انتقل إلى المحتوى

مجلة الرسالة/العدد 634/الكتب

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 634/الكتب

ملاحظات: بتاريخ: 27 - 08 - 1945



أربعة كتب

للأستاذ محمد عبد الغني حسن

الحياة الزوجية في الإسلام - الملامتية والصوفية وأهل الفتوة

- نظرات في الحياة والمجتمع - الإنكليز كما عرفتهم. . .

1 - الحياة الروحية في الإسلام

(للدكتور محمد مصطفى حلمي)

في هذه الفترة المادية التي نعيش فيها على سمع التاريخ الحديث وبصره، وفي هذا الجو المختنق بأبخرة المادة الكثيفة التي تكاد تغشى القلوب. وفي وسط هذا الصراع الجبار بين الرغبات المادية الجامحة نقرأ هذا الكتاب الذي تجد فيه النفس اطمئنانها إلى حياة الروح في الإسلام.

ويظهر أن المؤلف نفسه - على غير معرفة لنا به - فيه نزعة من هذه الحياة الروحية النبيلة التي تعلوا عن المادة؛ ويتبين ذلك من سطور كتابه ومن المقدمة الواضحة التي قدم بها بين يدي الكتاب , فهو لا يرمي إلى كشف النقاب عن الحياة الروحية فحسب، ولكنه يرمي أن يكون وراء الكشف عنها (ما يعين على كبح جماح الشهوة، وكسر حدة المادة، وتمكين الخلف من الاستجابة لهذا الدعاء الروحي الصادق الذي ردده السلف).

وواضح من هذا الكلام أن للمؤلف غرضين: الغرض العلمي الذي كان موفقاً في إبرازه والنهج به على أقوم سبيل؛ والغرض الخلقي، وهو غرض نبيل صرح به في المقدمة فكشف لنا عن روح نبيل في تناول الموضوعات العلمية.

والحق أن العلم وحده لا ينفع ما لم يعن على إشاعة الخلق الجميل. ولا تكفي دراسة النظريات وتحديد المنهج والمعرفة بأصول البحث ما لم يكن هناك هدف سام من الأخلاق. وهنا تظهر القيمة العلمية لدراسة العلوم.

ويرد المؤلف بدء الحياة الروحية في الإسلام إلى تحنث محمد عليه السلام في غار حراء قبل أن ينزل عليه الوحي - أي قبيل الإسلام - وكأنه بذلك يريد أن يجعل بروز التصوف والروحانية الإسلامية نابتة في قلب الجزيرة العربية وفي صميم كفوفها وأغوارها. ولست أرى باسا أن تختلف مصادر الحياة الروحية في الإسلام ما دامت الأديان كلها تهدف إلى غرض واحد هو صفاء الروح.

وفي الكتاب فصول عن النساك والزهاد والعباد والتصوف ونشأته والنزاع بين الصوفية والفقهاء، والغزالي وطريق المعرفة عنده، وما إلى ذلك من الأبحاث التي تدل على أن المؤلف دارس الموضوع الروحية الإسلامية دراسة سعة وشمول.

وأسلوب الكتاب واضح ينساب في سهولة ويسر، وبذلك حقق

غرض الجمعية الفلسفية المصرية من تبسيط هذه الموضوعات

لجمهور القارئين، إلا أن فيه تكراراً في بعض المواطن

وخاصة في الفصل الثاني من الكتاب. وعندي أن التكرار لا

يملح من كل كاتب، فخير للمؤلف الفاضل لو أنه استقل

بأسلوب يكون هو صاحبه ولا يكون فيه من المقلدين. 2 -

الملامتية والصوفية وأهل الفتوة

(للدكتور أبو العلاء عفيفي)

وهذا كتاب آخر من كتب الجمعية الفلسفية المصرية التي يشرف على إصدارها الأستاذان الجليلان الدكتور علي عبد الواحد وافي والدكتور عثمان أمين؛ وهما من أكثر رجالنا نشاطا في التأليف وأشدهم انكبابا على العلم. والكتاب لأستاذنا الدكتور أبو العلاء عفيفي أستاذ الفلسفة بجامعة فاروق الأول. وهو من سبيل الكتاب الأول ومن بابه. فلحياة الروح فيه مجال كبير. وقد وفق المؤلف فيه إلى حد كبير فقد أزاح الستار عن طريق (الملامتية وأهل الفتوة) ورجع في ذلك إلى طائفة من كتب التصوف بعضها بالعربية وبعضها باللغات الأجنبية.

والكتاب قسمان: قسم عن مذهب الملاميتة ونشأته في الإسلام والصلة بين تعاليم الملامتية وتعاليم الصوفية وأهل الفتوة. والقسم الثاني نص رسالة الملامتية التي ألفها أبو عبد الرحمن السلمي من العارفين بأسرارهم.

وفي القسم الأول تحقيق كثير لا يصدر إلا من رجل كالدكتور أبي العلاء عفيفي له في البحث العلمي مقام محمود. والحق أنه وفى الكلام عنه هذا المذهب التصوفي توفية منعه تواضعه من أن يعلى من قيمتها. فقد أشار في المقدمة إلى أن الصورة العامة التي صور بها هذا المذهب (قد يعوزها الكثير من التفاصيل)

وخير فصول الكتاب هو الفصل الخاص بالتحليل النقدي لأصول الملامتية. فقد تكلم عن فلسفتهم في النفس ومحاربتهم للرياء، واتهام النفس ولومها، والرياء في الأعمال والأحوال والعلم. وهو كلام يدل على فهم صحيح للمذهب وطول تتبع له ووصول إلى أعماقه.

وإذا كان المستشرق الأستاذ ريشارد فون هارتمان قد سبق الدكتور عفيفي إلى البحث في رسالة السلمي نفسها فإن أستاذنا المصري قد تناول في رسالته القيمة المذهب الملامتي نفسه والفرق بينه وبين تعاليم الصوفية، وتاريخ هذه الفرقة ونشأتها.

وهي أبحاث تدل على سعة في العلم وعلى صبر في البحث وعلى قراءة كثيرة لكتب التصوف والمذاهب التي خرج منها المؤلف بهذا المحصول العظيم.

- 3 - نظريات في الحياة والمجتمع

(للأستاذ علي أدهم)

مؤلف هذا الكتاب أديب يمتاز بمزايا كثيرة لابد منها لمن يريد أن يكون في عالم الأدب أصيلا لا متبعاً. فهو يقرأ كثيراً في الأدب العربي والغربي؛ وهو يهضم قراءاته ويحسن هضمهما لأن معدته الأدبية صحيحة موفورة العافية؛ وهو قادر على معالجة الأدب المقارن بحسن أدراك وصحة فهم وقوة أسلوب.

أما إدراكه فيظهر من رؤوس الموضوعات التي يتناولها والتي يحسن الكلام فيها فينتقل بك من فكر إلى فكر، ومن موضوع إلى موضوع حتى يأتي على البحث إلى آخره، ولا يدع في نفسك شهوة لاستزادة وأما أسلوبه ففيه من القوة ما يؤدي به الأغراض احسن أداء، فلا تحس ضعفا هنا ولا لينا هناك. ولكنك ترى الكلام مستويا مع الغرض علواً واتساقا.

وتقرأ الموضوع الواحد لعلي أدهم فتراه طائفا معك من أبي تمام إلى المتنبي إلى فرويد من غير أن تحس تكلفا في الانتقال؛ لأنه يصدر عن طبع وإحاطة.

ويغلب على كتابته ناحية الفكر والفلسفة. فهو أديب الفكرة لا أديب العبارة. وإن كانت عبارته في مكانها العلي من لغة العرب لأنه يقرأ كما قلت لك كثيراً ويفيد مما قرأ كثيراً

وفي موضوعات على أدهم لذة؛ لأنه يعرف كيف يختارها ويعرف كيف يعرضها؛ ويعرف في النهاية كيف يقنعك برأيه ويكسبك إلى صفه. وتحس وأنت تقرؤه أنك تقرأ أفكار الحكماء مجموعة في كتاب ومضمومة في أهاب، وهو مع ذلك متواضع، لا يدعي أنه من العلماء المختصين ولا من الحكماء الموهوبين (ولكني أحب أن أسير في أثار هؤلاء الهواة الذين راقهم أن يعرفوا أشياء عن الطبيعة الإنسانية، وشاقهم حب التطلع والاستبانة)

وهو في النهاية ليس خياليا ولا (يوتوبياً). ولكنه واقعي يصف الواقع ويعلل له.

4 - الإنكليز كما عرفتهم:

(للأستاذ أمين المميز من رجال السلك السياسي العراقي)

تفضل الأستاذ الكبير الزيات فأعارني هذا الكتاب لقراءته والحديث عنه. ثم تفضل المؤلف الفاضل نفسه فأهدى أليّ نسخة منه عن طريق صديقنا الأديب الوفي السيد محيي الدين رضا، فأتيحت لي بذلك فرصتان لقراءة هذا الكتاب الطريف المفيد الممتع

ولقد عشت في إنكلترا حقبة من الزمان، فما ازعم لنفسي أنني عرفت من أحوال القوم وأمورهم وألوان الحياة عندهم ما عرفته من هذا الكتاب.

وكان مصدر المؤلف في كتابه شيئين: التجربة والقراءة فقد عاش في إنكلترا مدة وخالط أوساطها الراقية بحكم منصبه، كما خالط أخلاطا من القوم دون ذلك بحكم نيته في التأليف. وقرأ كثيراً عن الإنكليز وبلادهم وتاريخهم وعاداتهم مما كتبه الإنكليز أنفسهم، أو مما كتبه عنه غيرهم

ومن هنا كانت مراجع الكتاب كثيرة تبلغ بضع عشرات من الكتب لبضع عشرات من الكتاب أمثال بابكر وبرادلي وهاملتون وروم لانداو ومورتون وغيرهم وفي الكتاب فصول عن الرجل الإنكليزي والمرأة الإنكليزية وحياة الإنكليز السياسية والاجتماعية، فإذا شئت أن تعرف شيئاً عن الدستور الإنكليزي والوزارة والميزانية ووزارة الخارجية ومجلس العموم ومجلس الأعيان والأحزاب الإنكليزية والإمبراطورية والدومنيون، فارجع إلى الفصل الثالث.

وإذا شئت أن تعرف شيئاً عن نظام الطبقات في إنكلترا والثروة والمهرجانات العامة وقصور العائلة المالكة والأعياد الدينية والوطنية والنادي وحياة الشوارع والملبس وآداب المعاشرة وغيرها فاقرأ الفصل الرابع

وليس الكتاب رحلة عابرة في بلاد الإنكليز، ولكنه دراسات علمية تاريخية بذل المؤلف فيها كثيراً من الجهد في المطالعة والقراءة والرجوع إلى المصادر، كما بذل كثيراً من الدقة في الملاحظة والمشاهدة والمعاشرة، حتى خرج الكتاب مرجعا من أوفى المراجع العربية عن حياة الإنكليز وتاريخهم

وإذا كان سبيل التقارب بين الشعوب هو حسن التفاهم بينها، فإن ذلك لا يكون إلا عن فهمها، فمتى صح الفهم صح التفاهم

ولا شك أن كتاب الأستاذ أمين المميز هو خطوة فسيحة موفقة في سبيل فهم الإنكليز، وبالتالي في سبيل التفاهم معهم

فأهنئه وأشكره على هديته، وأرجو له التوفيق في إخراج الجزء الثاني من كتابه الذي وعد به في هذا الجزء النفيس

محمد عبد الغني حسن