مجلة الرسالة/العدد 654/في إرشاد الأريب إلى معرفة الأديب

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 654/في إرشاد الأريب إلى معرفة الأديب

ملاحظات: بتاريخ: 14 - 01 - 1946



للأستاذ محمد إسعاف النشاشيبي

- 22 -

ج 5 ص 245:

فمهلا فلي في الأرض عن منزل العلا ... مسار إذا أخرجتني ومسارب

وإن كنت ترجو طاعتي بإهانتي ... وقسري فإن الرأي عنك لعازب

قلت: إذا أحرجتني:

ج 10ص208: ومن جيد شعره (شعر أبي زبيد الطائي):

إن نيل الحياة غير سعود ... وضلال تأميل نيل الخلود

علل المرء بالأماني ويضحي ... غرضاً للمنون نصباً لعود

كل يوم ترميه منها برشق ... فمصيب أوصال غير بعيد

كل ميت قد اغتفرت فلا واجع ... من والد ومن مولود

قلت: (علل المرء بالرجاء ويضحي ... غرضاً للمنون نصب العود)

(فمصيب أوصاف غير بعيد) في اللسان: صاف السهم عن الهدف يصيف صيفاً: عدل بمعنى ضاف.

(فلا أجزع من والد ولا مولود).

في (الشعر والشعراء) لابن قتيبة: وعلى هذه القصيدة احتذى ابن مناذر في مرثية عبد المجيد بن عبد الوهاب الثقفي.

في (الكامل): ومن حلو المراثي وحسن التأبين شعر ابن مناذر فانه كان رجلا عالماً مقدماً شاعراً مفلقاً وخطيباً مصقعاً وفي دهر قريب، فله في شعره شدة كلام العرب بروايته وأدبه، وحلاوة كلام المحدثين بعصره ومشاهدته. ولا يزال قد رمى في شعره بالمثل السائر والمعنى اللطيف واللفظ الفخم الجليل والقول المتسق النبيل. وقصيدته لها امتداد وطول، وإنما نملي منها ما اخترنا. قال يرثي عبد المجيد بن عبد الوهاب الثقفي، واعتبط عبد المجيد لعشرين سنة من غير ما علة وكان من أجمل الفتيان وأدبهم وأظرفهم.

وروى أبو العباس من القصيدة تسعة وثلاثين بيتاً. منها: حين تمت آدابه وتردى ... برداء من الشباب جديد

وسقاه ماء الشبيبة فاهتز ... اهتزاز الغصن الندي الأملود

وسمت نحوه العيون وما كان ... عليه لزائد من مزيد

ما درى نعشه ولا حاملوه ... ما على النعش من عفاف وجود!

في (الأغاني): لما قال أبن مناذر:

ولئن كنت لم أمت من جوى الحزن ... عليه لأبلغن مجهودي

لأقيمن مأتماً كنجوم الليل ... زهراً يلطمن حر الخدود

موجعات يبكين للكبد الحري ... عليه وللفؤاد العميد!

قالت أم عبد المجيد: والله لأبرن قسمه، فأقامت مع أخوات عبد المجيد وجواريه مأتماً عليه، وقامت تصيح عليه: (واي ويه! واي ويه!) فيقال: إنها أول من فعل ذلك وقاله في الإسلام.

ج15ص185:

فاسلم على الدهر شديد القوى ... ذا مرة ما شد كف بنان

قلت: (ما شد كفاً بنان) في التاج: قال شيخنا هي (الكف) مؤنثة وتذكيرها غلط غير معروف وإن جوزه بعض تأويلا، وقال بعض: هي لغة قليلة. فالصواب أنه لا يعرف، وما ورد حملوه على التأويل، ولم يتعرض المصنف (صاحب القاموس) لذلك قصوراً أو بناء على شهرته أو على أن الأعضاء المزدوجة كلها مؤنثة. وفي اللسان: الكف: اليد أنثى، وفي التهذيب: والعرب تقول: هذه كف واحدة. وفيه: البنان الأصابع وقيل: أطرافها واحدتها بنانة. وفي الصحاح: ويقال: بنان مخضب لأن كل جمع ليس بينه وبين واحده إلا الهاء فإنه يوحد ويذكر.

ج10ص86: قال (أبو القاسم الحسين بن علي المعروف بالوزير المغربي):

لي كلما أبتسم النهار تعلة ... بمحدّث ما شاء قلبي شأنه

فإذا الدجى وافى وأقبل جنحه ... فهناك يدري الهم أين مكانه

وجاء في شرح (ما شاء قلبي شأنه): يريد أن حاله لا تتخطى ما أشاء.

قلت: (بمحدث ما شأن قلبي شأنه) بتخفيف شأنه ضرورة.

الوزير المغربي هذا هو الذي بعث إليه أبو العلاء برسالة (المنيح) وأولها (إن كان للآداب أطال الله بقاء سيدنا نسيم يتضوع، وللذكاء نار تشرق وتلمع، فقد فغمنا على بعد الدار أرج أدبه، ومحا الليل عنا ذكاؤه بتلهبه) وبرسالة (الاغريض) (لما أنفذ إليه مختصر إصلاح المنطق الذي ألفه وفيها وصف المختصر) وأولها: (بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكِ أيتها الحكمة المغربية والألفاظ العربية، أي هواء رقاكِ، وأي غيث سقاكِ).

قال العلامة الدكتور عبد الوهاب عزام في مبحثه (لزوم ما لا يلزم متى نظم وكيف نظم ورتب):

(كان أبو القاسم المغربي الوزير ممن أقام بالمعرة، وكان يواد المعري ويراسله، وكان المعري يحفظ له ولأبيه من قبل أياديه، فلما توفى رثاه بأبيات مثبتة في اللزوميات، ولا أعرف رثاء لغيره أو مدحاً صريحاً) وروى العميد اللزومية وهي سبعة أبيات ثم قال: (وهذا الوزير توفى سنة 418. فهذه القطعة نظمت في هذه السنة).

قلت: ورد في ختامها هذا البيت:

إن يخط الذنب اليسير حفيظاك ... فكم من فضيلة محا يه

وإني أرى أن البيت يشير إلى شيء لم يذكر في (إرشاد الأريب) ولا في (وفيات الأعيان) ولم يشر إليه. وفي شرح النهج لأبن أبي الحديد حديث عن الوزير المغربي فيه ما ليس في ذينك الكتابين، ومنه تعرف تلك الإشارة. وأن يذكر (الشيخ) ذنب الرجل - وإن صغره وقال بعده ما قال - براعة منه وإنصاف بأعلامه أن هناك مأثماً. وقل: (إنه كان حوبا كبيرا).

قال ابن أبي الحديد: حدثني أبو جعفر يحي بن محمد بن زيد العلوي نقيب البصرة قال: لما قدم أبو القاسم علي بن الحسين المغربي من مصر إلى بغداد استكتبه شرف الدولة أبو علي بن بوية وهو يومئذ سلطان الحضرة وأمير الأمراء بها والقادر خليفة. ففسدت الحال بينه وبين القادر، واتفق لأبي القاسم المغربي أعداء سود أوحشوا القادر منه، وأوهموه أنه مع شرف الدولة في القبض عليه وخلعه من الخلافة، فأطلق لسانه في ذكره بالقبيح، وأوصل القول فيه والشكوى منه، ونسبه إلى الرفض وسب السلف وإلى كفران النعمة وأنه هرب من يد الحاكم صاحب مصر بعد إحسانه إليه. قال النقيب أبو جعفر (رحمه الله تعالى) فأما الرفض فنعم، وأما إحسان الحاكم إليه فلا، كان الحاكم قتل أباه وعمه وأخاً من إخوته، وأفلت منه أبو القاسم بجريمة الذقن، ولو ظفر به لألحقه بهم. وكان أبو القاسم المغربي ينسب في الأزد ويتعصب لقحطان على عدنان وللأنصار على قريش، وكان غالياً في ذلك مع تشيعه. وكان أديباً فاضلاً شاعراً مترسلا وكثير الفنون عالماً. وانحدر مع شرف الدولة إلى واسط فاتفق أن حصل بيد القادر كتاب بخطه شبه مجموع. . . أتحفه به من كان يشنأ أبا القاسم ويريد كيده، فوجد القادر في ذلك المجموع قصيدة من شعره فيها تعصب شديد للأنصار على المهاجرين حتى خرج إلى نوع من الإلحاد والزندقة لإفراط غلوه، وفيها تصريح بالرفض مع ذلك، فوجدها القادر تمرة الغراب، وأبرزها إلى ديوان الخلافة فقرئ المجموع والقصيدة بمحضر من أعيان الناس من الأشراف والقضاة والمعدلين والفقهاء، ويشهد أكثرهم أنه خطه وأنهم يعرفونه كما يعرفون وجهه، وأمر بمكاتبة شرف الدولة بذلك، فإلى أن وصل الكتاب إلى شرف الدولة بما جرى اتصل الخبر بأبي القاسم فهرب ليلا. . . وكنت برهة أسأل النقيب أبا جعفر عن القصيدة وهو يدافعني بها حتى أملاها علي بعد حين، وقد أوردت هنا بعضها لأني لم أستجز ولم أستحل إيرادها على وجهها.

وروى أبن أبي الحديد من القصيدة سبعة وعشرين بيتاً. ثم قال: فهذه الأبيات هي نظيف القصيدة التقطناها وحذفنا الفاحش، وفي الملتقط المذكور أيضاً ما لا يجوز. . .

قلت: أجتزئ برواية هذا البيت من النظيف الملتقط. . .:

والفضل ليس بنافع أربابه ... إلا بمسعدة من الأقدار

ج16ص303:. . . فإن من سلك الجدد أمن العثار، وسلم من سالِم النقع المثار.

وجاء في الشرح: المثار: المهاج المتطاير في الهواء.

قلت: وسلم من سالم النقع المثار. وقد فسر المثار بالمهاج. والذي جاء في اللغة في هذا المعنى هو ما ذكره الأساس: (هاج الغبار، وهاجه وهيجه) فهو مهيج ومهيّج، وهاج يتعدى ولا يتعدى. و (أهاجه أيبسه) كما في القاموس، وفي اللسان: (أهاجت الريح النبت أيبسته) ومثل ذلك في التاج. وفي (الضياء) للشيخ اليازجي: (ويقولون: أهاجه الغضب، والصواب في ذلك التجريد).

ج10ص90: وكان سبب تقدمه ونواله الأمارة.

وجاء في الشرح: النوال العطاء واستعمله هنا بمعنى النيل.

قلت: يقول العلامة الشيخ إبراهيم اليازجي في مجلته الضياء (س1ص385): ويقولون: هو يسعى لنوال بغيته، وإنما النوال بمعنى العطاء أي الشيء الذي يعطى وليس بمصدر لنال، والصواب لنيل بغيته.

ويقول العلامة الأمير شكيب أرسلان في كتابه (شوقي أو صداقة أربعين سنة) ص56:. . . وكان - يعني الشيخ اليازجي - يمنع أن يقال (نوال) بمعنى (نيل) ولا يرضى لها تخريجاً. ولو قرأ - وأظنه من شعر الحماسة:

أرى الناس يرجون الربيع وإنما ... ربيعي الذي أرجو نوال وصالك

لعلم أنه لم يكن على صواب فيما ذهب إليه.

قلت: البيت في مقطوعة بديعة مما اختار حبيب، وبعده:

أرى الناس يخشون السنين وإنما ... سنيّ التي أخشى صر وف احتمالك

لئن ساء ني أن نلتني بمساءة ... لقد سرني أني خطرت ببالك

ليهنك إمساكي بكفي على الحشا ... ورقراق عيني رهبة من زيالك

ج16ص202: (من قصيدة في وصف هرة):

ثم قلدتها لخوفي عليها ... ودعات ترد شر العُيون

وإذا ما وترتها كشفت لي ... عن جراب ليست متاع العيون

وجاء في الشرح يريد بالجراب ما تخرج منه براثينها حين المغاضبة.

قلت: (العيون) الأولى بفتح العين. في اللسان: رجل معيان وعيون شديد الاصابة بالعين والجمع عين (بضمتين) وعين (بكسر العين) وما أعنيه! وذكر الأساس الكلمتين وأضاف إليهما العيّان. و (الجراب) هو (الحراب) بالحاء

ج15ص220:

وخُرْق رحيب الباع لو نيط طوله ... بعروة عمر لم تكد تتصرم

وجاء في الشرح: الخرق الصحراء وصفها بالسعة والطول حتى أنها لو نيطت بعمر فإن العمر يتصرم وهي لا تكاد تتصرم.

قلت: الخرق - بفتح الخاء - القفر والأرض الواسعة كما في القاموس.

(بعروة عمر لم يكد يتصرم) أي لو نيط طول هذا القفر بعروة عمر لم يكد هذا العمر يتصرم

ج4ص180:. . . ولا يعرف فتيلا من وثير، ولا يؤلف بين كلمتين في تعبير.

وجاء في الشرح: الفتيل: السحاة التي بشق النواة، يقال ما أغنى عنه فتيلا أي شيئاً تافهاً مثل الفتيل. الوثير: الوطىء اللين من الفراش.

قلت (ما يعرف قبيلا من دبير) ذكره الميداني في (مجمع الأمثال) وأورد اللسان له أكثر من عشرة تفاسير. . . منها: لا يعرف الأمر مقبلاً ولا مدبرا. . . وقيل: ما يعرف نسب أمه من نسب أبيه. . . وقيل: القبيل القطن والدبير الكتان. . . وقال المفضل: القبيل فوز القدح في القمار والدبير خيبة القدح. . .

ج19ص528: البحتري:

وكأن اللقاء أولُ من أمس ... ووشك الفراق أول أمس

قلت: (أول من أمس) و (أولَ أمس) و (أول أمس) في الصحاح: تقول ما رايته منذ أمس فأن لم تره يوماً قبل أمس قلت ما رأيته مذ أول من أمس فإن لم تره مذ يومين قبل مذ يومين قبل أمس قلت ما رأيته مذ أول من أول من أمس ولم تجاوز ذلك. في التاج أمس جمعه آمس وأُموس وآماس، قال:

مرت بنا من أول أموس ... تميس فينا مشية العروس

والنسبة إلى أمس إمسي على غير القياس وهو الأفصح.

نسيت أن أروي من قبل بيتاً للبحتري في أمثاله وحكمه يحتاج إلى التمثيل به كثيراً، والبيت هو هذا:

ليس الذي يعطيك تالد ماله ... مثل الذي يعطيك مال الناس