مجلة الرسالة/العدد 63/مشهد ومكة،

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

2 - مشهد ومكة

للأستاذ أمين الخولي المدرس بكلية الآداب بالجامعة المصرية

أصبح من الواجب أن أعود إلى الحديث عن مشهد ومكة، إذ عاد الأخ الأستاذ عبد الوهاب عزام إلى الموضوع، ففتح أبواباً كثيرة للكلام، وإنها لحقيقة من حقها علينا أن تنجلي وتتكشف. ويأذن لي القارئ أن أرسل أول الأمر تحية خالصة إلى الأخ في حله ورحيله، ودعوات صالحة بأن يوفقه الله دائماً، وسلاماً إليه. . . ثم سلاماً على عبارات مهتاجة وردت في كلمته التي رد بها كل ما في الأمر: 1 - أن الأستاذ قال ما لفظه: (وأفظع من هذا - أي الخطأ كله؛ قوله - الرحالة - عن إخواننا شيعة إيران أنهم يفضلون مشهدا على مكة). فقلت له: (لا خطأ ولا فظاعة، لأن فلاناً العالم الشيعي قال في كتاب كذا صفحة كذا نقلاً عن كتاب البحار الذي يعد من أمهات كتب الشيعة: (إن كربلاء أفضل من مكة، فلا خطأ). قضايا محدودة، قصيرة، وجيزة، واضحة، متقابلة الأطراف؛ لا أجد فيها محلاً للمخالفة. . . وليس يقال مع هذا التحديد إني مجازف في الاستشهاد بكتب الشيعة قبل الاطلاع عليها، لأني قرأت بلا شك ما نقلت، وقلت بقدر ما قرأت وفهمت. قرأت في كتاب شيعي عن كتاب شيعي من أكبر إن لم يكن أكبر ما يرجع إليه في بيان عقائد الشيعة ومذاهبهم، كتاب عن كتاب، فهناك على الأقل جمع منطقي أيسره اثنان. . . . ثم ماذا قرأت؟ قرأت أخباراً تنعتها كتب الشيعة بأنها متواترة أي رواية جمع عن جمع، كما تنعتها بالكثرة، ويدل مرجعي على مكانها من أجزاء الكتاب الكبير الذي يعزو إليه. . . فدليلي واف بدعواي؛ وليس من الموضوع في شئ أني فرحت بالكتاب أو لم أفرح؛ وليس يجب في شئ أن يكون لي بالشيخ مؤلف الكتاب صداقة قوية أو صلة شخصية. 2 - مع هذا كله يقول الأستاذ عزام في رده علي: (فقد ادعى أن كتب الشيعة تقرر هذا التفضيل، ثم لم يرجع إلى كتب الشيعة؛ ولم يتحر أقوال أئمتهم، ولكنه اكتفى برواية في كتاب فرد لمؤلف. . . الخ) فهل لم أرجع إلى كتب الشيعة!!. وهل اكتفيت برواية في كتاب؟! وهل هو كتاب فرد؟!. على أن الأستاذ بعد هذا بقيراط من الورق ذكر (كتب الشيعة) وما فيها مرتين، فتتوقع من صاحب الملاحظة السابقة أن يحتج من (كتب الشيعة) بأقل الجمع ولو عند المناطقة وهو اثنان، ولكنك لا تراه يذكر إلا كتاباً فرداً هو (وسائل الشيعة إلى أحكام الشريعة) على حين يكرر الحديث عن قراءاته وخلاصة قراءاته في كتب الثقات، ويتحدث عن قراءاته في كتب الثقات وهو ذاكر أني اكتفيت بكتاب فرد، وأنه لا يرى ذلك، فكيف يجئ هذا؟!. 3 - لما أراد الأخ الأستاذ نقد خبر الرحالة (تفضيل الشيعة مشهداً على مكة) استنتج استنتاجاً وقال: (وكيف يعقل أن أمة مسلمة. . . الخ) فسلمت له اختصاراً واقتصاراً أن هذا غير معقول، وقلت عرضاً إن مالا يعقل قد يعتقد، وان العقل ومنطقه شئ، والاعتقاد وسلطانه شئ آخر. فقال أعزه الله: إن هذه فلسفة لم يتهيأ هو لفهمها. فيسمح لي إذن أن أقول في غير فلسفة: أ - إن من المعقول أن يكون الحج إلى مكة فرضاً وأن تفضل الشيعة مع ذلك مشهداً على مكة! فالأخ يعرف أن الوقوف بعرفة ركن في فريضة الحج، ويعرف أن زيارة الرسول عليه السلام ليست ركناً في تلك الفريضة ولا واجباً؛ ويعرف في الوقت نفسه أن المسلمين جميعاً يفضلون زيارة الرسول عليه السلام ويتطوعون بهذه الزيارة في غير موسم الحج من أيام السنة؛ ويشدون الرحال لها، ويتمنون المجاورة بالمدينة المنورة، ويؤثرون الموت فيها. ولا أعرف واحداً منهم جاور بعرفة أو حرص على زيارتها. فتفضيل مشهد على مكة يتفق تعقله مع كون الحج إلى مكة فرضاً. هذا هو القدر المعقول في المقام، والذي يتصل بفرضية الحج إلى مكة وتفضيل مشهد عليها. ب - لكن الأستاذ عزاما لا يقول هكذا، بل يقول: (وكيف يعقل أن أمة مسلمة شديدة الغيرة على دينها تعتقد أن الحج إلى مكة فرض، وقاعدة من قواعد الإسلام، كيف يعقل أن هذه الأمة ترى زيارة مشهد أفضل من الحج إلى مكة). ولنا هنا مواقف: إن الرحالة ناقل يخبر، ولا يرد الخبر بهذا الاستنتاج العقلي؛ فأثم التناقض على المفضلين لا على المخبر. ولا يقال لناقل الخبر إنك خاطئ، بل يقال إنه كاذب أو غافل أو غير متحر أو ما إلى ذلك. على أنا لو جاوزنا هذا نرى التناقض المعقود غير ما نحن فيه. فخبر الرحالة أو دعواه - ان شئنا - أن الشيعة تفضل مشهداً على مكة؛ وكذلك تقول عبارة الأستاذ عزام في نقده، وتفضيل مشهد على مكة تفضيل زيارة مشهد على الحج إلى مكة، كما لم يلزم من تفضيل مسجد الرسول عليه السلام على عرفات تفضيل زيارته على الوقوف بعرفة؛ ولن ننسى أن الرحالة - في نقل الأستاذ عزام - يخبر بتفضيلهم مشهداً - لا زيارتها - على مكة - لا على الحج إليها -. ج - والعجب أن الأخ الأستاذ يقحمني أيضاً في مسألة الزيارة والحج ويضع في رده خطاً تحت قوله (زيارة مشهد أفضل من الحج) وكأني كنت فيما كتبت مشتغلاً بنقد استنتاجه لا بتصحيح خبر الرحالة من كتاب شيعي غير عامي؛ والأستاذ بذلك يقول عني إني أدعي (على بعض المسلمين أنهم يفضلون زيارة كربلاء على الحج وهو قاعدة من قواعد الإسلام) وأنه فاتني التثبت في ذلك الادعاء. . الخ. ومن الفكه أن لفظتي (حج) و (زيارة) لم تردا في كلمتي مطلقاً، بل لم تقعا كذلك فيما استشهدت به من كلام العالم الشيعي المحدث مطلقا؛ ولم تردا إلا في الفقرة المنقودة التي نقلتها من كلام الأخ عزام، فكيف حملني عبء هذا الادعاء؟ لا أدري! ولعله هو يدري. وأخيراً، نقل الحالة ثابت تفضيل الشيعة مشهداً مكة متفق مع ما ينقله عالم شيعي عن عالم شيعي ويعد انه متواتراً، وليس يتنافى هذا التفضيل مع فرضية الحج إلى مكة، وليس يلزم من هذا التفضيل زيارة مشهد على الحج المفروض، وهذا التفضيل لمشهد على مكة شئ آخر مغاير لتفضيل زيارة مشهد على الحج إلى مكة؛ وأسأل الله لي ولأخي الثبات والتثبت دائماً.

أمين الخولي في تاريخ الأدب المصري