مجلة الرسالة/العدد 705/شهيد ميسلون
مجلة الرسالة/العدد 705/شهيد ميسلون
للأستاذ علي محمود طه
(في فجر يوم السبت 24 يوليو من عام 1920 سار إلى ساحة ميسلون القائد السوري العظيم (يوسف العظمة بك) مدافعاً عن دمشق بما أمكن حشده من جنود سورية البواسل مواجهاً هجوماً مفاجئاً لجيش فرنسي يفوقه أضعافاً في العدد والعتاد فكان ذلك البطل الصنديد أول مستشهد في المعركة، وكان استشهاده رمز الوفاء ومثل الفداء، وأول جذوة نفحت نارها في الثورة الوطنية السورية التي انتهت أخيراً بتحرير الوطن من ربقة الاستعباد. إن ذكرى شهيد ميسلون أجمل تحية يقدمها الشعر لدمشق المحررة المستقلة)
هب الكمِيُّ على النفير الصادح ... مهلاً فديتك ما الصباح بواضح
أي الملاحم بين أبطال الوغى ... فَجِئتك بالشوق الملح البارح
فقضيت ليلك لا هدوء ولا كرى ... ووثبت في غسق الظلام الجانح
والشوق من خلف الجبال غمامة ... حمراء ترعش في وميض لامح
سلت حراب البرق فوق سمائه ... هوجاء تنذر بالقضاء الجائح
هي صيحة الوطن الجريح وأمة ... هانت على سيف المغير الطامح
قرنت بحظك حظها فتماسكت ... ترعى خطاك على رُبى وأباطح
في موكب الغادين مجد (أمية) ... بجوانح مشبوبة وجوارح
لو قستهم بعدوهم وسلاحه ... أيقنت أنهمو فريسة جارح
الخائضين الفجر بحر مصارع ... السابحين على السعير اللافح
الناهضين على السيوف وتحتها ... شتى جماجم في التراب طرائح
الرابضين على الحصون خرائباً ... مهجاً تضرم في حطام صفائح
صرعى ولو فتشت عن أجسادهم ... ألفيت، ما ألفيت غير جرائح
يا (ميسلون) شهدت أي رواية ... دموية، ورأيت أي مذابح
ووقفت مثخنة الجراح بحومة ... ماجت بباغ في دمائك سابح
تتأملين (دمشق) يا لهوانها ... ذات الجلالة تحت سيف الفاتح
جرَّت حديد قيودها وتقدمت ... شماء من جلاَّدها المتصايح نسيت أليم عذابها وتذكرت ... في (ميسلون) دم الشهيد النازح
من هبّ في غسق الظلام يحوطها ... بذراع مقتتل وصدر مكافح
وتسمعت صوتاً فكان هتافه ... يا للحبيب من المحب البائح!
أماه! خانتني المقادر فاغفري ... قَدَري، وإن قل الفداء فسامحي!
(فيحاء) إن نَصَّتْ حواليك القرى ... أعلامها، وازَّينت بمصابح
وتواكب الفرسانُ فيك وأقبلوا ... بالغار بين عصائب ووشائح
وشدا الرعاة الملهمون وأغرقوا ... أبهاء ليلك في خِضَمَّ مفارح
أقبلت بين صفوفهم متقرباً ... بأزاهري، مترنماً بمدائحي
حيث الشهيد رنا لمطلع فجره ... ورأى الغمائم في الفضاء الفاسح
وتلفتت لك روحه فتمثلت ... وجه البطولة في أرق ملامح
حيث الربى في (ميسلون) كأنما ... تهفو إليه بزهرها المتفاوح
وكأنما غسلته (بغدادية) ... بدموع مَلْك في ثراك مراوح
أسعى إليه بكل ما جمعت يدي ... وبكل ما ضمت عليه جوانحي
وهو الحقيق بأن أحيى باسمه ... في الشرق كل مناضل ومنافح
من كل نجد نافض مما اقتني ... يدَه، ووهاب الحشاشة مانح
أو كل فاد بالحياة عشيره ... لا القولِ في خُدَع الخيال السانح
قل للدعاة المحسنين ظنونهم ... بالغرب ماذا في السراب لماتح؟
لاتغرينكمو وعود محالف ... يطأ الممالك في ادعاء مصالح
تمضي السنون وأنتمو في وعده ... تتقلبون على ظهور أراجح
والله لو حسر القناع لراعكم ... قَيْدٌ أُعدَّ لكم وخنجر ذابح
من كل مصاص الدماء منوم ... يدعي بمنقذ أمة ومصالح
يا (يوسف) العظمات غرسك لم يضع ... وجناه أخلد من نتاج قرائح
قم لحظة وأنظر (دمشق) وقل لها ... عاد الكمِيُّ مع النفير الصادح
ودعاك يا بنت العروبة فانهضي ... واستقبلي الفجر الجديد وصافحي
علي محمود طه