مجلة الرسالة/العدد 652/البريد الأدبي
مجلة الرسالة/العدد 652/البَريدُ الأدَبيَ
الانتحال:
جاء في بحث (حماد الراوية) في الرسالة (649) في ترجمة فصل عنوانه أن حماداً اشتهر بالانتحال، وإنما الذي اشتهر به حماد هو النَحْل، وهو أن ينْحَل الرجل شعره غيره وينسبه إليه، وأما الانتحال فهو أن يدعي لنفسه شعر غيره، وقد فشا هذا الخطأ واستفاض من يوم خرج كتاب (في الشعر الجاهلي) الذي تبدل أسمه بعد فصار (في الأدب الجاهلي)، ولم يكد يتبدل مسماه، كما فشت من يومئذ أخطاء أخرى. . .
علي الطنطاوي
الأمير خالد الجزائري:
من حق التاريخ علينا - وقد مضى على وفاة الأمير خالد الجزائري عشرة أعوام كعوامل - أن نذكره، فتاريخه تاريخ للحركة الوطنية في الجزائر: كان أصول الأمير شيوخ العلم في الجزائر، وكان جده السيد عبد القادر أميرها وبطلها المشهور، وقد جرى السليل على أعراق سلفه من الحمية الدينية والغيرة الوطنية والبطولة وثبات العزم وحب العلم والعلماء
حذق الفنون الحربية في أرقى كلياتها حتى أحرز أعلى شهاداتها ونال أرفع درجاتها، وتوفر على إتقان اللغة الفرنسية، حتى إنك لتخاله إذا خطب بها ميرابو خطيب الثورة الفرنسية، فأعانه ذلك في توجيه نهضة الجزائر الأدبية
قامت النهضة الجزائرية وتنبهت البلاد على حقوقها الطبيعية؛ ما كانت معالجة الأمور بهينة، ولا استخلاص الحقوق بيسير، ولا توجيه العواطف الملتهبة في الوجهة الصالحة ليمكن إلا للرجل العالم بمسالك تلك الشؤون، فاستطاع أن يعالج ذلك ويرسم الطريق فلم تكن إلا سنوات بين شد وجذب حتى بلغت الجزائر نهضتها.
كانت الجزائر في اضطرار إلى علمه وبصره وشجاعته وحسن تصريفه، حتى إذا ما كادت تصل إلى مبتغيها ومنتهى أملها، خشيت فرنسة مغبة ذلك عليها فنفوه. ولكن غيرته لم تفتر، فقام بما يجب عليه للإسلام والجزائر في غضون إقامته بمصر والشام
رحم الله الأمير خالداً، لقد كان حتى في - شيخوخته - تنبض الحيوية في حركاته، ويفيض الشباب في كلماته، ويتأجج العزم في نظراته
والميزة التي كان يتفرد بها - برد الله مضجعه - قوة إيمانه وشجاعته، ومن مفاخره في ذلك أنه لما نشر أحد الإفرنج من ذوي الدخلة الخبيثة مقالة مس بها شأن النبي محمد عليه صلوات الله وسلامه، هب الأسد قائلا له: المبارزة! المبارزة! بالسلاح الذي تريده! غضبة بطل طار خبرها في الآفاق، وروتها الصحف والجماعات، فارتاع النذل وانهتك حجاب قلبه من الفزع، فأعلن اعتذاره واستغفاره، والأمير بهذا العمل يقف وحده في طليعة الغير على الإسلام.
وهو إلى ذلك متواضع قائم بواجباته الدينية، محافظ على لباسه الإسلامي العربي. عوض الله الإسلام منه خير عوض، واجزل له المثوبة.
محمد عارف الحسيني
إلى الأستاذ محمد عبود:
عرضت - أيها الأستاذ الفاضل - في كلمة لك نشرت بالعدد 650 من (الرسالة) إلى الحديث الذي نقله الأمير الجليل شكيب أرسلان في كتابه الارتسامات اللطاف من كتاب (الطبقات الكبرى) لابن سعد عن الزبير، وهو (من كذب علي فليتبوأ مقعده من النار)، وإلى ما قاله وهب ابن جرير في حديثه عن الزبير (والله ما قال متعمداً)، وإن السيد رضا رحمه الله قد علق على هذه الرواية بأن الحديث متواتراً تواتراً صحيحاً بهذه الزيادة، وإن من رواها عن الزبير نفسه البخاري وغيره. وإن وهباً هذا قد تكلم فيه بعض رجال الجرح والتعديل، فقال فيه ابن حيان: إنه كان يخطئ، ثم طلبت مني - أيها الفاضل - أن أبين رأيي في هذا كله.
وإني بعد الذي كتبته رداً على الأستاذ أبي شهبة في هذا الموضوع مما قد ينفع بعضه في الإجابة عما تسألون، أذكر هنا كلمة صغيرة تكون تماماً على ما كتبنا.
إن رواية ابن سعد التي جاءت في الطبقات تتفق ورواية البخاري في نسخته المتداولة بين الناس في أن هذه الزيادة ليست فيهما. وإذا كان وهب بن جرير قد تكلم فيه بعض رجال الجرح والتعديل فانه قد ثبت في تاريخه أن أئمة كباراً قد أخذوا عنه، وأن ابن معين والعجلي والنسائي وغيرهم قد وثقوه. على أن ابن حبان نفسه قد تكلموا فيه!
والذي يستوفي البحث في كتب الصحاح والسنن يجد أن هذا الحديث قد جاء بروايات كثيرة مختلفة منها حديث عمر وهو (من كذب علي فهو في النار) وحديث علي (لا تكذبواَ عليّ فانه من كذب عليّ فليلج النار) وحديث عثمان وقد قاله على المنبر وهو (لا يحل لأحد يروي حديثاً لم يسمع به في عهد أبي بكر ولا عهد عمر فانه لم يمنعني أن أحدثِ عن رسول الله (ص) ألا أكون من أوعى أصحابه ألا أني سمعته (ص) يقول (من قال علي ما لم أقل فقد تبوأ مقعده من النار) وحديث أبي هريرة وهو (من كذب علي متعمداً فليتبوا مقعده من النار) وغير ذلك أحاديث كثيرة حمل بعضها هذه الزيادة وجاء بعضها بغيرها، والروايات التي جاءت عن عمر وعلي وعثمان والزبير وغيرهم من كبار الصحابة قد ظهرت كلها بغير هذه الزيادة.
وأن ممن روى عن الزبير إنكاره لهذه الزيادة الدارقطني الذي قال فيه الحافظ بن حجر إنه كان حافظ عصره وروايته (واللَّه ما قال متعمداً وانتم تقولون متعمداً) وابن قتيبة الذي قال فيه الذهبي أنه صدوق. وقال فيه الخطيب، وكان ثقة ديناً وروايته (إنهم يزيدون فيه متعمداً والله ما سمعته قال متعمداً).
وقال الحاكم في المدخل (. . أن موعد الكاذب عليه في النار وقد شدد (ص) في ذلك وبين أن الكاذب عليه في النار؛ تعمد الكذب أم لم يتعمد في قوله فيما رواه ابن عمر (أن الذي يكذب على يبني له بيت في النار) وقد زاد تشدداً بقوله فيما رواه عثمان بن عفان (من قال عليَ ما لم أقل فإنه إذا فعله غير متعمد للكذب استوجب هذا الوعيد من المصطفى. ومن روايات هذا الحديث
(من نقل عني ما لم أقله فليتبوأ مقعده من النار) قالوا وهذا أصعب ألفاظه وأشقها لشموله للمصحف واللحان والمحرف.
أما - تواتر - هذا الحديث سواء أكان بهذه الزيادة أم بغيرها، فانهم (لم يجُمعوا عليه) قال الحافظ بن حجر (ولأجل كثرة طرقه أطلق عليه (جماعة) أنه متوتر ونازع بعض مشايخنا في ذلك لأن شرط التواتر، استواء طرفية وما بينهما في الكثرة، وليست موجود في كل طريق منها بمفردها.
ويتبين مما قاله ابن حجر من أطلق على هذا الحديث أنه متواتر إنما هم (جماعة) وليس ثم إجماع وأن هذه الجماعة لم تسلم من منازعة بعض شيوخه.
(المنصورة)
محمود أبو ريه
في قصيدة الغزالي
أتحفتنا الرسالة بقصائد ثلاث مما ألقاه شعراؤنا في حفل تكريم شاعر (العباسة) المبدع عزيز أباظة باشا. ومن بين هذه القصائد قصيدة الشاعر أحمد عبد المجيد الغزالي التي مطلعها:
طلعت بأفق العبقرية صاعداً ... فأدركت مجديها طريفاً وتالداً
وهي في الحق قصيدة جيدة لعلها من عبقريات شاعرنا الغزالي، بيد أنه وقع في خطأ يسميه العروضيون (سناد التأسيس) في بيتين من قصيدته الجميلة إذ يقول:
كأن به في حلة الملك رافلا ... يخب بدنيا ليس يدنو لها مدى
عوالم هذا العصر أنت وسعتها ... بفنك لم تعجز لساناً ولا يدا
فتراه قد أهمل في هذين البيتين ألف التأسيس التي تراها في كلمة الروي (تالدا) والتي كررت في كل أبيات القصيدة خلا هذين البيتين. . .
ومني على الشاعر تحية وسلام.
محمد محمود رضوان