه

في شدة جديرة بالفخر

والحرب مازالت رحاها دائرة ... والريف لم تدر عليه الدائرة

ولم تزل فيه العقول حائرة ... ويفتدى بكل نفس ثائرة

حرية غالية في المهر

وجددت أبناؤه العزائما ... أن لا يكونوا للعدا غنائما

وأن يموتوا أو يعيشوا دائما ... ولا يكون الغرب فيهم حاكما

وما جرى به القضاء يجري

أبو الوفاء

محمود رمزي نظيم

(منيل الروضة)