مجلة الرسالة/العدد 680/هذا العالم المتغير!
مجلة الرسالة/العدد 680/هذا العالم المتغير!
عشنا بالطاقة الذرية!
للأستاذ فوزي الشتوي
الشمس تعلمنا
هل تعلمنا الشمس كيف نستخرج الطاقة الذرية بأبسط الوسائل ومن أكثر العناصر انتشارا في العالم؟
كل القرائن تقول نعم. فهي ترسل إلينا بإشعاعاتها منذ القدم. وهي تغذينا بطاقتها الذرية طول عمرنا وعمرها. وتستغل في هذا السبيل ابسط العناصر وأكثرها في الوجود وهو غاز الأيدروجين. فهذا الهواء حولك جزء من أيدروجين، وهذا الماء الذي تغتسل به وتشربه أو تسبح فيه مؤلف من الأيدروجين والأوكسجين.
ومن ثم يسيل لعاب العلماء والحكومات ورجال الصناعة. بالمعلم (الشمس) تشرق على كل مكان، ويستطيع كل إنسان أن يرقبها، ويدرس طريقتها في فلق ذرات الأيدروجين وإرسال طاقتها. والأيدروجين موجود في كل مكان تطرقه. ومن المعروف أن الخالق لا يحب التعقيد بل يلجا في تدبيره إلى البساطة المتناهية. وأول علاماتها في هذا الصدد أن الأيدروجين هو ابسط العناصر، فتتألف ذرته من كهرب واحد يدور حوله كهرب سالب واحد.
ومن ثم يبدو بعد الشقة بين كمال قدرة الخالق ونقص كمال قدرة الإنسان، وقد بدت حكمته فتركنا نسعى بعقلنا حتى اكتشفنا الطاقة الذرية من اعقد طريق، وبأعقد الوسائل والمواد، ثم استغللناها في الدمار والخراب. فعرفناها عن طريق اليورانيوم اعقد العناصر، وبآلات بالغة الضخامة، ثم استخدمناها لقتل البشر ودمار المدينة، أما هو فكانت وسائله على النقيض تماما. ويكفي أن نقول أن الشمس مصدر الحياة.
وليس هذا مجال التوسع في هذا الحديث فنحن قبل بحث جديد لا يعرف سوى الله مداه. فقد وفق الإنسان إلى استخراج الطاقة الذرية، ولكن من اليورانيوم والبلوتونيوم اعقد العناصر المعروفة وأبهضها تكاليف، فضلا عن أن بقاعا شاسعة من العارض لا تملك منهما شيئا.
وقد تكلف الرطل الواحد من العنصر الأخير 25 ألف دولار حين صنعته المصانع الأمريكية لقنبلتي هيروشيما وناجازاكي.
الطاقة من الأيدروجين:
والمعروف أن الشمس توالي غذاء عالمنا بالحرارة والإشعاعات الناتجة من فلق ذرات الأيدروجين المحيط بها وهي كسائر النجوم التي نراها تتلألأ في السماء تستخدمك الطاقة الذرية. وهي لا تحترق كما قد يتوهم البعض لان كتلة الشمس أو النجوم لا تسمح ببقائها كل تلك الحقب من السنين بل المعروف أن تضاؤلها بطيء مما لا يتفق مع طبيعة الاحتراق.
وتستخدم الشمس الطاقة الذرية الناتجة من الأيدروجين ببطء بالغ وبطريقة غير معروفة، فلا تحول من كتلته إلى أكثر من واحد في المائة. وهي نسبة أكبر من النسبة التي تحول من ذرة اليورانيوم التي تبلغ واحدا في الألف تبعا لأحدث الوسائل العلمية، ويقدر أن الشمس ستعيش على هذا المنوال من استخدام طاقتها الذرية 40 , 000 , 000 , 000 سنة.
ومن الطبيعي أن الطاقة الناتجة من فلق ذرة الأيدروجين ستكون اقل من الطاقة الناتجة من ذرة اليورانيوم، ففي ذرة الأول جسيمة واحدة، وفي ذرة الثاني بضع مئات من الجسيمات. ولكن وفرة الأيدروجين وكثرة ذراته ستعوض النقص أو تفوقه، ففي رطل الأيدروجين الواحد ما يقرب من 2 وأمامها 26 صفرا من الذرات. وقدر ثمن الطاقة الناتجة من هذا الرطل بمبلغ 570 مليون دولار.
حقيقة أن العلماء لم يوفقوا لاستخراج الطاقة الذرية من الأيدروجين كما وفقوا إلى استخراجها من عنصر اليورانيوم؛ ولكنهم يعتقدون أن تحويل ذرة الأيدروجين إلى طاقة ايسر من تحويل ذرة اليورانيوم، ومن ثم يحرصون إلى التوسع في دراسته على سطح الأرض وفي الشمس أيضا.
بساطة تغري:
وقد اتجه العلماء إلى استخراج الطاقة الذرية من اليورانيوم 235 لان كتلة ذرته الكبيرة نسبيا وكثرة جسيماتها التي تعد بالمئات تسهل فلقها بخلاف الأيدروجين الذي تتألف نواته من جسيمة واحدة لا يتيسر النفاذ إليها بالوسائل المعروفة. ولكن بساطة تركيبها قد تساعد العلماء في حل كثير من الغاز الذرة. ومثال ذلك التي توجد في الذرات الأخرى ولكنها ليست في الأيدروجين.
ويظن أن المتعادلة تتألف من جسيمتين تعادل أحدهما كهارب الأخرى ومن ثم لا يبدو لها أثرا في مدارات الذرة الخارجية. وليس لها كهارب ولكنها ذات تأثير كبير في استخراج الطاقة الذرية من اليورانيوم أو من أي عنصر آخر، فالغالب أن الأيدروجين هو العنصر الوحيد الذي يخلو منها.
ولم يصل العلماء بعد إلى الطريقة التي يمكن بها تحويل المتعادلة إلى كهرب موجب أو تحويل الكهرب الموجب إلى متعادلة برغم ما بذلوه في هذا السبيل من جهد نظرا لأهميته وما قد يسفر عنه من تحول خطير في مجال تركيب الذرة واستغلال ذرات العناصر كلها في إخراج الطاقة الذرية فضلا عما ينتاب الصناعة ذاتها من انقلاب خطير.
الأشعة الكونية مفتاح!
ويدرس الدكتور جون هويلر من جامعة برنستون بأمريكا الأشعة الكونية حتى يحصل على مفتاح يتوسل به إلى تحويل نواة الأيدروجين إلى طاقة - والدكتور هويلر هو أحد العلماء الذين ساهموا بقسط وافر في أبحاث عنصر اليورانيوم. وهو يرى أن نواة الأيدروجين قد تؤدي إلى نتائج كبيرة القيمة.
وقد أدت دراسة الأشعة الكونية إلى العثور على جسيمة ذرية أطلقوا عليها اسم وهي ثمن كتلة الكهرب الموجب وتنتج حين تصطدم الأشعة الكونية النشطة كهربا موجبا فتبدو كقطرات الماء الساقطة من (دش) الحمام.
وتنطلق جسيمات (الماسون) مسافة قصيرة في الجو ثم تختفي قبل وصولها إلى الأرض. ولم يوفق العلماء لمعرفة سر اختفائها أو إلى العوامل التي تؤثر عليها. وان كان المعروف أن الأشعة الكونية التي تطلق رذاذ (الماسون) ذات نشاط يصل إلى مائة بليون إلكترون فولت.
هل وصلنا! وفي رأي الدكتور هويلر أن نشاطا قدره بليون إلكترون فولت يكفي لفلق ذرة الأيدروجين وإنتاج هذا الرذاذ الذي يمكن تحويله إلى طاقة. وفي رأيه أيضاً أن مائة مليون إلكترون فولت قد تؤدي نتائج مشجعة.
وقد تيسر أخيرا لبعض شركات الكهرباء الأمريكية أن تصنع آلة تنتج هذا السيال الكهربائي كما أن العالم الأمريكي لورانس الأستاذ في جامعة كاليفورنيا صنع مدفعا لتحطيم الذرة (سيكلوترون) بهذه القدرة.
ولهذا ينتظر أن تدخل فكرة الدكتور هويلر في مرحلة التجارب العملية في أمد قريب لفلق ذرات الأيدروجين. وعندئذ تصبح دراسة الإشاعة الكونية مرشدا يقود البحث ولكن بأدوات يصنعها الإنسان وعرف كيف يتحكم فيها ويستغلها.
فوزي الشتوي