مجلة الرسالة/العدد 667/في كتاب البخلاء (طبعة وزارة المعارف)

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 667/في كتاب البخلاء (طبعة وزارة المعارف)

مجلة الرسالة - العدد 667
في كتاب البخلاء (طبعة وزارة المعارف)
ملاحظات: بتاريخ: 15 - 04 - 1946



لأستاذ عظيم

- 2 -

في الجزء الأول

جاء في صفحة 112: (واستلفت منه على الإسواري مائة درهم فجاءني وهو حزين منكسر فقلت له: إنما يحزن من لا يجد بدا من أسلاف الصديق، مخافة أن لا يرجع إليه ماله، ولا يعد ذلك هبة منه، أو رجل يخاف الشكية، فهو إن لم يسلف كرما أسلف خوفا) قال الشارحان في قوله: ولا يعد الخ، الواو للحال والجملة حال من فاعل يرجع، أي غير حاسب أن ذلك المال الذي استلفه هبة بل كأنه حق له لا يرد.

وأقول إن هذا تعقيد في الإعراب وفي التفسير إذا أخذنا عبارة المتن كما هي، إذ يكون المتعين فيها اعتبار جملة (ولا يعد ذلك) حالا من فاعل (يجد) أو من فاعل (أسلاف) الذي هو نفسه فاعل يجد، وإذن فالمعنى أن الذي يحزن إنما هو الرجل الذي يضطر إلى أن يعطي الصديق سلفة غير عاد إياها هبة. أما إذا أريد جعل جملة (ولا يعد الخ) حالا من فاعل (يرجع) كما يقول الشارحان فلابد من حذف حرف النفي (لا) قبل (يعد) ويكون المعنى: مخافة أن يمسك المستلف عن رجع السلفة عادا إياها هبة.

وفضلا عن هذه الصورة الثانية التي تقتضي حذف لا مع بقاء (يعد) مرفوعا ليستقيم تفسير الشارحين يجوز مع حذف لا أيضاً أن ينصب هذا الفعل بالعطف على يرجع.

وجاء في صفحة 114: (وكان يقول: اشتهى اللحم الذي قد تهرأ، واشتهى أيضاً الذي فيه بعضالصلابة. وقلت له مرة: ما أشبهك بالذي قال اشتهى لحم دجاجتين) وقال الشارحان في تفسير قوله (وقلت له مرة) أي لما قال اشتهى اللحم الخ. كان مقتضى الظاهر أن يقول: فقلت له الخ.

وأقول إنما يصح الاعتراض لو كان الجاحظ ذكر أن ذلك البخيل (قال) أو (قال مرة)؛ أما وقد ذكر أنه (كان يقول) فمعنى هذا أن قول البخيل تكرر مرارا، فالجاحظ أجابه على مرة منها.

وجاء في صفحة120: (ثم قال خالد هاأنذا مبتلى بالمضغ، ومحمول على تحريك اللحيين، ومضطر إلى مناسبة البهائم، ومحتمل ما في ذلك من السخف والعجز. ما أبالي! احتملته فيمن ليس لي منه بد، ولي عنه مذهب) وقال الشارحان: وقوله فيمن ليس لي منه بد الخ، أي في مؤاكلة من لا فرار من مؤاكلته كأولادي وأهل بيتي. وفي النسخ التي بين أيدينا: (فيمن لي منه بد، ولي عنه مذهب) وهو تحريف ظاهر لا يلائم السياق، ولاسيما أن بد لا يعرف استعمالها إلا مقرونة بالنفي.

وأقول أن هذه العبارة التي في النسخ الأخرى لا يمكن أن تكون صحيحة حتى على فرض أن كلمة بد يجوز استعمالها بغير نفي؛ ذلك لأن المعنى يكون مكرر في عبارتين تكريرا سخيفا لا يقبله الجاحظ ولا خالد القسري الذي يدعي الرواية عنه. والذي عندي أن الجاحظ يكون قد أراد أنه أحتمل ذلك المظهر السخيف في الأكل سواء مع أهل بيته الذين لا يستطيع التواري منهم ولا يخشى نقدهم إياه، أو مع أضيافه الغرباء الذين يستطيع التواري منهم فيأمن شر نقدهم. وعلى هذا تريد المستوفي لأوضاع الصورة المتعين في هذا المقام تكون جملة الجاحظ هي: (ما أبالي احتملته فيمن ليس لي منه بد، أو فيمن لي عنه مذهب) وذلك بهمزة الاستفهام وأم التي للتسوية. ويصح أن تكون الجملة تقريرية إثباتية منفصلة عن (ما أبالي) فتكون صحتها: (احتملته فيمن ليس لي منه بد، فيمن لي عنه مذهب) بإضافة كلمة فيمن في الفقرة الثانية، ليستقيم الوضع العربي.

وجاء في صفحة 132: (وقيل له أيضا: فكيف سخاؤه على الخبز خاصة؟ قال: والله لو ألقي إليه من الطعام بقدر ما إذا حبس نزف السحاب ما تجافه عن رغيف) وقال الشارحان في تفسير ذلك: لو ألقي الخ، هكذا في نسخة الشنقيطي. والطعام البر بضم الباء. أي لو أعطى من الطعام مقدارا لو جعل كومة واحدة فارتفعت حتى وصلت إلى السحاب، فمنعت ماءه من أن يصل إلى الأرض ما تجافى الخ.

وأقول: إن العبارة محرفة وإن التفسير تعسفي لوروده على أصل غير صحيح، والأصل كما أرى هو: (بقدر ما إذا يبس نزف السحاب)، أي لو أن الله رزقه من الأرغفة بمقدار لو يبس لنزف ماء السحاب وتشربه، لما نزل منه عن رغيف. وهذا كناية عن البخل البالغ درجة لا يتصور وقوعها العقل. ويلاحظ أن قوله ما تجافى عن رغيف يفيد أن الطعام هنا ليس هو البر بل هذا الخبز ورغفانه.

وجاء في الصفحة157: (وأنتم أيضاً إنما اكتريتم مستغلات غيرنا بأكثر مما اكتريتموها، فسيروا فينا كسيرتكم فيهم، وأعطونا من أنفسكم مثلما تريدونه منا)، وقال الشرحان: إذا رجعنا إلى نسخة ليدن وجدنا هناك اضطراباً في الضمائر لا يفهم منه معنا. لذلك وضعنا (غيرنا) بدل (غيركم) و (منا) بدل (منه) و (منا) بدل (منهم)، وهذا ما نصه الوضع الأصلي.

والذي أراه أن العلة في هذا الغموض هو تصحيف وقع في كلمة (أكريتم) فسارت (اكتريتم). فإذا أصلحنا هذه الكلمة وحدها استقامت العبارة بدون احتياج لكل التغيرات التي لجأ إليها الشارحان؛ إذ يكون المعنى: إنكم أيها المستأجرون قد أكريتم أي أجرتم من باطنكم مستغلات مملوكة لغيركم بأجرة تزيد على الأجرة التي استأجرتم بها من أصحاب الملك، وأنتم لا تجدون على أنفسكم حرجا من اقتضاء هذه الأجرة الزائدة من المستأجرين من باطنكم، فسيروا فينا كسيرتكم في هؤلاء المستأجرين من باطنكم وأعطونا من أنفسكم مثل ما تريدونه منها.

كل ما قد يتعرض به على هذا التفسير أن أولئك المستأجرين من الباطن لم يذكروا في العبارة حتى يعود عليهم الضمير في كلمتي فيهم ومنهم - ولكن وجودهم مفهوم حتما من سياق العبارة. وكأن الوضع إشارة إلى هذا باستعمال كلمة غير على لفضها المفرد وإعادة الضمير عليها في (منه) بصيغة المفرد، ولو كان الضميران في فيهم ومنه عائدين على (غير) لراعى النسق وجعلهما هاء فقط.

وجاء في صفحة 161: (وليس كل خرق يرقع، ولا كل خارج يرجع) والأشكال (يرجع).

وجاء في صفحة168: (فإن للنفس عند كل طارف نزوة، وعند كل هاجم نزوة). وقال الشارحان: لعلها نزرة، مصدر للوحدة من نزره إذا استعجله وألح عليه، لأننا نستبعد على الجاحظ مثل هذا التكرار.

وأرى أن صواب الكلمة (بزوه) من بزا عليه يبزوا بزوا تطاول. وبزاه وأبزه وابزى به: قهره وقوى عليه.

وجاء في صفحة 171: (وأنت لم تنفق الحرائب، وتبذل المصون، إلا وأنت راغب في الذكر والشكر، وإلا لتخزن الأجر. . .) وقال الشارحان: وأنت لم تنفق الخ، في النسخة (لو لم) ونعتقد أن لو مقحمة من النساخ كما هو ظاهر. وأنا أعتقد أن كلمة (لو) ضرورية. ويلوح لي أن السبب في قول الشارحين إنها مقحمة من النساخ هو أنهما قرآ هذه الجملة مفصولة من جواب الشرط، وهو قول الجاحظ في أول الصفحة التالية: (فقد سرنا لقلة عدد خبزك الخ).

وجاء في صفحة 174: (فاحسب أن البخل عليهم غالب، وأن الضعف لهم شامل، وأن سوء الظن يسرع إليهم خاصة، ثم لا تداوي هذا الأمر بما لا مؤنه فيه؟)

وقال الشارحان: فاحسب أن الخ: أي هب البخل غالباً عليه الخ، وقوله: (البخل) أي فكرة الحكم عليك بالبخل ويجوز أن تكون كلمة البخل محرفة عن الخجل.

وعندي أن كلمة البخل محرفة عن (التجني) المذكورة في السطر السابع من صفحة 173، وبها يستقيم المعنى لا بهذا التخليط، وأرى أن كلمة (ثم) في الجملة محرفة عن (فلم؟).

وجاء في الصفحة 177: (قلت هذا ما لاشك فيه، وقد علمت عندي بالصواب، وأخذت لنفسك بالثقة، إن وفيت بهذا القول) وأنا أظن أن (علمت) محرفة عن (عملت) وهي وما بعدها جواب الشرط الأتي في قوله: إن وفيت بهذا القول؛ لأنه لا محل لقوله علمت بعد قوله هذا ما لا شك فيه. وما أتى به في الشرح سهو ظاهر

(له بقية)