مجلة الرسالة/العدد 633/ذرة لا تميزها العين

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 633/ذرة لا تميزها العين

ملاحظات: بتاريخ: 20 - 08 - 1945



(كادت تجارب الذرة أن تجعل الأرض كرة ملتهبة من

الغازات)

للأستاذ فوزي الشتوي

لدمار العالم أم لعمرانة؟

قبل أن تنشب الحرب بفترة وجيزة وقف لفيف من العلماء أمام مدفع تحطيم الذرة في جامعة كولومبيا يستعدون لأخطر تجربة. ومن يدري بما سيحدث لو انطلقت آلاته؟

استولى الرعب على كثير من العلماء فقالوا: أنه دمار العالم. فلن تمضي دقائق أو ثوان حتى تكون الأرض كلها كرة غازية ملتهبة لا أثر فيها لإنسان ولا لحيوان ولا نبات ولا جماد. ولكن العلماء لا يريدون إلا تحطيم ذرة واحدة من معدن الأورانيوم. ولكنهم يخشون القوة المنطلقة من هذه الذرة فتفجر ما حولها من ذرات وهذه تفجر ما يليها من أجسام وهكذا دواليك في سلسلة تكتنف الكرة الأرضية كلها وتبيد كونها.

وتمت التجربة وسلمت الأرض؛ فإن سلسلة الانفجارات الذرية لم يحدث. وربما تكون قد حدثت ولكنها لم تستمر أكثر من واحد على مليون من الثانية. أما السبب فكان عدم الدقة في إجراء التجربة. ولو كانت دقيقة لأبيد العالم كله ولتفجرت كل ذرات قطعة الأورانيوم فانسابت قوتها تفتك بالعالم.

الذرة

فما هي الذرة وعلى آية قوة تسيطر؟

فما الذرة فهي وحدة الجزيء. وهو بدوره أصغر وحدة في المادة، وهي شيء نظري لا وجود له في الواقع الملموس وأصغر مادة تراها بعينك تتألف من ملايين الذرات. وهي في جميع المواد التي تلمسها مجموعة من الكهارب بعضها موجب وبعضها سالب. ويسمى الكهرب الموجب بروتون ومنه تتألف نواة الذرة. وحول هذه النواة كهارب سالبة تسمى إلكترون.

ويترتب على عدد هذه الكهارب خواص المعدن أن كان حديداً أم نحاساً أم ذهباً. فالكهارب واحدة ولكن اختلاف عددها هو الذي يحدد نوع المعدن. ومن ثم نشأ الاعتقاد العلمي بإمكان تحويل الحديد أو القصدير إلى ذهب. وقد فشلت جميع التجارب في هذا السبيل لأن العلماء فشلوا حتى الآن في التغلغل في الذرة وزيادة كهاربها أو تقليلها.

والبروتونات أو الكهارب الموجبة التي تؤلف نواة الذرة أثقل من كهاربها السالبة وإن كانت أصغر منها في الحجم. ويساوى وزن بروتون واحد وزن 1845 إلكترون، وفي المنطقة الخارجية مجموعة من الكهارب السالبة الدائمة الحركة حول النواة. وإذا زاد عدد الكهارب السالبة أو الموجبة في الذرة فانه يسمى أيونا.

مائتا مليون فولت

وقدرت جامعة كولومبيا في أمريكا، وهي المعهد الذي تولى القيام بهذه التجربة، مقدار الطاقة الذرية التي نتجت عن تجربتها بمائتي مليون فولت أو ما يكفي لإضاءة مدينة كاملة جزء من الثانية، كما أن قطعة الأورانيوم وهو من أصلب المعادن المعروفة تفتتت إلى ثماني عشرة قطعة صغيرة.

والطريقة التي اتبعتها جامعة كولومبيا في تجربتها هي استخدام كهارب خاصة اسمها (النيوترون) تنطلق من مصادرها على مركز الذرة فتخترق تحصيناتها وتستقر في نواتها (الكهارب الموجبة) وعندئذ يبدأ الاضطراب في الذرة وتصيح مثل أنبوب من المطاط والينا ملئه بالهواء فوق طاقته فيجب أن يتخلص من بعض محتوياته أو ينفجر وهو ما يحدث في الذرة التي ترسل طاقتها.

وربما كانت سرعة الطاقة المنطلقة هي السبب الذي أنقذ الأرض من الدمار في هذه التجربة؛ فإن النيوترون الأصلي الذي يحطم الذرة يسير بسرعة أقل من السرعة التي ينطلق بها نيوترون الذرة المحطمة، ولهذا فإن الأخير يمر على الذرات الأخرى ولا يفجرها وهو في ذلك مثل حبة الحصى التي يريد الطفل أن يدخلها في الحفرة على الأرض. فإن قذفها بقوة مرت من فوق الحفرة حتى لو أجاد التصويب. ولكنه لو دحرجها بلطف فإنها تستقر فيها.

معادن جديدة؟ وأثبتت التجارب أن النيترونات مهما كانت ضعيفة فإنها تستطيع فخر أقوى الذرات وأثقلها لأن كهاربها الموجبة والسالبة متعادلة.

وفحص العلماء بقايا الأورانيوم التي فجرت في كل أتجاء فوجدوا أن وزنها الذري تغير مما يدل على أن عنصراً جديداً طرأ على ذراتها وأنها أصبحت معادن أخرى؛ فبعد أن كان وزنها الذري 238 (وزن الأورانيوم) أصبح وزن بعضها الذري 137 و 220

ولسنا نستطيع التكهن بما اكتشفه العلماء بعد ذلك من خطوات حتى توصلوا إلى القنبلة الذرية؛ ولكن الثابت أن تجربة جامعة كولومبيا وما وليها فتحت آفاقاً واسعة أمام العلم ومهدت لاكتشاف القنبلة الذرية التي نرى من المعقول جداً إلا يتجاوز حجمها حجم البيضة لتدمر بضعة أميال من سطح الأرض.

وإن كبرت القنبلة عن لك في مظهرها الخارجي فإنه في الغالب حجم الغلاف الذي يجب أن تتوفر فيه أدوات خاصة لإجادة التصويب ولمقاومة طبقات الهواء وتياراته وأداة فجر القنبلة نفسها. ومجرد فجر مجموعة من الذرات يحدث درجة حرارة بالغة الارتفاع تحدث ضغطاً جوياً عظيماً يدمر كل ما حوله، فضلا عن إشعاله للنيران في المواد القابلة للالتهاب ولو كانت خشباً.

وربما كان اكتشاف القوة التدميرية للذرة هو أبسط أسرارها. والمهم أن يعرف العلماء كيف يسيطرون على هذه الطاقة ويستخدمونها في أعمال منتجة. وقد قال أحد العلماء: إن مصنعاً واحداً لإنتاج الطاقة الذرية يكفي لتغذية بريطانيا بكل ما تحتاج إليه من وقود وقوى محركة.

ولقد فتح هذا الكشف آفاقاً بالغة السعة أمام العلم، وسنسمع في كل سنة اكتشافات متعددة تؤسس كلها على الذرة وأسرارها؛ فأمام العلماء شعب لا حد لها وأولاها السيطرة على الطاقة الذرية وتوجيهها، وثانياً خواص الذرة نفسها مما سيؤدي إلى تحويل معدن إلى معدن آخر. ومن يدري، فقد تستغل الكهارب الجوية في صنع المادة؛ فالعالم كله مجموعة من الذرات.

فوزي الشتوي