انتقل إلى المحتوى

مجلة الرسالة/العدد 670/الكتب

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 670/الكتب

ملاحظات: بتاريخ: 06 - 05 - 1946



طفل من القرية

تأليف الأستاذ سيد قطب

للأستاذ وديع فلسطين

وهذا صوت آخر من القرية يردده الأستاذ القدير سيد قطب فيدعو في أسلوبه التهكمي الخاص إلى تدارك الريف المصري بعناية أولي الأمر، لأن الجهالة لا تزال تختم على عقول قطانه، والفقر ما فتى يحرمهم قوتهم، والداء ما برح ينهش أبدانهم في غير رحمة ولا إشفاق، والخرافات تتناقلها الألسن والأجيال فتصير لها صفة الحقيقة الماثلة الثابتة.

هي ذكريات وعاها الأستاذ سيد مذ كان صبياً يعيش في القرية ويتعلم فيها ويخضع لقوانين الفطرة التي لم تكن المدنية قد تغلغلت إليها بعد. ذكريات شاء أن يدونها في كتابه الجديد (طفل من القرية) يبسط فيه أحوال طلاب الكتاتيب والمدارس الأولية ومدرسيهم وأهليهم وبيوتهم وعاداتهم ووسائل تربيتهم وتطبيبهم.

فهو يحدثك عن الأولياء والمشايخ الذين يقدسهم الريفيون وينسبون إليهم أداء أعمال يعجز عنها الطب ويحار فيها نطس المطببين. فإذا مرض طفل أمكن شفاؤه بحمله على الرقاد ليلة إلى جانب رجل مجذوب مخلول العقل! وإذا عالج (تمورجي) عليلاً وشفاه، جعلوا منه طبيباً نابه الذكر ويؤخذ برأيه وإن كان خطلاً، وتنفذ مشورته وإن كان فيها القضاء العاجل على السقيم! وإذا باع رجلاً جانباً من أرض ليوسع على نفسه قليلاً في معيشته ويرد عنه الضائقات، حزنت زوجه وانتحبت وبكت بئس المصير! وإذا هجر ابن القرية إلى المدينة طلباً في المزيد من العلم، وما يستتبع ذلك من جاه مؤات ومستقبل مضمون، ودعته عائلته بالزفرات الحارة، وسكبت على فراقه العبرات مدرارة! وإذا أمت القرية بعثة طبية تتقضى حالات البلهارسيا والانكلستوما وديدان الاسكارس ومدى تفشيها في القرية، كان الإهمال ديدنها وأداء المهمة بغيتها، ولا جرم إذا كانت جميع المعلومات التي حصلتها في بحوثها غير دقيقة! وإذا لعبت الجرذان ليلا في كومة تبن على جانب طريق، شاع أن الجن والعفاريت يقطنون هذا المنعرج، وأن السير فيه خطر لا تؤمن مغبته! وإذا اقتنى رج كتاباً في السحر وفك العقد، سعت إليه النسوة متخفيات، واستعرنه ليقرأنه في خلوة بمنأى عن الأنظار!

هذا بعض ما عكف الأستاذ قطب الإسهاب في وصفه وتصويره في كتاب (طفل من القرية) في سلاسة وبساطة مصحوبتين بتهكم وازدراء. وهو لا يكتم ألماً ممضاً دفيناً بين جوانحه على تلك الحالة الفاشية في القرى المصرية، ولا يخفى رغبة مشبعة بالأمل في إصلاح تلك الأحوال المؤسية المؤسفة.

ولئن كانت بعض المدارس الأدبية الحديثة تبشر بدعوة جديدة قوامها أن يسخر الأدباء أقلامهم - ولو قليلاً - في خدمة المجتمع والدفاع عن قضاياه، فإن كتاب الأستاذ سيد قطب يعد مساهمة طيبة منه في هذه الحركة المباركة وتأييداً لهذا الاتجاه المحمود.