مجلة الرسالة/العدد 695/البريد الأدبي
مجلة الرسالة/العدد 695/البريد الأدبي
حرية الكتابة:
اطلعت على مجلة (الرسالة) عدد 692 فقرأت فيها موضوعاً عنوانه (مقالات في كلمات: للأستاذ علي الطنطاوي) لفت نظري فيه فقرة حول (حرية الكتابة) تعرض فيها إلى موضوع نشر في مجلة (الثقافة) الغراء التي تصدر في دير الزور عن (الموازنة بين الأدب والأدب الفرنسي)، وقد أسعدني الحظ أني أنا أيضاً اطلعت على الموضوع نفسه في المجلة نفسها، فإذا هو لا يخرج عن كونه مقارنة تحليلية طيبة بين الأدبين، حاول فيها الكاتب أن يكون باحثاً موضوعياً جهد المستطاع. فاستغربت جد الاستغراب أن يتجاوز السيد علي الطنطاوي حدود النقد النزيه القائم على المناقشة العلمية الهادئة التي لا علاقة لها بالعاطفة والمزاج الشخصي.
يذكر الناقد فكرة (السكون والحركة) التي وردت في المقال، ويعلق عليها بأنه لم يفهم منها شيئاً. ولو رجع - حفظه الله - إلى فلسفة اليونان لوجد أن فكرة السكون والحركة قد لعبت دوراً كبيراً من المدرسة (الأيلية) إلى المدرسة (هرقليط) على أن فكرة السكون ليست مأخذاً على الأدب العربي، فالطمأنينة النفسية هي غاية ما يتوخاه المؤمن المتعبد، بدليل الآية الكريمة (يا أيتها النفس المطمئنة أرجعي إلى ربك. .).
أما حملته على (حرية الكتابة) فنحن نرفضها جملة وتفصيلاً فإنما تحت ظلالها الوارف أينعت المدينة الإسلامية، كما أينعت المدنيات القديمة والحديثة من العهد اليوناني إلى العصر الحديث. وإذا كنا نفخر بشيء فإنما نفخر بحرية الكلام وحرية الفكر وحرية الكتابة التي شع نورها في بغداد والقاهرة ودمشق، والتي أثمرت تلك العلوم والفنون التي لا نزال نتغنى بها فيما نتغنى بأمجاد الماضي والتهمة التي ألصقت بنا في حرق مكتبة الإسكندرية قد نجمت عن ضيق بعض العقول التي كانت تتصور في وهمها بأن العرب أعداء الفكر والعلم والأدب الأجنبي. فلم تنشأ البذرة الأولى للعلوم في العهد العباسي إلا بعد أن أدرك العرب أن عند غيرهم من الأمم علوماً وفلسفة يجب أن يطلعوا عليها وأن يتأثروا بها.
(لا إكراه في الدين)، هذا هو المذهب العربي الصميم. فليس من الضروري أن توافق الآراء بعضها بعضاً، ولا أود أن أبدي رأيي الشخصي في الموضوع، ما دام الناق الطنطاوي لم راع في نقده مبادئ النقد الأولية. فله رأيه إذا كان مخالفاً لصاحب المقال، شريطة مع ذلك أن يكون جارياً على أصول المنطق والذوق والتهذيب، وعدم مزج المهاترة والألفاظ النابية في البحث العلمي، وإني مثلاً لا أفهم ما هو مكان النزعة السياسية في النقد الأدبي!. .
ويدخل في هذا الباب أيضاً مزج الأخلاق بالأدب، فليس غرض الكاتب صاحب المقال في (الثقافة) أن يدعو إلى الإباحية. . . وقد عرفناه في جميع ما يكتب بعيداً عنها بعد الأرض عن السماء. فهو لا يبتغي كما يوحي مقاله إلا بيان خصائص الأدبين العربي والفرنسي، على حسب ما وصل إليه جهده ونزاهته، فإن لم يصب المرمى على رأى الناقد، فحسبه أن أجتهد (وللمجتهد أجره وإن أخطأ).
أما قولك يا سيد على بأن الكاتب لا أخوات له ولا بنات، فلا ينطبق على الحقيقة، ولا دخل له في موضوع النقد الأدبي. أما إذا كان في النية بيان تأثير الأدب في الأخلاق، وما ينجم عن ذلك من فضائل ورذائل، فلذلك طريقة خاصة في البحث غير الطريقة التي سلكتها. . .
وأختم كلمتي بالرجاء إلى السيد علي الطنطاوي أن يتقبل ملاحظاتي المتواضعة بصدر رحب، كما أني أرجو جميع الناقدين أن يلتزموا حدود البحث العلمي، والحيادية، والتجرد عن النزعات الشخصية، وعن الطعن البعيد عن الروح الموضوعية، كي تثمر مناقشاتنا الثمرات المؤملة، والسلام.
(حلب)
الدكتور محمد يحيى الهاشمي
من أساليب النقد عندنا:
إن القارئ المنصف ليأخذه العجب حين يطالع تلك الفصول التي يكتبها النقاد المحدثون؛ فأكثرها يمليه الهوى، ولا يصدر من رأى خالص لوجه الحق، ولا سيما ما يكتب مقدمات لكتب المؤلفين، ودواوين الشعراء، ولكن العجب الذي لا يكاد ينتهي ما يلاحقك حين تقرأ لناقد واحد لكتاب واحد في أسبوع واحد كتابين متناقضين.
كتاب (نفحات من سيرة السيدة زينب) وضعه الأستاذ الشيخ أحمد الشرباصي ونقده الأستاذ كامل السيد شاهين في مجلة (الرسالة) بتاريخ 12 من ذي القعدة سنة 1365، وفي مجلة الإسلام بتاريخ 16 من الشهر نفسه فبين الكلمتين أربعة أيام فقط، ولكن هذه المدة القصيرة غيرت رأي الناقد. ولو كانت إحدى المجلتين تصدر في أمريكا أو في الصين، ولو كان بين النقدين زمن طويل لالتمسنا للناقد عذراً، ولا يمكن أن يحمل كلامه في (الرسالة) إلا على أنه مجاملة لزميله وصديقه، ولكن كان يجب أن يفهم أن (الرسالة) ومثيلاتها من المجلات التي تكتب للخاصة ليست موضعاً للمجاملات.
ولنسق جملة من كلتا الكلمتين ليعرف القارئ إلى أي مدى تكون المجاملة. وفي مقال الرسالة ص1122 (والكتاب بعد ذلك عرض تاريخي أنيق لحياة هذه السيدة الكريمة. فللوعاظ والمرشدين والمؤرخين المعنيين بتحقيق الشخصيات الإسلامية البارزة لهؤلاء جميعاً وضع هذا الكتاب جامعاً بين دقة البحث وطلاوة الأدب. . الخ). فالكتاب إذن للمؤرخين الذين يعنيهم التحقيق والتدقيق وصاحبه قد بذل فيه جهداً جباراً حتى جاء دقيق البحث، فما له يصبح في مجلة الإسلام عارياً عن التحقيق جامعاً بين الغث والثمين والطم والرم، حتى في أخص ما يجب فيه التحقيق وهو تأويل آيات الله الكريمة قال الناقد ص 18 (نحا المؤلف في تأويل الآيات القرآنية منحى شيئاً، وذلك يذكرنا بشر ما يقع فيه إنسان أن يكون كتاب الله الكريم خاضعاً في تأويله لمجارى الأهواء، وقد انساق كثير من المفسرين في هذا التيار عن غفلة وثقة بمن يأخذون عنهم، وما كنا نحب من المؤلف أن يأخذ مما قاله الرواة والمفسرون بدون تحقيق ولا تمحيص). وإذا كان في هذه الفقرات يعيب على صاحبه عدم التحقيق في تفسير الآيات القرآنية، فهو في موضع آخر يعيب عليه عدم التحقيق في الروايات التاريخية وهي ما قام الكتاب عليها، فلا مندوحة لمن يقرأ كلماته أن يعتقد أن المؤلف لم يحقق ولم يدقق في أصول كتابه أو فروعه. قال الناقد في مجلة الإسلام ص18 أيضاً (وآخر ما أذكر به المؤلف أن يراجع ما كتب، ولا يأخذ من أفواه المؤرخين والمفسرين أخذاً لينظر فيما قيل ويعرضه على شك عقله، وحقيقة دينه، فأما أن يجمع بين الغث والسمين فذلك غير ما نأمل فيه)، وقد تلفت القارئ هذه الكلمة من الناقد (وحقيقة دينه) ولا عجب فإن الناقد يرى المؤلف بعيداً عن روح الإسلام في بعض ما كتب، قال بع أن ذكر تأويل المؤلف لآيتين من كتاب الله، وذكر هو تفسيرهما: (هذه هي روح الإسلام الصحيح ولا ينبغي أن يبتعد عنها رجل يبتغي بعلمه وجه الله ورسوله، فإن كنت يا سيدي تؤمن بأن الله اصطفى طائفة من نور، وجعل طائفة من نجس فذلك عن روح الإسلام بمعزل).
والناقد يشير بقوله: (ولا ينبغي أن يبتعد. . الخ) أن المؤلف قصد بما ساقه عن آل البيت تملق العامة وابتغاء ما عندهم ثم ترى أن الأستاذ شاهين يذكر لصاحبه في مجلة (الرسالة) أنه تناول التربية الشعبية (بروح جديدة هي روح عالم النفس الحاذق)، ولكنه في مجلة الإسلام يقول: (ولا أنسى أن ألوم الحسين، فأن هذا الكتاب للعامة ولا يصح أن تساق هذه الأشياء وأمثالها فيتخذها العامة ذريعة لاستحلال ما حرم الله. والحرام حرام مهما كانت مكانة فاعله ومنزلته).
(وبعد) فإن القارئ يتبين بما نقلته مدى التناقض بين كلامي الناقد، وإنه بصنيعه هذا في المجلتين، وما ساقه امتداحاً لصاحبه ثم ما عقب به من هذا النقد الذي يهدم كل ما بناه ليذكرنا بما قاله المرحوم شوقي بك على لسان أحد أبطال روايته مجنون ليلى يخاطب منازلاً غريم قيس في حب ليلى:
منازِ بابن العم ما هذا الخبر ... رفعت قيساً فجعلته القمر
والآن أغربت بقتله الزمر ... كفعل جزار اليهود بالبقر
برأها من العيوب وعقر
أما رأيي فخلاصته أن المؤلف - على ما نعهد فيه من علم وفضل - كان في هذا الكتاب خاطب ليل، وأنه استهدف لنقد عنيف محق وأمكن الرامي من صفاء الثغرة كما يقول العرب في أمثالهم.
علي العماري
إلى الأستاذ الجليل محمد إسعاف النشاشيبي:
ذكرتم في النقلة 697 قصة عن محمد بن الحسين اللخمي وتلميذه، وفي ختامها هذه الأبيات: رب ما أقبح عندي عاشقاٌ ... مستهاماً يتفقَّا سمنا
قلت من ذاك؟ أنا؟ فاستضحكت ... ثم قالت: من تراه؟ فأنا
قلت زوريني فقالت عجباً ... أنا والله إذن قارئ منى
إذ يصلي وعليه زيتهم ... أنت تهواني وآتيك أنا؟
فمن هو قارئ منى الذي يصلي بالناس وزيتهم عليه؟ وهل هذه القصة حقيقية؟
(البصرة)
محمد حسين إسماعيل
في إرشاد الأريب:
كنت أراجع مقالات الأستاذ إسعاف النشاشيبي في إرشاد الأريب إلى معرفة الأديب فعرض لي في العدد (655) من (الرسالة) الغراء ما أردت إثباته، وبالله العون.
جاء في إرشاد الأريب إلى معرفة الأديب ج 9ص8: فكتب إليه المهلبي: وصل كتابك يا أخي. . المتضمن نفيس الجواهر من بحار الخواطر، الحاوي ثمار الصفاء من منبت الوفاء وفهمته، ووقع من نظم ونثر. . موقع الري من ذي الغلة، والشفاء من ذي العلة، والفوز من ذي الخيبة، و (الأدب) من ذي الغيبة، وجاء في الشرح: الأدب التأديب.
ورأى العلامة النشاشيبي في تحقيقاته أن المهلبي قال: (والغنم منذي الغيبة) ويعزي إلى أمرئ القيس:
لقد طوفت في الآفاق حتى ... رضيت من الغنيمة بالإياب
وأظن أن الصواب هو (والأوب من ذي الغيبة) والبيت الذي أورده الأستاذ لامرئ القيس دليل يظاهر ما أوردته في سياق المعنى المراد.
هذا، وفي الختام إلى أستاذنا المحقق تحياتي، والسلام.
(الزيتون)
عدنان أسعد
أبو شاس ليس هو أبا نؤاس: رأى الأستاذ شكري محمود أحمد في (الرسالة) الغراء (688) أن أبا شاس الشاعر هو أبو نؤاس نفسه وإنما صحفه النساخ، وقد أيد رأيه بأبيات منسوبة لأبي شاس وهي موجودة في ديوان أبي نؤاس.
وإني أقول للأستاذ إن لفظة أبو شاس قد وردت لعلمين من أعلام الأدب العربي كما في معجم الشعراء للمرزباني وهما أبو شاس التميمي وأبو شاس الطبري.
فأما التصحيف الذي ذكره الأستاذ فلا يمكن أن يقع على مثل هذه الكلمات لبعد الشبه بينها.
وأما الأبيات التي استشهد بها فيمكن أن تكون لأبي نؤاس وإنما وجدت منسوخة عند أبي شاس من غير أن تعزى إلى أحد فظنها من وجدها عنده أنها له فأذاعها بين الناس باسمه فنسبت له.
كما أن أبا نؤاس لم ينفرد بهذه الكنية بل هناك أبو نؤاس آخر هو أبو السرى سهل بن يعقوب المكنى بأبي نؤاس قيل إنما كنى بذلك لأنه كان يظهر التطيب والتخالع مع الناس فسمي أبو نؤاس لتخالعه وقد كان محدثاً فقيهاً.
(كر بلاء)
م. ع. ك
رجاء:
لاحظت أن كثيراً من الأدباء ينشرون المقالة في (الرسالة) ثم بعد ذلك ينشرونها في الثقافة، ومن هؤلاء العلامة الدكتور محمد البهي في مقالة (الدين الصناعي)، والأستاذ الشاعر محمد رجب البيومي في قصيدة (مقبرة ريفية) والأديب الفاضل أحمد عبد المجيد الغزالي في مقاله (الصراصير). . . ومن المعلوم أن قراء (الرسالة) في الغالب - هم قراء الثقافة فما الداعي إلى ذلك؟ مع أننا معشر القراء - نريد الطريف الجديد لا المكرر المعاد!!. . .
سعاد كامل