مجلة الرسالة/العدد 685/- من الأدب الغربي:

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 685/- من الأدب الغربي:

مجلة الرسالة - العدد 685
- من الأدب الغربي:
ملاحظات: بتاريخ: 19 - 08 - 1946



مسلة تتحدث

للأستاذ محمد رجب البيومي

(في الأدب الفرنسي خاصة روائع خالدة عن مصر؛ وهذه قصيدة عصماء لتيو فيل جوتييه نظمها على لسان مسلة مصرية قائمة بميدان الكونكورد بباريس ونحن ننقلها بتصرف يقتضيه الذوق العربي).

تحت صوب الحيا وذوب الجليد ... أقف الآن في التياع شديد

يزأر الجو فوق رأسي كطاغٍ ... مستبد بكل من في الوجود

تصرخ الريح بين كفيه رعباً ... وتصيح الرعود تلو الرعود

ويمر السحاب تحت حماه ... كأسير مكبل بالقيود

تمس الجو! صار ثلجاً ببار ... يس وقد كان جمرة في الصعيد

حيث كانت أختي ترفه عني ... بحديث كخمرة العنقود

إذ يميس النخيل في سندس الع ... شب كخود تجر وشى البرود

إذ يهب النسيم في كل فجر ... ناشراً في الربوع عطر الورود

وذكاء الوضيئة الوجه تعطو ... فوق هام الربا بخطو وئيد

يا لأوقاتها! تولت وكانت ... مشعل النور في الليالي السود

كخيال سرى، وحلم توارى ... كسرابٍ يلوح فوق البيد

إيه رمسيس قد تحطم صرح ... أبدى أقمته للخلود. . .!

المسلات - يالخزيك - كانت ... في ربوع الحمى كبرج مشيد

طالما قد حميتها بحصونٍ ... من رماح وجحفل من أسود

فمشى الدهر نحوها وهو ليث ... صنع الله قلبه من حديد

فإذا جيشك العظيم يولي ... وجهه في استكانة الرعديد

كيف هذا؟ حقيقة أم خيال ... يا سماء ارجفي! ويا أرض ميدي

قد تربعت فوق لحد رهيبٍ ... كان للأبرياء شر اللحود

وقف العدل في نواحيه يبكي ... بدموع تخز في الجلمو كم قتيل بدون ذنب جناه ... وشهيد مضى وراء شهيد

والمنايا تطيع أمر (لويس) ... كل يوم تقول: هل من مزيد

وأخيراً أتت عليه فحزت ... من قفاه العريض حبل الوريد

قتل الموت! كم أذل عزيزاً ... كان ذو سطوة وبأسٍ عتيد

انظر (السين) حائر الموج يعلو ... في اصطخاب كالهائج العربيد

يتهادى وفيم التهادي؟ ... وهو مر المذاق رنق الورود

ليس كالنيل حين تصقله الشم ... س فيبدو كاللؤلؤ المنضود

ماس بين المروج مؤتلق الوج ... هـ كتاج على الربا معقود

جعل الأرض روضةً يتغنى ... فوقها كل صادحٍ غريد

من رسولي إليه في مصر يهد ... يه تحيات قلبي المعمود

كل شئ له بريد ولكن ... آه للنيل! ماله من بريد

كنت في مصر - واحنيني إليها - ... ذات مجد يذيب قلب الحسود

يفد الناس خاشعين لمحرا - بي وكل يهم لي بالسجود

وأنا اليوم قطعة من صخور ... وقفت في الطريق مثل العمود

الرعاع الطغام حولي سكارى ... كقطيع مشرد في البيد

يفعلون الخنا بوجه من الصخر ... وقاحٍ لا يستحي من وجودي

كم بغي تسير فوق زنيم ... يشتري طهرها بحلو الوعود

يقطع الوقت في التذاذ أثيم ... بين شهد اللمى وورد الخلود

(غاب بولنيا) مذبح شهوى ... كم هوت فيه كل حسناء رودِ

أين منه مصر التي قد تعالى ... كل صوت بطهرها المحمود

قد جعلتِ العفاف يا مصر تاجاً ... يتجلى على رءوس الغيد

أين مني حمى رعٍ وأمونٍ ... هل سيبدو لناظري من جديد

وعويل الكهان في غسق اللي ... ل كثكلى على ضريح فقيد

والتماثيل في المعابد يجثو ... عندها كل سيدٍ ومسود

والنواقيس صادحات كطير ... ساحر اللحن بارع الترديد والقبور الضخام كالهرم الع ... الي سطور خطت بسفر الخلود

ما بباريس مثلها وهي كنز ... ذهبي يظم كل فريد

أنتِ يا مصر منية المتمني ... دمتِ في نعمةٍ وعيشٍ رغيد