انتقل إلى المحتوى

مجلة الرسالة/العدد 680/تونس المجاهدة. . . أليس لها من نصير؟

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 680/تونس المجاهدة. . . أليس لها من نصير؟

مجلة الرسالة - العدد 680
تونس المجاهدة. . . أليس لها من نصير؟
ملاحظات: بتاريخ: 15 - 07 - 1946



للأستاذ حسن أحمد الخطيب

ياله من ظلم عبقري، وجور ليس له ضهي، ذلك الذي تصبه فرنسا ورجالها المستعمرون على القطر العربي تونس من سوط العذاب، لا تعرف في ذلك عدلا، ولا ترعى عهدا، ولا يصدفها عن البغي حق إنساني، ولا كرامة أدبية، ولا حرمات واجبة الرعايا، حتى صار أحب الأشياء إلى القاسطين من رجالها، وذوي الغشمرية من ممثليها في تلك البلاد أن ينكلوا بأبنائها ويسوموهم الخسف، ويذيقوهم ضروب العذاب وألوان النكال!

هل أتاك حديث هؤلاء الفرنسيين وما اكتسبوا من سيئات؟ وهل قرع سامعيك - في هذا الوقت الذي يتشدق فيه الدعاة بمبادئ الديمقراطية والحرية - نبأ تلك الفظائع والقوارع التي يشيب من هولها الولدان، وتقشعر من سماعها الأبدان، إذ اندلعت نيران الثورة بإقليم الساحل من القطر التونسي، لما شعروا به من فداحة الظلم وثقل الجور واهتضام الحقوق، فاندفعت الجنود والكتائب الفرنسية نحو القرى الآمنة، واقتحمت الدور الوادعة، وأهلها عزل من كل سلاح إلا سلاح الحق والإيمان، فاعتقلوا الرجال، وأخذوا الرهائن، وانتهبوا البيوت، ودكوا بمعاول الهدم والتخريب!

ولم يكتف هؤلاء الجنود ومن يأتمرون بأمرهم من الرؤساء بهذا العدوان الآثم، وهذه الجرائم التي لا يقرها عرف ولا قانون، فطوعت لهم أنفسهم إحياء ما كمن فيها من غرائز دونها غرائز الحيوان الذي حرم نعمة النطق والتفكير والتربية والتهذيب، فاستباحوا الحرمات، وهتك العلوج أعراض النساء المسلمات، وعرضوهن عاريات، إمعانا في التنكيل، وإيغالا في الإذلال والتعذيب!!

فكيف تستطيع فرنسا وقد اجترح رجالها هذه السيئات، واقترف جنودها تلك الآثام أن تواجه الأمم المتحضرة وتجلس معها جنبا إلى جنب، وتشترك معها في تقرير مصاير الأمم وحريتها، وأن تدعي لنفسها أنها ميزان من موازين القسط، وإنها من سدنة الحرية والإخاء والمساواة؟!

ألا إنهم يخادعون الناس، وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون!!

هذه الأمة التونسية كرمت محتدا وطابت أرومة: إنها عربية تجري في عروقا فضائ العرب ومزاياهم من الشهامة والبسالة والنجدة، والانطباع على الشجاعة وحب الحرية والذود عنها، ومقت الذل، وإباء الضيم، والحرص على الشرف والكرامة.

وإنها لمسلمة قد أشربت حب الإسلام، واستمكنت وصاياه ومبادئه من نفسها حتى سيط بلحمها ودمها، فأيقنت أن الإسلام والذلة لا يجتمعان، وآمنت أن العزة لله ولرسوله وللمؤمنين، وعرفت أن من أجل تعليم الإسلام ووصاياه الجهاد في سبيل الله والحق، الذي يراد منه دفع الفتنة والبلاء، ويراد منه دفع العدوان عن الوطن والبلاد، ويقصد منه رد الاعتداء على الأنفس والأعراض والأموال، والحق والحرية لا يقومان في هذه الحياة إلا على أساس الجهاد المشروع والدفاع المحتوم الذي لا إنحياص عنه ولا مناص. فجهاد تونس وسائر الأمم التي سلبت حريتها مشروع، ولا شك في مشروعيته ولا امتراء، وما أصيبت البلاد الشرقية بما أصيبت به إلا من التقصير في أداء هذا الواجب، والتفريط في المحافظة على هذا السياج الذي هو السبيل الوحيد لحماية الحق وحفظه:

(إن الله يدافع عن الذين آمنوا، إن الله لا يحب كل خوان كفور. أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا، وأن الله على نصرهم لقدير. الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله، ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد، يذكر فيها اسم الله كثيرا، ولينصرن الله من ينصره، إن الله لقوي عزيز)!

أدت الأمة التونسية، وستؤدي واجبها في الدفاع عن حريتها وحقوقها وبلادها، وستنهض بأعباء ذلك كله غير حافلة بالضحايا تقدمها، والدماء الطاهرة تسفكها، والأنفس والأموال تبذلها. .!

ولكن الأمم العربية والإسلامية عليها تبعات وواجبات لهذه الأمة المظلومة المضطهدة، ستسأل عنها أمام الله، وأمام التاريخ والأجيال القادمة!

إن تونس المجاهدة العانية، والجزائر المغلولة المصفدة، ومراكش المغلوبة على أمرها، لا تقل مآسيها وكوارثها عن الخطر الداهم والبلاء النازل بفلسطين. فعلى الأمم العربية والإسلامية أن ترعى قضايا أمم المغرب العربية والإسلامية كما ترعى قضية فلسطين!

وإنا لنطالب الجامعة العربية بمزيد من العناية والرعاية لتلك القضايا، حتى تتم للجامعة وحدة أبنائها في المشرق والمغرب، وتتحقق عزتهم، ويتمتعوا بحقوق السيادة والإنسانية.

وستظل الجامعة العربية - في رأينا - ناقصة البنيان غير عالية الذرا، حتى تضم إليها تلك الأمم، وتكفل لها حياة العزة والكرامة، وعيشة الرغد والسعادة. وإني لأرفع الصوت عاليا مناشدا الأمم الإسلامية والعربية، وحكوماتها في اليمن والحجاز والعراق وسورية ولبنان ومصر والهند، أن يهبوا لنصرة إخوانهم المستضعفين بشمال أفريقية، وذلك بالاحتجاج على دولة فرنسا، وتبليغ سفراء الدول وهيئة الأمم المتحدة صيحاتهم واستنكارهم لموقف فرنسا حيال الأمة التونسية، كما نرجو من الجامعة العربية أن تختار من هذه الأمم المظلومة من يمثلها في الجامعة، حتى تبدأ نشاطها الفعلي في الدفاع عنها، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه، وهو ولي العاملين وناصر المجاهدين!

حسن أحمد الخطيب