مجلة الرسالة/العدد 631/التعليم ووحدة الأمة

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 631/التعليم ووحدة الأمة

ملاحظات: بتاريخ: 06 - 08 - 1945



للأستاذ عبد الحميد فهمي مطر

- 7 -

يسر الباحث في مسائل تربية الجيل الجديد وتعليمه أن يرى آراءه التي يدلي بها بين آن وآن موضع عناية وتقدير من الجهات ذوات الشأن، فإن التصريحات التي قام بها معالي وزير المعارف عن مشاكل التعليم الأصيلة والمؤقتة، وعن الخطوط الأولى للسياسة التعليمية العامة، وعن ضرورة توحيد المرحلة الأولى في التعليم العام، وعن العمل لتحسين حال المعلمين ورفع الغبن عنهم. وأن ما قرأناه في الصحف عن التفكير في ضم طوائف المعلمين بعضها إلى بعض، وتوحيد صفوفها لتدل كلها دلالة واضحة على صحة الاتجاهات التي اتجهنا إليها في إثارة هذه المسائل وبحثها.

كما وأن ذلك لمما يشجعنا على المضي في بحوثنا عسى أن يساعد على إنارة الطريق أمام العاملين على النهوض بالتربية والتعليم عندنا وعند الأمم العربية الشقيقة التي قد زادت رابطتنا بها وبنهضتها وبثقافتها هذه الجامعة العربية الفتية. وعسى أن يمكن ذلك من إيجاد أسس قوية موحدة في بناء نهضة هذه الأمة، وتوحيد صفوفها، ورفع شأنها بين الأمم عن طريق العناية بناشئتها، وتسليحهم في مستقبل حياتهم بأسلحة العلم الحديث والتفكير السليم مع تقوية أسباب التناصر والتعاون بينهم آملين ألا يمضي وقت طويل حتى تجتمع لجنة الثقافة في الجامعة العربية لبحث هذه المسائل الهامة، كما اجتمعت لجنتا الزراعة والاقتصاد فإن توحيد الثقافة هو أساس التفاهم والتعاون كما إنه هو أساس التكوين والتدعيم.

إن اتجاهات الإصلاح التعليمي في مصر لم تتناول في مختلف أطوارها مع الأسف التفكير الجدي في تنشئة المعلم وتكوينه واختياره والعناية به إلا في حدود ضيقة جدا؛ فقد اعتدنا ألا نفكر إلا إذا اضطرتنا الحاجة الملحة إلى ذلك التفكير ولم توضع سياسة ما من قبل لإعداد المعلمين المتآخين المتحابين المتجانسين المتعاونين وتنشئتهم بل كان أمر إعدادهم يتبع ظروف إنشاء المدارس الجديدة أو فتح فصول في القديمة، فإذا وجدنا ضغطا في هذه الناحية قمنا على وجه السرعة بإيجاد معهد لتخريج عدد من المعلمين، ثم لا نلبث أن نستغني عنه، ونغلق أبوابه إذا ما خف الضغط وقل الطلب، ولذا نرى معاهد ومدارس لتخريج المعلمين كثيرة وجدت ثم أغلقت حسب الظروف. ومن هنا نشأت هذه التشكيلة المختلفة من المعلمين في التعليم العام التي لا نظير لها في تعدادها وتفاوتها وتنافرها وقلة انسجامها وعدم تعاونها في أي بلد آخر من بلاد الله مما كان له الأثر الملموس في جمود المدرسة وخمود روحها، وضعف أثرها في أبنائها، وانعدام روح التعاون بينهم مع ضعف الروح العلمية، وقلة الإقبال على الاستزادة من العلوم والفنون إلا ما كان خاصا بالامتحان وضعف روح الإقبال على العمل الحر المنتج إذا ما انتهوا من الدراسة وحصلوا على الإجازة التي تسلمهم إلى الوظيفة خصوصا بعد أن وضعت لها التسعيرة الجديدة المغرية.

فإذا كان معالي وزير المعارف قد ذكر في بياناته أن نجاح المشروعات الجديدة في التعليم يتوقف أساسيا على المدرس فإن هذا هو الحق لا ريب فيه. ولذا فقد ذكر معاليه إنه قد عني عناية شديدة بأمور المعلمين، ولديه مشروعات عديدة لترقية معاهد إعداد المعلمين، وتهيئة الوسائل لتكميل ثقافة الحاليين منهم، وأنه حفظه الله يعمل على إزالة الشعور بالغبن المستولي على نفوسهم. وإن في هذا كله ما يدل على الروح الطيبة المحبة للإصلاح والخير التي أملت على معاليه هذه العناية وهذا التقدير وهذا الاتجاه المستقيم. فما أقسى هذا الشعور بالغبن الذي يحز في نفوسهم. وما أشد أثره في أعمالهم ومسؤولياتهم! وما أعمق تأثيره في الرسالة الملقاة على المدرسة وواجباتها! وإذا كان معاليه قد سبق أن قسم مشاكل التعليم إلى أصيلة ومؤقتة؛ فإن مشاكل المعلمين وهي فرع هام من مشاكل التعليم فيها كذلك الأصيلة وفيها المؤقتة، فأما مشكلتهم الأولى الأصيلة في رأينا فقد سبق أن تناولناها بالبحث وهي تنحصر في تعدد طوائفهم، واختلاف ثقافاتهم، وتباين تفكيرهم، وتنوع نظراتهم إلى واجباتهم وأعمالهم وإلى الحياة العامة كلها، ولعل هذا هو السبب الأساسي فيما نلمسه من انعدام فكرة التعاون في المدرسة، ومن جمود في حركتها ومن انحطاط في روحها، ومن خمود في اتباع أساليب التربية الحديثة فيها. ومن تجاهل لرسالتها الحقيقية التي لا تتعدى النجاح في الامتحانات والعمل لها.

من أجل ذلك سرنا ذلك الاتجاه الجديد الذي أخذت الوزارة في بحثه وبدت بشائره على صفحات الجرائد من الميل إلى ضم طوائف المعلمين بعضها إلى بعض في اتحاد واحد ثم ظهر أثره فعلا في ضم ناديي دار العلوم وتوحيدهما في ناد واحد. ولعل هذه الخطوة الطيبة تتبعها خطوات أجرأ منها وأعظم في وضع أساس الوحدة المنشودة التي يجب أن تمتلئ بالإيمان بها قلوبنا وعقولنا. والتي بها نستطيع أن نرفع مستوى المدرسة رفعا يليق بكرامتنا ونهضتنا.

لهذا نرى أن من واجبنا الأول أن نضع في رأس سياستنا التعليمية الجديدة توحيد معاهد تخريج المعلمين لأنا نؤمن أن في هذا التوحيد الخير كل الخير لمعاهدنا العلمية. فإذا كنا قد آمنا بأن التوحيد ضروري وأنه لازم لمدارس المرحلة الأولى من التعليم الإلزامي والأولى والابتدائي فإنه لاشك ألزم لمعاهد المعلمين المكلفين بالسهر على تكوين النشء وتثقيفهم حتى تتركز في تضافر المعلمين وتآزرهم وتعاونهم تلك المعاني السامية العظيمة التي ننشدها في مدارسنا ومعاهدنا وأبنائنا بل وفي وحدتنا العامة وجامعتنا العامة وأخوتنا العامة.

أما المشكلة الأصيلة الثانية في تكوين المعلم فتنحصر في العمل الجدي على تقوية روحه وشخصيته وخلقه وضميره والسمو بها جميعا إلى المكانة التي تشعرها حقا بجليل رسالتها وعظيم مسئوليتها أمام الله وأمام الوطن وأمام الأمة جمعاء. ولن نتمكن من السمو بالمعلم هذا السمو المنشود إلا بتمهيد السبيل الحق إلى انتقائه من بين الصفوة الممتازة بخلقها وبحبها الحقيقي للمهنة، ولن نستطيع أن نصل إلى هذه الأمنية مطلقا إلا إذا سوينا على الأقل بين المعلمين وبين زملائهم وإخوانهم من رجال القضاء والمهندسين والأطباء وغيرهم من أرباب المهن المحترمة الأخرى. صحيح أن هذا سيكلف الدولة بعض المال ولكنه في الوقت ذاته كفيل برفع مستوى المعلمين رفعا يؤثر في الجيل الناشئ تأثيرا كبيرا لأن هؤلاء المعلمين الذين يلجون المهنة حبا في المهنة والذين تختارهم من الصفوة سيدفعهم حبهم لعملهم دفعا إلى بذل الجهود الحقة في تنشئة الجيل الجديد على المبادئ السليمة التي تنشئ أبنائها عليها الأمم القوية العزيزة فيكون مكسبنا من وراء عملهم مكسبا لا يقدر بمال، فعلينا أن نبني سياستنا الجديدة على تكوين هؤلاء الرجال حتى نضمن لمصر وللأمة العربية كلها نهضة رائعة تعيد إليها سالف مجدها وغابر عزها.

هاتان هما المشكلتان الأساسيتان من مشاكل التعليم والمعلمين وحلهما كفيل برفع مستوى المعاهد الدراسية وبحل مشكلة تكوين الجيل الجديد. فإذا عملنا حقا على حلهما فقد ضمنا لهذه الأمة حياة مستقبلة سعيدة وقوة حافزة جديدة تضعها في مصاف الأمم المحترمة العزيزة، أما المشاكل المؤقتة في حياة المعلم فسنفرد لها مقالا آخر إن شاء الله.

عبد الحميد فهمي مطر