مجلة الرسالة/العدد 66/أرملة حكومة. . .

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 66/أرملة حكومة. . .

ملاحظات: بتاريخ: 08 - 10 - 1934


للأستاذ مصطفى صادق الرافعي

(أرملة الحكومة) فيما تواضعنا علينا بيننا وبين قرائنا هو الرجل العَزَب، يكون مُطِيقاً للزواج قادراً عليه ولا يتزوج؛ بل يركب رأسه في الحياة، ويذهب يُمَوِّهُ على نفسه كذبا وتدليساً، وينتحل لها المعاذيرَ الواهية، ويَمْتَلِق العللَ الباطلة، يحاول أن يُلْحق نفسه بمرتبة الرجل المتزوج من حيث يَحُطُّ الرجلَ المتزوجَ إلى مرتبته هو؛ ويضيف شؤَمه على النساء إلى هؤلاء النساء المسكينات، يزيدهن على نفسه شرَّ نفسه؛ ويرميهنّ بالسوء وهو السوءُ عليهن، ويَتَنَقَّصهُنّ ومنه جاء النقص، ويَعِيبهُنّ وهو أكبر العيب؛ لا يتذكر إلا الذي له، ولا يتناسى إلا الذي عليه، كأنما انقلبت أوضاع الدنيا، وتبدلت رسومُ الحياة، فزالت الرجولة بتبعاتها عن الرجل إلى المرأة، وانفصلت الأنوثة بحقوقها، فوجب أن تَحمل تلك ما كان يحمل هذا، فتُقْدِمَ ويَقَرَّ وادعاً، وتتعتب ويستريح، وتعاني الهمومَ السامية في الحياة الاجتماعية، ويعانَى المخنَّثُ ابتساماِته ودموَعه، متّكئا ًفي مجلسه النّسيميّ تحتَ جناح المِرْوحة. . . فأما المرأة فتشرِف على هَلَكَتِها، وتخاِطرُ بحاضرها ومستقبلها، وأما هو فيبقى من ثيابه في مثل الخِدْر الَمصُوِن. . .!

(أرملة الحكومة) هو ذلك الشاب الزائف المُبهْرَج، يُحْسبُ في الرجال كذبا وزوراً، إذ لا تكمل الرجولةُ بتكوينها حتى تكمل بمعاني تكوينها، وأخصّ هذه المعاني إنشاءُ الأسرة والقيامُ عليها، أيْ مغامرةُ الرجال في زمنه الاجتماعيّ ووجودِه القوميّ، فلا يعيش غريباً وهو معدود فيه؛ ولا طُفَيْليّا فيه وهو كالمنفيَّ منه، ولا يكونَ مَظْهراً لقوة الجنس القوي هاربةً هروب الجبن من حَمْل ضَعف الجنس الآخر المحتمي بها، ولا لمروءة العشير مُتَبرِّئةً تَبَرُّؤَ النذالة من مؤازرة العشير الآخر المحتاج إليها؛ ولا يرضى لنفسه أن يكون هو والذل يعملان في نساء أمته عملاً واحداً، وأن يصبح هو والكساد لا يأتي منهما إلا اثُرٌ متشابه، وأن يبيت هو والفناء في ظلمةٍ واحدة كظلمات القبر، تنتقل الأجداثَ إلى الدور، فتجعل البيت الذي كان يقتضيه الوطنُ أن يكون فيه أبٌ وأمٌ وأطفال - بيتاً خاوياً كأنما ثكل الأم والأطفال، وبقيت فيه البقية من هذا الرجلِ العَزَبِ الميت أكثرُ تاريخه. . .!

لقد رأيت بعينيّ أداةَ العزب وأثاثه المبعثر في بيته، كأنما يقصّ عليه كلُّ ذلك قصةّ شؤمه ووحدته، وكأنما يقول له الفَرْش والنَّجْدُ والطراز: (بعني يا رجل وردَّني إلى السوق؛ فأني هنالك أطمع أن يكون مصيري إلى أب وأم وأولاد، أجدُ بهم فرحةَ وجودي، وأصيب من معاشرتهم بعض ثوابي، وأبلى تحت أيديهم وأرجلهم فأكون قد عملت عملاً إنسانياً. أما عندك فأنت خشبة مع الخشب، وأنتِ خِرقة بين الخِرق. واسمع الكرسّي إنه يقول: أفّ. وأصغِ إلى فراشك انه يقول: تفّ. . .)

شهد العزبُ وربِّ الكعبة على نفسه أنه مُبْتَلىً بالعافية، مستعبدٌ بالحرية، مجنون بالعقل، مغلوب بالقوة، شقي بالسعادة. وشهدتْ الحياة عليه ورب البيت أنه في الرجولة قاطع طريق يقطع تاريخها ولا يؤِّمنُه، ويسرق لذاتها، ولا يكسبها، ويخرج على شَرْعِها ولا يدخل فيه، ويعصي واجباتها ولا ينقاد لها. وشهد الوطن - والله - عليه أنه مخلوق فارغ كالواغل على الدنيا؛ إن كان نعمةً بصلاحه، انتهتْ النعمةُ في نفسها لا تمتد؛ وأن كان بفساده مصيبةً امتدتْ في غيرها لا تنقطع. وأنه شحّاذ الحياة أحسن به الأجداد نسلاً باقياً، ولا يُحْسن هو بنسل يبقى، وأنه في بلاده كالأجنبي، مهبطة على منفعةٍ وعيشٍ لا غيرِهما، ثم يموت وجوُد الأجنبي بالنَّقْلةِ إلى وطنه، ويموت وجودُ العزب بالانتقال إلى ربه، فيستويان جميعاً في انقطاع الأثر الوطنيّ، ويتفقان جميعاً في انتهاب الحياة الوطنية، وأن كليهما خرج من الوطن أبْتر لا عَقِب له، ويذهبان معاً في لحج النسيان: أحدهما على باخرة، والآخر على النعش!

جاءني بالأمس (أرملة حكومة) وهو مهندس موظف. ومعنى الهندسة الدقة البالغة في الرقْم والخط والنقطة وما احتمل التدقيق؛ ثم الحذُر البالغ أن يختلّ شيء أو ينحرف، أو يتقاصر أو يطول، أو يزيد أو ينقص، أو يدخله السهو، أو يقع فيه الخطأ؛ إذ كان الحاضر في العمل الهندسيّ وإنما هو للعاقبة، وكان الخيال للحقيقة؛ وكان اُلخرْق هنا لا يقبل الرُّقعة. ومتى فَصلت الأرقام الهندسية من الورق إلى البناء مات الجمع والطرق والضرب والقسمة، ورجع الحساب حينئذ وهو حساب عقل المهندس؛ فأما عقل دقيق منتظم، أو عقل مأفون مختلّ.

بَيّد أن المهندس - على ما ظهر لي - قد خَلَتْ حياته من الهندسة. . . وانتهى فيها من التحريف المضحك - حتى فيما لا يخطئ الصغار فيه - إلى مثل التحريف الذي قالوا إنه وقع في الآية الكريمة (إياك نعبد وإياك نستعين). فقد رَوَوا أن إمام قرية من القرى في الزمن القديم كان يخطب أهل قريته ويصلي بهم في مسجدها، فنزل به ضيف من العلماء فقال له الخطيب: إن لي مسائل في الدين لم يتوجّه لي وجهُ الحق فيها، ولا أزال متحّير الرأي، وكنت من زمن أتمنى أن ألقى بها الأئمة فأريد أن أسألك عنها. قال العالم: سَلْ ما أحببت.

قال الخطيب: أشْكَلَ عليَّ في القرآن بعضُ مواضع، منها في سورة الحمد (إياك نعبد وإياك). . . أيّ شيء بعده. (تسعين، أو سبعين). . .؟ أشكَلَتْ عليَّ هذه فأنا أقرأها: تسعين. أخذاً بالاحتياط. . .!

كذلك مهندسنا فيما أشكل عليه من حسابه للحياة، فهو عَزَب أخذاً بالاحتياط. قال وهو يحاورني: -

كيف تُكَلّفني الزواج وتُكرِهني عليه، وتَعنِّفني على العزوبة وتعيبني بها؛ وإنما أنت كالذي يقول: دع الممكن وخذ المستحيل. إن استحالة الزواج هي جعلتْني عَزَباً، والعزوبة هي جعلتني فاسداً، وفي هذا الجو الفاسد من حياة الشباب إما أن تكسد الفتاة، وإما أن تتصل بها العَدْوَى. والعزب لا يأبى أن يقال فيه إنه للنساء طاعون أحمر أو هواء أصفر، فهو والله مع ذلك موت أسود وبلاء أزرق.

قلت: لقد هوَّلت عليّ؛ فما مستحيُلك ياهذا، ولِمَ استحال عليك ما أمكن غيرَك، وكيف بلغت مصر خمسة عشر مليوناً؟ أمِنْ غير آباء خُلِقوا، أم زُرِعوا زرعاً في أرض الحكومة؟ أسمع - ويحك - ألا يكون الرجال قد أقبلوا وتراجَعْت، وتجلدوا وتوَّجعْت، أو أقْدَموا وخنسْت، واسترجلوا وتأنَّثْت؟

قال: ليس شيء من هذا.

قلت: فان المسألة هي كيف ترى الفكرة، لا الفكرةُ نفسها، فما حملك على العزوبة وأنت موظف وظيفتك كذا وكذا ديناراً، وأنت مهندس يصدق عليك ما قالوه في الرجل المجدود: لو عَمِد إلى حَجرٍ لانفلق له عن رزق.

قال: أليس مستحيلاً ثُمّ مستحيلاً أن يجمع مثِلي يده على مائة جنيه يدفعها مهراً؛ وما طرقت - علم الله - بابا إلا استقبلوني بما معناه: هل أنت معجزة مالية، هل أنت مائة جنيه؟ قلت: فان عملك في الحكومة يُغِلّ عليك في السنة مائة وثمانين ديناراً فِلمَ لا تعيش سنة واحدة بثمانين فتقع المعجزة؟

قال: (بكل أسف) لا يستطيع الرجل العزب أن يدخر أبداً؛ فهو في كل شيء مبدَّد ضائع متفرق.

قلت: فهذه شهادتك على نفسك بالسفه والخرق والتبذير؛ تنفق ما يكفي عدداً وتضيق بواحدة، وماذا يرتئي مثلك في الحياة؟ أعند نفسه وفي يقينه أن يتأبّد فيبقى عزباً فهو ينفق ما جمع في شهوات حياته، ويتوّسع فيها ضروباً وألواناً، ليكون وهو فرد كأنه وهو في إنفاقه جماعة، كل منهم في موضع رذيلة أو مكان لهو؛ وكأن منه رجالاً هو كاسبهم وعائلهم، ينفق على هذا في القهوة، وعلى هذا في الحانة، وعلى ذلك في الملاهي، وعلى الرابع في المواخير، وعلى الخامس في المستشفى. . .؟ إن كان هذا هو أصل الرأي عند العزب، فالعزب سفيه مجرم، وهو إنسان خرب من كل جهة إنسانية، وهو في الحقيقة ليس المتّسِعَ لنفقات خمسة، بل كأنه قاتل خمس من أبناء وطنه؛ إذ كان بهذا مطيقاً أن يكون أبا ينفق على أبنائه، لا سفيهاً ينفق على شياطينه.

فان كان قد بنى رأيه على أن يتعزّب مدة ثم يتأهل، فهذا أحرى أن يعينه على حسن التدبير، وهو مَضْراةٌ له على شهوة الجمع والادخار؛ إذ يكون عند نفسه كأنما يكدح لعياله وهو في سعة منهم بعدُ، وهم لا يزالون في صُلبه على الحال التي لا يسألونه فيها شيئاً إلا أخلاقاً طيبة وهمماً وعزائم يرثونها من دمه فتجيء معهم إلى الدنيا متى جاءوا.

إنما العزب أحد رجلين: رجلٍ قد خرج على وطنه وقومه وفضائلِ الإنسانية، قاعدته: جُرَّ الحبل ما انجرَّ لك. وهذا داعر فاسق، مبذر متلافٌ إن كان من المياسير؛ أو مُرِيب دنيء حقير النفس إن كان من غيرهم - ورجلٍ غير ذلك، فهو وثاق الضرورة إلى أن تُطْلِقَه الأسباب، ومن ثم فهو يعمل أبداً للأسباب التي تُطْلقه، ويعرف أنه وإن لم يكن آهلاً فلا تزال ذمته في حق زوجة سيعولها، وفي حقوق أطفال يأبوهم، وواجبات وطن يخدمه بإنشاء هذه الناحية الصغيرة من وجوده، والقيام على سياستها، والنهوض بأعبائها. فانظر ويحك أيّ الرجلين أنت؟

قال: فتريدني أن أقامر بتعب سنة وأنا بعد ذلك وما يُقْدِرُ لي، وقد أشتري بتعب سنة من العمر تعب العمر كلّهِ؟

قلت: فهذه هي خسّة الفرديّة ودناءتُها الوحشية في جنايتها على أهلها، وسوءِ أثرها في طباعهم وعزائمهم؛ فهي فرديّة تضرب فيهم العاطفةَ الاجتماعية ضرْب التلف، وتبتليهم بالخوف من التبعات حتى ليتوهم أحدهم أنه إن تزوج لم يدخل على امرأة، ولكن على معركة. وهي تصيبهم بالقسوة والغلظة؛ فما دام الواحد منهم واحداً لنفسه، فهو في تصريف حكم الأثرة، وفي قانون الفتنة بأهواء النفس ومنافعها؛ كأنما يعامله الناس رجلاً كلُّه مَعِدَة، أو هو فيهم قوة هضم ليس غير.

قال: ولكن الزواج عندنا حظّ مخبوء (لوتريّة) والنساء كأوراق السحب، منهن ورقة هي التوفيق والغنى بين آلاف هن الفقر والخيبة المحقّقة.

قلت: هل اعتدت أن تتكلم وأنت نائم؟ فلعلك الآن في نومة عقل، أولا فأنت الآن في غفلة عقل.

إن هذا المسكين الذي يمسح الأحذية ويشتري من تلك الأوراق لا يخلو منها - يعلم علماً أكثر من اليقين أن عيشه هو من مسح الأحذية لا من الأخيلة التي في هذه الأوراق؛ فهو لا يعتدّ بها في كبير أمرِ ولا صغيرِه، وما يُنزِلها في حساب رغيفه وثوبه إلا يوم يُخالطُ في عقله فيتنزّه أن يمسح أحذية الناس، ويرى أن عظيماً مثله لا يمسح إلا أحذية الملائكة. . .

أنت يا هذا مهندس، ولك بعض الشأن وبعض المنزلة، فَهَبْك ارتأيت أنه لا يحسن بك أو لا يَحْسُنُ لك إلا أن تتزوج بنت ملك من الملوك، فهذه وحدها هي عندك (النمرة الرابحة) وسائر النساء فقر وخيبة ما دام الأمر رأيك وهواك؛ غير أنك إذا عَرضْت لتلك (النمرة الرابحة) لم تعرفك هي إلا صعلوكاً في الصعاليك وأحمق بين الحمقى.

إن تلك الأوراق تُصْنع صنعتَها على أن تكون جملتُها خاسرة إلا عدداً قليلا منها؛ فإذا تعاطيتَ شراءها فأنت على هذا الأصل تأخذها، وبهذا الشرط تبذل فيها؛ وما تمتري أنت ولا غيرك أن القاعدة هاهنا هي الخيبة، وشذوذها هو الربح؛ وليس في الاحتمال غير ذلك؛ ومن ثمّ فقد بريء إليك الحظُّ إن لم يصبك شيءٌ منه، وأين هذا وأين النساء، وما منهن واحد إلا وفيها منفعة تكثر أو تقل، بل الرجال للنساء هم أوراق السحب في اعتبارات كثيرة، مادامت طبيعة اتصالهما تجعل المرأة هي في قوانين الرجل أكثر مما تجعل الرجلَ في قوانينها. وهل ضاعت امرأة إلا من غفلة رجل أو قسوته أو فسولته أو فجوره؟

قال المهندس: فإني أعلم الآن - وكنت أعلم - أن لا صلاح لي إلا بالزواج، وان طريقي إلى الزوجة هو كذلك طريقي إلى فضيلتي والى عقلي. وتالله ما شيءٌ أسوأ عند العزب ولا أكره إليه من بقائه عزباً غير أنه يكابر في المماراة كلما تحاقرت إليه نفسه، وكلما رأي أن له حالاً ينفرد بها في سخط الله وسخط الإنسانية. ولا مَكْذِبة، فقد والله أنفقتُ في رذائلي ما يجتمع منه مهر زوجةَ سريّة تشتطّ في المهر وتغلو في الطلب؛ ولكن كيف بي الآن وما جبَرني من قبلُ إصلاحٌ، ولا أعانني اقتصاد، ومن لي بفتاة من طبقتي بمهر لا أتحمل منه رهَقاً، ولا تتقاصر معه أموري، ولا تختل معيشتي؟

قلت: فإذا لم يحملك الحمار من القاهرة إلى الاسكندرية؛ فانه يحملك إلى قليوب أو طوخ. وفي النساء إسكندرية، وفيهن شبرا، وقليوب، وطوخ، وما قرب وبَعد؛ وما رخص وغلا.

قال: ولكن بلدي إسكندرية. . .

قلت: ولكنك لا تملك إلا حماراً. . . وللمرأة من كل طبقة سِعْرها في هذا الاجتماع الفاسد؛ ولو تعاون الناس وصلحوا وأدركوا الحقيقة كما هي، لَمَا رأينا الزواج من فقر المهور كأنما يركب سلحفاة يمشي بها. . . ونحن في عصر القطار والطيارة، وقد كان هذا الزواج على عهد أجدادنا في عصر الحمار والجمل - كأنه وحدة من السرعة في طيارة أو قطار.

حين يفسد الناس لا يكون الاعتبار فيهم إلا بالمال؛ إذ تنزل قيمتهم الإنسانية ويبقى المال وحده هو الصالح الذي لا تتغير قيمته. فإذا صلحوا كان الاعتبار فيهم بأخلاقهم ونفوسهم؛ إذ تنحطَّ قيمة المال في الاعتبار، فلا يغلب على الأخلاق ولا يسخرها. والى هذا أشار النبي () في قوله لطالب الزواج: (التمس ولو خاتماً من حديد.) يريد بذلك نَفى المادَّية عن الزواج، وإحياء الروحية فيه، وإقرارَه في معانيه الاجتماعية الدقيقة. وكأنما يقول: إن كفاية الرجل في أشياء أن يكن منها المال فهو أقلها وآخرها، حتى إن الأخسّ الأقلّ فيه ليُجْزئ منه كخاتم الحديد؛ إذ الرجل هو الرجولة بعظمتها وجلالها وقوّتها وطباعها، ولن يُجْزِئ منه الأقلُّ ولا الأخسّ مع المال، وإن ملء الأرض ذهباً لا يُكَمّل للمرأةِ رجلاً ناقصاً؛ وهل تُتِمُّ الأسنان الذهبيةُ اللامعة يحملها الرجل الهرم في فمه شيئاً مما ذهب منه؟ وما عسى أن تصنعِ قُواطعُ الذهب الخالص وطواحُنه لهذا المسكين بعد أن نطق تحَاتُّ أسنانه العظميَّة وتناثُرُها أنه رجل حلَّ البَلى في عظامه. . .؟

طنطا

مصطفى صادق الرافعي