انتقل إلى المحتوى

مجلة الرسالة/العدد 703/هاروت. . . أو الملك الثائر

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 703/هاروت. . . أو الملك الثائر

ملاحظات: بتاريخ: 23 - 12 - 1946



للأستاذ عثمان حلمي

في جنان الخلد مأواه ... ملك أكرمه الله

ناعم فيها فما نظرت ... ما يسيء النفسَ عيناه

همه تمجيد مبدعه ... من بسحر الخلد سوّاه

من بنور الحسن جمَّله ... وبحسن النور حلاّه

تفتن الألبابَ طلعته ... وبشر الحبَّ خداه

فاتن ضاحٍ محياه ... جل من سوّى محياه

ظل في الفردوس يمرح في ... ظلها، في ظل مولاه

معجز في حمد بارئه ... كل لحن يتغناه

لم يدُرْ يوما بخاطره ... عالم الدنيا ولا ما هو

لا ولم تدرك مشاعره ... من صميم الشر معناه

ما درى للشر من وطن ... أو بأن الأرض. دنياه

كاد ما يدريه من قدم ... عن أبى الإنسان ينساه

نبأ ضاعت معالمه ... وانقضت في الغيب ذكراه

قصة عن آدم سلفت ... سجلت فيها خطاياه

آدم المسكين ضيعه ... ما جنت في الخلد حوّاه

قد أراد الله فتلته ... فليكن ما شاءه الله

ذاك أقصى ما أحاط به ... ملك في الخلد مثواه

ثم دار الدهر دورته ... غيرت في الدهر مجراه

دورة جدًَّت فما ونبت ... أفقدت هاروت سيماه

فتولاه الأسى وبكى ... ما قيل ما تولاه

لفتة للأرض واحدة ... بدلت منه سجاياه

الطروب القلب يزعجه ... هاتف بالهمّ يغشاه

والتقرير العين مكتئب ... تتندى منه عين ما الذي بدل فطرته ... ما الذي جدّ فأشجاه

قد رأى الدنيا وقد وسمت ... كل شر كان يأباه

ظالم فيها ومجترم ... قاتل ضجت ضحاياه

ليس يرضى بالدماء وقد ... رضيت بالموت قتلاه

وأخ يرمي أخاه وما ... من ضمير ثمَّ ينهاه

وعزيز الجاه ذو صلف ... وضعيف الجاه يخشاه

وشرور مالها عدد ... وبنو الإنسان أشباه

ووجود كله ألم ... صارخ والموت عقباه

ذلك الإنسان أكفر من ... خلق الله وسوّاه

يا لقلب جُن من هلع ... لم يصادف ما تمناه

يا له في الخلد من ملك ... في رياض الخلد مثواه

ثار حتى لم يجد فرجاً ... أو رجاء يتملاه

وتولى سائلا جزعاً ... ما الذي يقصده الله

لو سكنت الأرض كنت بها ... مصلحاً ترجى نواياه

أصلح الدنيا وأجعلها ... مثلا للخير أرضاه

صوت:

لك هذا، إنه حسَن

هاروت:

ولك العزة والجاه

صوت:

شهْوة الإنسان جامحة ... ركب فيك ودنياه

آدمي أنت في ملك ... طاهر طابت خفاياه

فامض واغسل بالطهارة من ... عالم الدنيا خطاياه

وإلى بابل إن بها ... ما تؤمله وتهواه

فأتاها باسما فرحا ... ليس يدري ما سيلقاه يسرت بالطهر يسراه ... وسرت باليمين يمناه

إن رأى خيراً يسربه ... أو أرى شراً تفاداه

ورأته الغيد فابتهجت ... وسباهن محياه

قلن ما أقواه من رجل ... في بني الدنيا وأحلاه

وتمنت كل غانية ... لو غدت فيما تمناه

ورأى فيهن فاتنة ... وله جملها الله

تخذت من قلبه سكناً ... ولمهد الحب مأواه

واستبدت في عواطفه ... فهو يرجوها وتأباه

قوة قد كان يجهل ما ... سرها والحب أفشاه

كم نهاه عقله فأبى ... أي عقل كان ينهاه

والهوى طاغ وأحسبه ... إن طغى جلت ضحاياه

إن أصاب العقل زلزله ... أو أصاب القلب أراده

يا لهذا الحب كم جهلت ... كل ما يجنيه قتلاه

يا لهاروت القوي وقد ... بدل الحب سجاياه

يا لهاروت الضعيف وقد ... كان ما قد كان يخشاه

الهوى والسهد أعياه ... والجوى والوجد أضناه

ورأت من كان يعبدها ... أن سهم الحب أصماه

فدعته فانتشى طربا ... وهو لا يدرك عقباه

ثم أغرته بكأس طلى ... ما تأنى إذ تعاطاه

ثم أغرته بقتل فتى ... كان يقلاها وتهواه

فرماه في الصميم وقد ... ختمت بالقتل بلواه

وأفاقا وهو في جزع ... قاتل يلعنه الله

أي عذر بعد فعلته ... أي صفح يتلقاه

إن سر الخلق يستره ... عالم بالخلق أخفاه

غاية يضمر منشئها ... كنهها من يوم أنشأه