انتقل إلى المحتوى

مجلة الرسالة/العدد 685/الكتب

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 685/الكتب

ملاحظات: بتاريخ: 19 - 08 - 1946



كتب من مراكش:

موقف الأمة المغربية من الحماية الفرنسية

للأستاذ عبد الكريم غلاب

عادت حركة التأليف إلى نشاطها بعد انتهاء الحرب، وقد حمل إلينا البريد أخيرا عدة كتب سنقدم بعضها إلى قراء الرسالة.

والكتاب الذي نقدمه اليوم إلى القراء هو (موقف الأمة المغربية من الحماية الفرنسية) وقد جمعت هذا الكتاب وأصدرته جريدة (الوحدة المغربية) التي تصدر في تطوان. والكتاب مؤلف من عدة أبحاث نشر بعضها من قبل في جريدة الوحدة المغربية ومجلة (السلام) وقد اشترك في كتابة هذه الأبحاث الأستاذان: محمد المكي الناصري، ومحمد حسن الوزاني. كما يشتمل الكتاب على تقرير هام أرسله المارشال ليوطي حينما كان مقيما عاما في مراكش إلى حكومته سنة 1920 يشرح فيه وجهة نظره في نظام الحماية، وكيف يجب أن يطبق في مراكش.

وموضوع هذا الكتاب، كما يظهر من عنوانه تاريخي سياسي يصور فترة من تاريخ مراكش الحديث، وهي الفترة التي وقعت فيها هذه البلاد تحت الحماية الفرنسية. ويبدأ الكتاب بشرح المؤامرات الدولية التي كانت تحاك ضد مراكش قبل سنة 1912، ويعنى خاصة بالميثاق الذي عقد بين فرنسا وإنجلترا سنة 1904، وبمقتضاه تنازلت إنجلترا لفرنسا عن (حقها) في مراكش في مقابل تنازل فرنسا لإنجلترا عن (حقها) في مصر. كما يشرح لنا الكتاب الظروف التي أملت المعاهدة التي عقدت بين فرنسا وألمانيا سنة 1911، وفيها صرحت ألمانيا بأنها لا تعرقل مساعي فرنسا في السيطرة على مراكش. وإلى جانب ذلك قامت فرنسا بمساع أخرى على حدود البلاد سمتها هي - بمنطقها - اضطرابات داخلية وبما أنها مسؤولة عن حفظ النظام في مراكش المستقلة، فالمصلحة تقتضي أن تزحف على مدينتي وجدة وفاس عاصمة مراكش لتحافظ فيهما على الأمن. كان ذلك سنة 1911، وما كادت تحل سنة 1912 حتى تردد في أنحاء العالم أن فرنسا تعد مشروع معاهدة بينها وبين مراكش. ثم رددت جوانب القصر الملكي في فاس أن سفير فرنسا مسيو (رينو) يتردد على جلالة السلطان مولاي عبد الحفيظ، وأنه يعرض عليه مشروع معاهدة الحماية، وأن جلالته قد وقع تحت ضغط دبلوماسي وعسكري وتحت تهديدات السفير الفرنسي، ومع ذلك فهو يمانع بل يعلن للسفير أنه سيتنازل عن العرش إذا هو أجبره على إمضاء المعاهدة. ويشرق يوم 30 مارس فإذا بفرنسا تعلن أن جلالته قد وقع عقد الحماية، وأنه بمقتضاها قد أباح للجنود الفرنسيين أن يحتلوا مراكش كلها حتى يستطيعوا أن يؤدوا واجبهم كاملا في تنفيذ الإصلاحات التي نص عليها في المعاهدة. وتمر بضعة شهور فإذا بجلالة السلطان يعلن لأمته أنه لم يستطع أن يؤدي واجبه في المحافظة على استقلال البلاد التي أقسم اليمين عند توليته على المحافظة عليه، وأنه لذلك يتنازل عن العرش ويترك الأمر للأمة لتختار من يخلفه على عرش أجداده.

وهنا تنتهي مأساة فرض معاهدة الحماية لتبتدئ مأساة تنفيذ هذه المعاهدة. وتجند فرنسا جيشا من الموظفين الاستعماريين الفرنسيين وعلى رأسهم المارشال ليوطي ليقوموا بحكم مراكش حكما مباشرا، وليسلبوا الحكومة المراكشية كل ما أبقت لها المعاهدة من سلطة فيديروا شئون البلاد ويتركوا هيئة الحكومة في سبات عميق، بعد ما كانت هيئة حكومية منظمة تنظيما ديمقراطيا تشرف على إدارة مراكش وتسير بالبلاد نحو التقدم المادي والمعنوي تحت رياسة جلالة السلطان. ويبدأ الفرنسيون في تنظيم حركة استعمارية، فيكونون داخل مراكش مجالس استشارية للفرنسيين يرأسها المقيم العام. ويقوم هؤلاء الفرنسيون بوضع برامج الإدارة والإصلاح في مراكش وينفذونها هم بأنفسهم وبذلك يكون الفرنسيون مصدر السلطة التشريعية والتنفيذية. وهكذا يحكمون مراكش دون أن يشركوا أهل البلاد الشرعيين في أي عمل يتصل بالتشريع والإدارة وبذلك يكونون حكومة دكتاتورية باسم الحماية.

هذه السلطة التي اغتصبها الفرنسيون هي التي مكنتهم من حكم البلاد حكما استعماريا متطرفا يقوم على سلب الأراضي من الفلاحين المراكشيين بدعوى المصلحة العامة، وإعطائها الفرنسيين الذين يهاجرون من بلادهم ليضعوا لأمتهم نقطة ارتكاز في الأرض الجديدة (مراكش).

تلك صورة مختصرة لأبحاث الكتاب التي اشترك فيها كل من الأستاذين المكي والوزاني، وقد اعتمد الكاتبان في عرضهما لسياسة الحماية الفرنسية على كتب وتصريحات لكبار الفرنسيين الذين درسوا موضوع الحماية درسا قانونيا وواقعيا. وبذلك اشتمل الكتاب على نصوص كثيرة - تنشر لأول مرة في اللغة العربية - وتؤيد وجهة النظر المراكشية في اعتداء الحماية على وضعية البلاد التي اعترف بها في معاهدة الجزيرة سنة 1906 وهي الاستقلال التام. كما اعتمد الكاتبان على هذه النصوص في بيان أن معاهدة الحماية مخالفة للقانون الدولي، وللمعاهدات التي عقدت بين الدول المراكشية المستقلة والدول الأجنبية التي منها فرنسا. وقد بينا أيضاً - معتمدين على هذه النصوص - أن تطبيق معاهدة الحماية كان مخالفا لنصوص المعاهدة نفسها، بل للحماية كما يعرفها القانون الدولي. وفي الكتاب كذلك نصوص قيمة في تحليل معاهدة الحماية، وبيان ما تشتمل عليه من غموض وتناقض ومغالطات.

غير أن إعجابنا بالكتاب لا يمنعنا من أن نلاحظ عليه بعض الملاحظات نلخصها في النقط الآتية:

1 - من الخلاصة التي عرضتها في هذه الكلمة نلاحظ أن العنوان لا يطابق موضوع الكتاب. فلن تجد فيه شرحا لمراحل الجهاد المراكشي ضد الحماية الفرنسية. وإذا استثنينا الصفحات القليلة التي كتبت عن موقف السلطان عبد الحفيظ من الحماية الفرنسية، فلا نجد ذكرا لموقف الأمة المراكشية من هذه الحماية.

2 - في الكتاب نصوص كثيرة وخاصة في بحث الأستاذ الوزاني؛ ولكن الكتاب لم يستطع أن يستفيد من هذه النصوص القيمة، بل حشدها حشدا كان يكتفي به أحيانا عن التعليق أو الاستنتاج.

3 - وفي الكتاب خلط غريب يذهب بقيمته العلمية، فالظاهرة العامة الواضحة في الكتاب هي عدم التنظيم، ووضع الكتاب في وضعه الحالي لم يكن مستندا إلى المنطق، ولا إلى ترتيب تاريخي. ولعل هذا هو ما جعل الموضوع الواحد يتكرر في الكتاب عدة مرات، وجعل الكتاب يتناول موضوعا واحدا في صفحات متفرقة تفصل بينها مباحث أخرى، كما نرى في (تحليل معاهدة الحماية) فقد تناوله الكاتب في الصفحات 69، 78، 84.

4 - ويتصل بهذه الملاحظة عدم ذكر المراجع في كثير من أبحاث الكتاب وخاصة عند دراسة الموضوعات المهمة كنظم الدولة المراكشية قبل الحماية، وخلع السلطان عبد العزيز لتفريطه في حقوق الأمة، وتولية السلطان عبد الحفيظ بعد أن أقسم اليمين على احترام شروط البيعة. كما يتصل بذلك أيضاً كثرة العناوين التي هي أجدر بالتهريج الصحفي منها بكتاب علمي، وركاكة الأسلوب الذي ترجمت به النصوص الفرنسية.

5 - ولعل أخطر ملاحظة هي أن الكتاب لم يتعرض لموقف إسبانيا مطلقا. مع أن المعروف أن مراكش تقع تحت النفوذين الفرنسي والأسباني. وأن إسبانيا شريكة لفرنسا بموافقتها على معاهدة الحماية، واحتلالها الجزء الشمالي من مراكش بمقتضى هذه المعاهدة نفسها. والذين يعرفون الموقف السياسي للأستاذ المكي يدركون سبب هذا النقص الخطير في الكتاب.

6 - وفي الكتاب نزعة حزبية ظاهرة، فقد نشر سنة 1946، وفي يناير سنة 1944 وقعت أخطر حركة سياسية وطنية في مراكش ضد الحماية الفرنسية؛ فقد اتحدت جميع الأحزاب والهيئات الوطنية في منطقة النفوذ الفرنسي تحت اسم جديد هو (حزب الاستقلال) ووضع الحزب وثيقة طالب فيها باستقلال مراكش وإنهاء عهد الحماية. وبذلك وضعت مراكش أول حجر في صرح الاستقلال ومرت البلاد بأخطر تجربة في تاريخها الحديث. ومع ذلك لم يتحدث الكتاب عن هذا الدور من (موقف الأمة المغربية من الحماية الفرنسية) إلا في سطر أو سطرين. وتلك ظاهرة غريبة تمليها حزبية عمياء كنت أرجو أن يبرأ منها كتاب ينشر عن القضية المراكشية.

عبد الكريم غلاب