مجلة الرسالة/العدد 668/يوم عظيم لسورية العظيمة!

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 668/يوم عظيم لسورية العظيمة!

ملاحظات: بتاريخ: 22 - 04 - 1946


وأي يوم أعظم من يوم الجلاء: جلاء المحتل عن أراضي الوطن، وجلاء الذل عن نفوس الناس؟ ولكل أمة جعل الله من نوره هذا اليوم، يشرق في أمسها إشراق العيد، أو يمض في غدها وميض الأمل. وهو أجل من آجال الله إذا جاء لا يؤخر! إنما يسبقه ليل طويل بالألم، مظلم باليأس، مرعد بالهول، مطلول بالدم، هواديه خطوب وأعجازه ضحايا!

ولقد كان ليل سورية الباسلة من أطول هذه الليالي وأهولها! كابدت في أوائله مشانق جمال، وفي أنصافه مدافع غورو، وفي أواخره قواذف أليفا روجيه!

ثم خفقت أشباح الشهداء بيضا على حواشيه، ولمعت بروق الآمال تباعا بين غواشيه، فانصدع الظلام المكفهر، واستبان الطريق المبهم، واستطاع المجاهدون الجاهدون أن يسمعوا على مآذن (الأموي): حي على الفلاح، وأن يبصروا تباشير الفوز على غرة الصباح!

وفي الصباح المسفر حمدت سورية الحبيبة سراها الطويل المرهق، فضمدت جروحها الدامية، وكمدت جفونها القريحة، ثم ذهبت إلى (المزه) فركلت آخر جندي من جنود الاستعمار ورفعت فوق مطارها العلم، ورجعت إلى (الغوطة) فحملت ورودها الجنية إلى قبور الشهداء وعزفت أمامها النشيد. ثم خرجت في زينتها وبهجتها تستقبل وفود الدول العربية التي جاءت تشاركها السرور في يوم حريتها المشهود وعيد استقلالها المشترك. ثم أطلقت لنفسه المحتشمة عنان الفرح والمرح، فصدحت شوارعها بالأهازيج، وهتفت منازلها بالأغاني، ودوت مساجدها بالأدعية، وفاض النور والحبور على دمشق وأخواتها، فجلون عن أنفسهن في يوم واحد ما ركمته المحن والأحداث في قرون!

حياك الله يا سورية! لولا ليلك الطويل الحالك ما أسفر لك هذا النهار الضاحك! ولولا جهادك الصادق الصابر طيلة ربع قرن ما أتم عليك الله هذا النصر المؤزر! ولولا دماؤك المسفوحة على ثرى وطنك الغالي ما جنيت هذه الثمرة التي تتحلب لها الأفواه في أكثر الدول! ولكنك يا سورية خرجت من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر! خرجت من جهاد الطمع والعدوان في غيرك، إلى جهاد الهوى والأثرة في نفسك! والانتصار على العدو الخارجي سهل كالانتصار على الداء الظاهر، ولكن الانتصار على العدو الداخلي صعب كالانتصار على الداء المضمر. والمجاهدون في سبيل الوطن لا يبتغون عاجل الثواب؛ فإذ سول لهم الشيطان أن يبتغوه وكلهم الله لأنفسهم فيخسرون ما ربحوا، ويفسدون ما أصلحوا، ويسلبهم الله مجد الجهاد فلا ينالون سعادة هنا ولا شهادة هناك!

ما أزهى نفوسنا بجلاء المحتل عنك يا سورية! وما أبهج قلوبنا بكشف الضر عنك يا دمشق! فهل آن لأكدار النيل أن تصفو يا بردى، ولعار (التل الكبير) أن يغسل يا مبسلون؟!

ابن عبد الملك