مجلة الرسالة/العدد 633/البريد الأدبي
مجلة الرسالة/العدد 633/البريد الأدبي
ملاحظة وتصحيح:
جاء في (العدد 632) من (الرسالة) بالصفحة 858، ضمن مقالة (روسيا والشرق) كلمتا مندشوريا ومندشوكو. والملاحظ أنهما اسمان لمسمى واحد يسميه الروس بالأول واليابانيون بالثاني.
وورد في هامش (الصفحة 856) اسم إسكندر الثاني، عن سهو، بدلا من اسم نقولا الأول قيصر روسيا.
ولا بأس في هذه النهزة بزيادة بيان. ذلك أن نقولا الأول احتج بالنزاع الطويل بين اللاتينيين الكاثوليك واليونانيين الأرثوذكس في شأن الأماكن المقدسة وهو يحاول تحقيق طمعه ببلاد الدولة العثمانية؛ ولكن السلطان عبد المجيد في عام 1852 امتيازات فرنسا الخاصة بحماية الكاثوليك، وبكنيسة قبر المسيح وغيرها؛ فعرض نقولا الأول على إنجلترا، بعد ذلك بعام، أن يقتسما الإمبراطورية العثمانية من غير إشراك فرنسا في الغنيمة، وقال يومئذ كلمته المشهورة: (على سواعدنا رجل مريض، مريض في خطر، وإذا لم يكن بد من أن يفلت منا قبل أن تؤخذ العدة الضرورية كان ذلك بؤساً عظيماً). ورفضت إنجلترا فزحف جيش نقولا إلى الأراضي العثمانية في مايو عام 1853، وشنت حرب القرم في العالم التالي. ثم مات القيصر عام 1855، فخلفه إسكندر الثاني وعقد الصلح عام 1856.
محمد توحيد السلحدار
إلى الأستاذ العقاد:
قرأت (في بيتي) لأستاذنا الكبير فرأيت هذه الأبيات في الصحيفة الثانية:
النور سر الحياة ... النور سر النجاة
ألمحه بالروح لا ... لمح العيون الخواة
ما تبصر العيون من ... معناه إلا أداة
وهذه الأبيات من البحر المجتث وقد أدركت بداءة أن صدري البيتين الثاني والثالث خارجان من البحر وأنهما لا يصحان على وجه من الوجوه ثم بحثت الأمر لأتأكد فظه ما أدركته أولا.
ولما كان الروى هو التاء المكسورة وكان الوقف لا يصح عليها لأن (القصر) لا يدخل البحر المجتث ظهر لي أن في البيت الثالث إقواء فكلمة أداه في البيت لا يصح جرها بحال.
(والعيون الخواه) في البيت الثاني الرأي فيها أنها الخاوية أو الخاويات.
محمد العزاوي
مدرس بمعهد قنا
حول ترجمة كتاب
تحت هذا العنوان كتب الأستاذ نجيب محفوظ في العدد 361 من مجلة الرسالة نقداً لترجمة كتاب (الوسائل والغايات) لمؤلفه أولدس هكسلي. وهو ليس نقداً لترجمة هذا الكتاب وحده، بل لكل الكتب التي تترجم على غراره، وعلى المبدأ الذي توخيناه ولم يرض عنه
يرى الناقد أن الترجمة إما أن تكون حرفية بنقل فيها المترجم الأصل عبارة عبارة وإلا باتت عديمة الفائدة؛ ولست أوافقه على هذا الرأي، فمن الكتب ما ينبغي أن تنقل حرفاً حرفاً، ومنها ما يغنى تلخيصها عن ترجمتها، وللناقل عند التلخيص حق التصرف في الإيجاز والإسهاب حسبما يرى، وليس بمخطئ في هذا ما دام لا يجد عن أصل الفكرة وروحها ولا يزعم أنه نقل الكتاب كلمة كلمة، والمفروض أن الناقد مشيع بروح الكتاب عالم بالمواطن المهلهلة التي يمكن اختصارها، وهو ناقل أمين ما دام يشير إلى خطته في الترجمة ولا يخفيها، وبخاصة إذا كان الاختصار مما تقتضيه الضرورة كتحديد الحيز الذي يصدر فيه الكتاب المترجم، أو عرض الفكرة على طائفة خاصة من القراء، وهذا ما فعلت عند ترجمة كتاب (الوسائل والغايات)، فقد كنت مضطراً لإخراجه فيما لا يزيد عن مائتي صفحة، فعرضت بعض فصول الكتاب عرضاً مسهباً، وأوجزت في بعضها الآخر، وأشرت إلى ذلك في مقدمة الكتاب
إننا إذا أخذنا برأي الأستاذ نجيب محفوظ ما أبحنا لأنفسنا أن نترجم فصلا من كتاب، أو جزءاً من مقال، فأما فصول الكتاب كلها ولمقال بأسره أولاً ترجمه على الإطلاق، ولست أحسب أنه هو نفسه يوافق على ذلك. والمترجمون الإنكليز كثيراً ما يتبعون طرقاً مختلفة في النقل، فقد قرأت عيون الأدب اليوناني كلها ملخصة في مجلد واحد وأفدت منها الكثير، وقرأت كتباً أخرى اجتزئ في ترجمتها ببعض فصول الكتاب دون البعض الآخر، ووجدت فيها متعة وفائدة، فالتلخيص جائز في الترجمة معروف في اللغات الأخرى، ومن حقنا أن نستعمله في العربية إذا اقتضتنا الضرورة ذلك
محمود محمود
بين القصة والشعر
قرأت كتاب (في بيتي) للكاتب الكبير الأستاذ (العقاد) ولعله من أعمق ما كتب، غير أنه لفت نظري فيه الموازنة بين القصة والشعر. فالقصة عنده دون الشعر في المرتبة، وهي أهون عليه من أن يضيع فيها وقتاً يمكن أن يقرأ فيه ديواناً من الشعر، وله في هذه المفاضلة مقياسان يحدثنا عنهما في كتابه فيقول: (غير أني اعتمد في ترتيب الآداب على مقياسين يغنياني عن مقاييس أخرى، وهما الأداة بالقياس إلى المحصول، ثم الطبقة التي يشيع بينها كل فن من الفنون.
فكلما قلت الأداة وزاد لمحصول ارتفعت طبقة الفن والأدب، وكلما زادت الأداة وقل المحصول مال إلى النزول والإسفاف. وما أكثر الأداة وأقل المحصول في القصص والروايات؟ أن خمسين صفحة منن القصة لا تعطيك المحصول الذي يعطيكه بيت كهذا البيت:
وتلفتت عيني فمذ خفيت ... عني الطلول تلفت القلب
أو هذا البيت:
كأن فؤادي في مخالب طائر ... إذا ذكرت ليلى يشد به قبصا
أو هذا البيت:
ليس يدري أصنع إنس لجن ... سكنوه أم صنع جن لإنس
أو هذا البيت:
أعيا الهوى كل ذي عقل فلست ترى ... إلا صحيحاً له حالات مجنون أو هذا البيت:
وقد تعرضت عن كل بمشبهه ... فما وجدت لأيام الصبا عوضا
لأن الأداة هنا موجزة سريعة والمحصول مسهب باق، ولكنك لا تصل في القصة إلى مثل هذا المحصول إلا بعد مرحلة طويلة في التمهيد والتشعيب، وكأنها الخرنوب الذي قاله عنه التركي - فيما زعم الرواة - أنه قنطار خشب ودرهم حلاوة!
أما مقياس الطبقة التي يشيع بينها الفن فهو أقرب من هذا المقياس إلى أحكام الترتيب والتمييز. ولا خلاف في منزلة الطبقة التي تروج بينها لقصة دون غيرها من فنون الأدب، سواء نظرنا إلى منزلة الفكر أو منزلة الذوق أو منزلة السن أو منزلة الأخلاق. فليس أشيع من ذوق القصة ولا أندر من ذوق الشعر والطرائف البليغة. وليس أسهل من تحصيل ذوق القصة الشعري الرفيع حتى بين النخبة من المثقفين) وهذان المقياسان - كما يبدو - ليسا بالحكم الفصل في موضوع خطير كهذا.
فالمقياس الأول تحدث عنه علماء البلاغة والنقد، فكانوا يرون أن خير الكلام وأبلغه، ما جمع المعنى الكثير في اللفظ القليل، وهذا المقياس، وإن صلح للمفاضلة بين عبارة وعبارة أو بين بيتين من الشعر، أو قطعتين من النثر، في موضوع واحد، فإنه لا يصلح للمفاضلة بين القصة والشعر، وذلك أن فائدة القصة ليست مقصورة على الغرض الأساسي الذي وضعت من أجله، ولم تكن خمسون صفحة في قصة ما ولو بلغت الطبقة الدنيا في القصص تمهيداً لفائدة تقال في سطر أو سطر، ولكن هناك التصوير الرائع والوصف الدقيق، لحركات الأحياء، ونوازع النفوس وهناك النقد اللاذع لأوضاع المجتمع، وهناك الحديث اللذ الرفيع عن المشاكل السياسية والاجتماعية في أسلوب قوى أخاذ، وحسبنا هو من كاتب عبقري، ففي كل سطر بل في كل عبارة لذة ومتعة ربما لا نجدهما في أبيات كثيرة من الشعر، وقيمة الأسلوب في الآثار الأدبية ليست بالقيمة الهينة التي لا يحسب لها حساب، وقد تكون متعة القارئ بالأسلوب وفائدته منه، ومن هذه الإشارات العارضة في ثنايا القصة أجل وأرفع من الفائدة الأساسية التي تهدف القصة للوصول إليها.
ولم أفهم قط المفاضلة بين بيت من الشعر وبين خمسين صفحة من قصة، فإنه إذا كان الأثران صادرين عن نابغتين، فلا شك أن خمسين صفحة من قصة تعطينا من الفوائد أبلغ وأكثر مما يعطينا بيت أو أبيات كثيرة، وإن كانت القصة ضعيفة ركيكة فلا يصح وزنها ببيت عبقري، ولا وجه للمفاضلة حينئذ، على أنه إذا كان المرجع إلى الفوائد معدودة محسوبة، فإن الخمسين الصفحة قد تعطينا أكثر من البيت الواحد مهما بلغت من الضعف
أما المقياس الثاني، فأحسبه ليس كذلك فاصلا، فالطبقات الدنيا في الثقافة أو في الأخلاق لا تروج عندها إلا أنواع خاصة من القصص ليست هي التي يفاضل بينها الكاتب وبين الشعر، وكما يروج عندهم نوع من القصص رخيص، كذلك يروج عندهم أنواع من الشعر رخيصة، على أننا نجد أن ميل العامة ليس دائماً إلى القصص، فهناك من الأمم ما يميل عامتها وخاصتها إلى الشعر ويروج عندهم، وهناك أمم يميل عامتها وخاصتها إلى القصص؛ فميل الطبقات الدنيا ليس حكما في المفاضلة بين نوع من الآداب ونوع آخر، وإنما الحكم الفصل في طبيعة الآداب أنفسها، ولعلنا نظفر من الكاتب الكبير إلى بيان شاف في هذا الموضوع الخطير
علي العماري
المدرس بالأزهر
ملك من شعاع
ظاهرة طيبة، ولا ريب، بدأنا نلحظها أخيراً، إذ شرع الكتاب يولون وجوههم شطر مضر القديمة، ويمدون أبصارهم إلى تاريخها الغابر، ينهلون منه أدباً جميلاً وقصصاً بارعة، وأخذوا يستغلون هذا المنجم الذهبي البكر، ويفرغون كنوزهم في قوالب تتيح لأهل البلاد وجيرانهم أن يشاركوا الفراعين الأمجاد فيما خلفوه من تراث أبقى على الدهر من تراث الذهب والمال.
فأصدرت سمو الأميرة شيوه كار قصة مصرية عنوانها (نفررس أس)، وكتب الأستاذ عبد المنعم محمد عمر أمين دار الكتب مسرحية عنوانها (إيزيس وأوزريس)، وكتب الأستاذ عادل كامل قصة (ملك من شعاع)، وأخرج الأستاذ علي أحمد باكثير مسرحية (الفرعون الموعود) فضلاً عن (أحمس) للأستاذ عبد الحميد جودة السحار وو. . .
وكتاب (ملك من شعاع) الذي نحن بصدده، وصمه الأستاذ عادل كامل المحامي واتخذ موضوعه سيرة حياة إخناتون، أسبق الناس إلى الاعتراف بوجود إله واحد ينبغي أن يعبده الجميع، وأول من بشر بأن الله الذي خلق الكون وأبعد صوغه لا تنظره العين البشرية المجردة، وإنما يدركه العقل ويؤمن به القلب. وكان إخناتون أول من جرؤ على هدم الأصنام والتماثيل وتحطيم معابدها، وجاهد ليحمل شعبه القصير النظر على اعتناق دينه والخروج من أفق الملموسات الضيق إلى عالم اللامرئيات الفسيح. كان إخناتون فرعون مصر عبقرياً يعيش في عصر لا يؤمن إلا بالحجر والشمس والنجوم، وكان عليه أن يكافح كفاح الأبطال ليقنع القوم بما يعسر على العقل القاصر إدراكه، ويعصي على العين رؤيته، فوفق في هذه المهمة أولا، ولكن الشعب سرعان ما تألب عليه بإيعاز من كهنة الأصنام وانقلب عليه يطلب دمه ويحكم عليه بالموت، وينعته بالخيانة وبيع الوطن، ولكن المنية عاجلت إخناتون فمات حتف أنفه مغضوباً عليه من شعبه الذي أحبه وأخلص في خدمته، مطعوناً في نزاهته من أصدقائه المقربين، وعلت شفتيه وهو مسجى في الفراش هامداً بسمة هادئة عذبة أن عبرت عن شيء فإنما تعبر عن راحة قلبية واطمئنان إلى عدالة القضية التي نافح لنصرتها.
وقد أجاد الأستاذ عادل تحليل التطور الفكري لإخناتون، وبين الخطوات التي استطاع أن يصل بها إلى الحقيقة التي غابت عن أذهان معاصريه والسالفين له. وساق القصة، وهي مزيج نادر من الفلسفة والأدب والمنطق في أسلوب جميل أخاذ فضلا عن أن المؤلف ضمنها دروساً في السياسة والاجتماع فقال عن الحرب: (إنها العمى والعرج والبتر والكساح. إنها الأرملة فقدت زوجها والأم ثكلت ولدها والأخت تبكي أخاها والفتاة تندب حبيبها. . . أنها المناحة العظمى تعم أرجاء الوطن، والشقاء والحزن يخيمان على كل منزل. . . أنها المجاعة والذلة والمرض، حين تخلو الحقول من حارثيها والبيوت من عائليها، وتنتشر المقاذر والخبائث في كل مكان. . . فليست الحرب هي الشرف، بل هي الغدر والاغتيال والخديعة. أما الوطن فإن من أحبه حقاً كره الحرب. فمن يحب وطنه يسئه أن يسلب وطن غيره، كما أن من يجب زوجته لا يرنو إلى زوجة جاره).
أنه كتاب جليل، ولا غرو، فقد فاز بالجائزة الممتازة في مسابقة وزارة المعارف، وقد أحست لجنة النشر للجامعيين بنشر هذا الكتاب لأنه سد فراغاً طالما استشعرناه.
وديع فلسطين