انتقل إلى المحتوى

مجلة الرسالة/العدد 689/الشريعة الإسلامية وأعلام القانون في هذا العصر

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 689/الشريعة الإسلامية وأعلام القانون في هذا العصر

مجلة الرسالة - العدد 689
الشريعة الإسلامية وأعلام القانون في هذا العصر
ملاحظات: بتاريخ: 16 - 09 - 1946



للأستاذ حسن أحمد الخطيب

عنيت طائفة من علماء الغرب ومحبي البحث بآثار المشارقة وعلومهم وفنونهم، فكان منهم الباحث في اللغة العربية خاصة، واللغات الشرقية عامة: يبحث في أصولها ومشتقاتها وتطور ألفاظها وكلماتها، ومنهم المطلع على آدابها والمعنى بطبع أهم الكتب العربية والأدبية ونشرها بعد تصحيحها وضبطها وتعليق الحواشي بما يعين على الفهم ويفتح المستغلق.

ومنهم من تعدى ذلك، فبحث في العلوم الشرعية من علوم القرآن والتفسير والحديث. ومنهم من نظر في الفقه الإسلامي، فاطلع على دقائقه وغاص في بحره، وعلم أن فيه ثروة واسعة وكنوزا نفيسة، فنوه بشنه وشاد بذكره، ولفت أعلام القانون في وطنه إلى هذه الثروة القانونية فأعجبوا بها، وأقروا بقوتها ومبلغ أثرها في الحضارة والإصلاح.

وإلى هؤلاء، تجد عنقاً من أقطاب القانون في مصر وغيرها من الأقطار الشرقية - قد عرفوا إثراءها وخصبها والحياة القوية الكامنة فيها، فدعوا إلى النهل منها واتخاذها أساساً يرجع إليه في التشريع في مصر وغيرها من البلاد لعربية والشرقية.

وإنا لذاكرون هنا آراء بعض أئمة العلم والقانون - في الشريعة الإسلامية من أولئك المنصفين من غربيين وشرقيين لتعرف أن الحق لا يعدم نصيراً، وإنه يجب اتخاذ تلك الشريعة أساسا ومصدراً لتشريعنا في هذا العصر:

1 - يرى الأستاذ لامبير الفرنسي: أن الكتب والمؤلفات الموضوعة في الشريعة الإسلامية كنز لا يفنى، ومنبع لا ينضب، وإنه خير ما يلجأ إليه المصريون في العصر الحاضر في البحوث العلمية حتى يعيدوا لمصر ولبلاد العرب هذا المجد العلمي الذي أخذ الزمن يطويه بحكم الإهمال وعدم العناية به.

وكان يظن أن للقانون الروماني أثرا كبيراً في الشريعة الإسلامية ولكن استبان له بعد أن عمق النظر فيها، وأوغل في دراستها، واتصل بعلمائها أنها شريعة مستقلة بذاتها.

2 - وقال (ليفي أولمان) الأستاذ بكلية الحقوق بباريس في رسالة الدكتور محمد صادق فهمي التي ألفها في الإثبات باللغة الفرنسية، وعرض فيها لما قرره علماء الإسلامية وبخاصة ابن قيم الجوزية:

(إن كتاب الدكتور صادق جدير بان يلحق بالكتب المكونة للمجموعات العلمية القانونية الحاضرة كمجموعة سالي وغيره من رؤوس القانون في عصر النهضة القانونية الحاضرة، كل ذلك على اعتبار الشريعة الإسلامية في المعاملات مصدراً حياً للقانون العصري، ومناطاً للحق في أطواره المختلفة.

3 - وقال الدكتور (أنريكو انساباتو): إن الشريعة الإسلامية تفوق في كثير من بحوثها الشرائع الأوربية، بل هي التي تعطي للعالم أرسخ الشرائع ثباتاً.

4 - وقال بعض الفقهاء، الشريعة الإسلامية بحر لا ساحل له.

5 - وقال فارس بك الخوري في حفل أقيم في دمشق لإحياء ذكرى مولد النبي :

إن محمداً أعظم عظماء العالم، ولم يجد الدهر بمثله. والدين الذي جاء به أوفى الأديان وأتمها وأكملها، وإن محمداً أودع شريعته المطهرة أربعة آلاف مسألة علمية واجتماعية وتشريعية، ولم يستطع علماء القانون المنصفون إلا الاعتراف بفضل الذي دعا الناس إليها باسم الله، وبأنها متفقة مع العلم مطابقة لأرقى النظم والحقائق العلمية.

إن محمداً الذي تحتفلون به، وتكرمون ذكراه أعظم عظماء الأرض سابقهم ولاحقهم: فلقد استطاع توحيد العرب بعد شتاتهم وأنشأ منهم أمة موحدة فتحت العلم المعروف يومئذ، وجاء لها بأعظم ديانة عنيت للناس حقوقهم وواجباتهم وأصول تعاملهم على أسس تعد من أرقى دساتير العالم وأكملها.

6 - وقال العلامة سنتيلانا في بعض مؤلفاته:

(إن في الفقه الإسلامي ما يكفي المسلمين في تشريعهم المدني إن لم نقل إن فيه ما يكفى الإنسانية كلها).

7 - وقال الأستاذ سليم باز المسيحي اللبناني شارح مجلة الأحكام العدلية:

(إنني أعتقد بكل اطمئنان إن في الفقه الإسلامي كل حاجة البشر من عقود ومعاملات وأقضيه والتزامات، وليس الشاهد على ذلك ما هو مائل للأنظار في دار الكتب المصرية وخزائن الكتب في البلاد الإسلامية فحسب، بل فيما حوته خزائن دور الكتب الأوربية أيضاً من ليدن في هولندا إلى روما وبرلين وباريس والمتحف البريطاني، بل إلى المكتبة البابوية في قصر الفاتيكان، فإن ما في هذه المكتبات من الكتب الفقهية الإسلامية إنما هو ثمرة جهود الألوف الكثير من فحول العلماء، وهي الشاهد الأكبر على أنه لا يوجد معنى من معاني الأحكام المنشود فيها العدل، ولا حاجة من حاجات البشر في التشريع تقدم لفقيه مسلم قول فيه.

8 - وقال كيهلر العالم القانوني الألماني - حينما اطلع على رسالة الدكتور محمود فتحي في مذهب الاعتساف في استعمال الحق عند فقهاء الإسلام:

(إن الألمان كانوا يتيهون عجباً على غيرهم في ابتكار نظرية الاعتساف والتشريع لها في القانون المدني الألماني الذي وضع سنة 1787م، أما وقد ظهر كتاب الدكتور فتحي وأفاض في شرح هذا المبدأ عند رجال التشريع الإسلامي، وأبان أن رجال الفقه الإسلامي تكلموا عنه طويلا ابتداء من القرن الثامن الميلادي - فإنه يجدر بالعلم القانوني الألماني أن يترك مجد العمل بهذا المبدأ لأهله الذين عرفوه قبل أن يعرفه الألمان بعشرة قرون، وأهله هم حملة الشريعة الإسلامية.

9 - وقال العلامة الأستاذ شبرل عميد كلية الحقوق بجامعة فينا في مؤتمر الحقوقيين سنة 1927م:

(إن البشرية لتفتخر بانتساب رجل كمحمد إليها، إذ أنه رغم أميته استطاع قبل بضعة عشر قرناً أن يأتي بتشريع سنكون نحن الأوربيين أسعد ما نكون لو وصلنا إلى قمته بعد ألفي سنة).

10 - وقال هوكنج الأمريكي أستاذ الفلسفة بجامعة هارفرد في كتابه (روح السياسة العالمية):

(إني أشعر بأني على حق حين اقدر أن الشريعة الإسلامية تحتوي على جميع المبادئ اللازمة للنهوض).

11 - وقال الدكتور عبد الرزاق السنهوري عميد كلية الحقوق المصرية السابق من محاضرة له:

(علينا أن نأخذ في دراسة الشريعة الإسلامية طبقاً للأساليب الحديثة، وأن نقارن بينها وبين شرائع الغرب، وإني زعيم لكم بأن تجدوا في ذخائر الشريعة الإسلامية من المبادئ والنظريات ما لا يقل في رقى الصياغة وفي أحكام الصنعة عن أحدث المبادئ والنظريات وأكثرها تقدما في الفقه الغربي).

12 - وقال الدكتور عبد السلام ذهني المستشار بمحكمة الاستئناف المختلطة، وهو القانوني المتضلع، والرجل المنصف الذي عرف للشريعة الإسلامية قدرها، وبذل غاية وكده في إنصافها: (إن بحوث أهل الشريعة الإسلامية في المعاملات مستفيضة بكثرة لا حد لها، وفيها كنوز قيمة من البحوث العلمية والعملية في المعاملات؛ هي أكبر تراث تركه الآباء في البلاد الناطقة بالضاد).

وقال في موضع آخر:

(إن الشريعة الإسلامية مليئة فيما يتعلق بالمعاملات بأصول مدنية غاية في الدقة والمتانة. . . ولأحكامها في المعاملات من القدرة والقوة والتفوق ما يجعلها بحق في مستوى واحد مع القوانين المدنية العصرية من حيث الدعائم الأولى لعلم القانون، ولعلم القانون المقارن. . . إلى أن قال:

(وفي الأخذ بالشريعة الإسلامية في المعاملات المدنية تمكين للنزعة القومية في مصر، وانتصار للكيان الشرقي العربي وكرامته، وفيه إحياء لمجد مدفون بغير حق، وبعث لحياة شرقية عربية جديدة بحق).

13 - وقال الأستاذ علي بدوي المحامي وعميد كلية الحقوق السابق من مقال له عنوانه: (مكانة الشريعة الإسلامية في الفقه الحديث).

(ليست مظاهر استقلال الفقه الإسلامي وتفوقه محصورة في القواعد المدنية والأحوال الشخصية. . . ولكنها تبينت كذلك في عدة مواضع من التشريع الجنائي الإسلامي). . . ثم قال:

(إن الشريعة الإسلامية تشمل من مبادئ القومية ونظمها ما لا يقل في سعة النطاق وفي تهذيب الفكرة عن أحدث المبادئ والنظم الوضعية، ومنها ما لم يكن له مثيل في نظم العقوبات الرومانية، ومن هذه النظم نظام الحسبة في الشريعة الإسلامية، وهي وظيفة اجتماعية في العصر القديم تقابل وظيفة النيابة العمومية في العصر الحديث. ومنها كذلك نظام العقاب بالتعزير، وهو أن يترك تحديد العقوبة - نوعاً ومقداراً - إلى تقدير القاضي بحكم بها تبعاً لما يتضح لديه من ظروف كل جريمة، ولحالة المجرم ونفسيته ودرجة ميله إلى الإجرام، وهو نظام تمتاز به الشريعة الإسلامية على الشرائع الأخرى، وينادي به كبار العلماء الجنائيين في العصر الحديث، حتى تكون العقوبات محققة للغاية من تشريعها).

14 - ثم جاء قرار المؤتمر الدولي للقانون المقارن الذي انعقد بلاهاي في أوائل أغطس سنة 1937م - مظهراً فضل هذه الشريعة ورسوخ قدمها وعلو كعبها، وهو الذي جمع أقطاب القانون وأعلام الشرائع في العصر الحاضر - وخلاصته أن الشريعة الإسلامية حية صالحة للتطور ومسايرة المدنية الحديثة، وأنها لذلك جديرة بأن تشغل مكانة ممتازة بين مصادر القانون المقارن).

وبذلك أحرزت الشريعة الإسلامية قصب السبق، وفازت فوزاً عظيما، واعترف بمجدها الخالد الغربيون.

حسن أحمد الخطيب