مجلة الرسالة/العدد 618/البلاغة العصرية واللغة العربية
مجلة الرسالة/العدد 618/البلاغة العصرية واللغة العربية
للأستاذ سلامة موسى
كتاب للأستاذ سلامه موسى يحمل طابعه المعروف، إهداء إلى الأستاذ أحمد أمين لأنه هو الذي أوحى إليه بموضوعه من حيث لا يدري (أحمد أمين بك يوم أن نشر مقالاً في الثقافة) يشير إلى أن الكلمات تتغير معانيها بتغير الزمن والبيئة. . .
والأستاذ سلامة يرى أننا نفكر بالكلمات وكثيراً ما ننخدع فنظن أننا نعالج الأشياء قي حين أننا نعالج الأسماء ونرى أن الكلمات تكسينا اتجاهاً أخلاقياً وتكون لنا مزاجاً فنياً وأحياناً تحمل إلينا رواسب ثقافية قديمة كثيراً ما تضرنا في مجتمعنا، وهو من أجل هذا عالج في كتابه البيئة واللغة، واللغة والتطور البشري، واللغة والمجتمع، والأحافير اللغوية. وتعرض إلى ضرر اللغة (هكذا في الكتاب)
وقارن بين الكلمة الموضوعية والكلمة الذاتية وتحدث عن المجتمع العربي القديم.
وعقد فصلاً حول (الكلاسية داء الأدب العربي). . . الخ وليس في الكتاب بحث يتصل بالبلاغة بمعناها الاصطلاحي إلا كلمة (فن البلاغة)
والكتاب بحوث حول اللغة كأداة للتعبير وحول تبسيطها وإخضاعها للحياة المعاصرة.
ومع أن الكتاب في جملته بحوث تثير التأمل إلا أن الكتاب لم يأت بجديد يحل مشكلة اللغة من ناحية البلاغة؛ لأن نهاية إجهاد قلمه كانت تتلخص في (أن تكون البلاغة بلاغة المنطق والمعرفة بدلاً من بلاغة الانفعال والعقيدة، كما يجب أن نتوقى المرادفات والكلمات الملتبسة وأن نميز بين الكلمة الذاتية والكلمة الموضوعية.
ثم يدعو الأستاذ إلى أن يتأنق (التلميذ) في تعبيره ولكن تأنق الذكاء وليس تأنق البهرجة البديعية. . . وهذه الأماني تحققها كتب البلاغة حتى الكتب القديمة.
والأستاذ يعرف أن بلاغة العقيدة هي أشد أنواع (البلاغات) وأن المترادفات متى استدعتها دواعي البلاغة كانت الزم في تظليل المعنى وإيضاح الفكرة، والفن العاري المجرد لا يهز النفس ولا يمتع الروح، والأستاذ (سلامة) في حاجة إلى أن يراجع آراءه القاسية التي تريد للغة أن يكون من وحي (التلغراف)
وعليه أن يعرف أن فن البلاغة خضع للتطور، وأن أدباء العرب لم يقدموا شيئاً كما ظن فقد بهر جوا الزائف بدقة أذواقهم وقوانينهم التي أجدت على النقد وأسعفت الفن الرفيع.
وأما تعرض الأستاذ سلامة لمنهج العقاد وسلوكه في تأليفه على نهج سلفي وإضافة كثرة الأدباء إلى هذا فندع ذلك وبيان إيضاحه للقراء، ندع أمره والدفاع عنه للأستاذ العقاد. ونحن نعتز بالفصحى ونعتز بمن يعتز بها، ولست أدري. . . لم يضيق الأستاذ سلامة موسى بأحافير اللغة ما دمنا نستطيع الانتفاع بها وما دامت فيها روح الإعجاز والخلود.
واللغات جميعها تنتفع بماضيها وتحي من نفائسها ما يربط مستقبلها وحاضرها بالتليد النافع
وإذا فاتك التفات إلى الما ... ضي فقد غاب عنك وجه التأسي
كامل محمد عجلان
الأطياف الأربعة
للأساتذة أمينة وحميدة ومحمد وسيد قطب
أخرجت لجنة النشر للجامعيين أخيراً كتاب (الأطياف الأربعة) للأخوة الأربعة الأساتذة حميدة وأمينة ومحمد وسيد قطب.
(كتاب كتبه أخوة في الدم، أخوة في الشعور، كلهم أصدقاء، يقطعون الحياة كأنهم فيها أطياف، هم أنفسهم كل ما يملكون في الكون العريض. إنهم أبداً يحلمون وقد يتفزعون في الحلم ولكنهم إليه يعودون. أودعوا خطراتهم صفحات هذا الكتاب، فاحتوى عصارة من نفوسهم وظلالاً من حياتهم) يصف الأدباء الأربعة صوراً خبروها في حياتهم، وحوادث مرت بهم، بعضها يبعث على الأسى، وبعضها يكتنفه الأمل وبعضها يستدر العطف. لوحات فنية رسمها كل منهم بريشته الخاصة وتفكيره الخاص فأخرجوا منها مجموعة يصح أن تزين معرضاً. لقد كشف ذلك الكتاب عن أسرة تعيش في دنيا الأدب، يرتفع أفرادها مرة إلى أفق الخيال البعيد، ثم يهبطون إلى دنيا الحقائق الملموسة، وما يلبثون حتى يحلقوا قي عالم الأطياف والرؤى
أهدى المؤلفون كتابهم إلى (أماه) التي عاشوا وهي معهم غرباء في القاهرة، فلما مضت عنهم تفرقوا في الكون العريض كتابات ضالة ليس لها جذور، وأطياف هائمة ليس لها قرار. ولقد اتصف الصديق الكريم الأستاذ سيد قطب بالوفاء وتسربل بالإخلاص. وتلك الصفة وذلك اللباس يتجليان رائعين فيما كتب من فصول عن (أماه تلك الملهمة التي لا يفتأ الأستاذ قطب يردد ذكراها ويحس بالوحشة إليها. وما أجمل اللوحة التي أبدعها قلمه حين قال مخاطباً إياها (قفي. . . قفي نصمد لعجلة الزمن العاتية كي لا تدور فتسحق كل عزيز وتدفن الماضي الذي نعيش على هداه. ظللي يا أماه حياتنا بجناحيك الرفيقين، ولا تحسري هذا الظل عن مواقعه التي تفيأناها. عيشي معنا يا أماه في هواجسنا وأفكارنا، ولا تبالي أن يلذعنا ألم الذكرى كل لحظة، فهو ألم رفيع عزيز، يغذي من نفوسنا ما كان يغذيه عطفك، ويملأ من وجداننا ما كانت تملؤه رعايتك. جنبينا الفراغ القاتل، والسلوى الرخيصة. . . يا أماه).
والحق أن كتاب (الأطياف الأربعة) ممتع يلتذ القارئ بقراءته حتى ليكاد يستعيد بعض فصوله مرات ومرات؛ فإن الصور الخاطفة التي ساقها مؤلفوه، والمشاعر السامية التي أودعوها صفحاته، والتحليلات النفسية البارعة التي عرضوها فيه، دلت على قدرة مشاعة بين أخوة أربعة، وفطنه مشتركة بينهم، ولباقة أدبية يتميزون بها ويتحلون.
غير أنني أريد أن أهمس في آذان الكتاب الأفاضل، ولا اظنني متحاملاً عليهم، إن مصنفهم اتشح بالسواد واكتنفته مسحة قاتمة من الحزن تكاد تبلغ مرتبة التشاؤم. حتى الغلاف لم يسلم من ذلك الخمار الأسود القائم يجلل صدره. أما كان يجدر بهم أن يضيفوا إلى (الأطياف الأربعة) طيفاً خامساً مرحاً أو باسماً؟ أما كان من الأفضل أن يكون الكتاب معرضاً لصنوف المشاعر، بين فرح وحزن، وابتسام وعبوس، وجمال ودمامة؟
والكتاب فيما عدا ذلك قطعة أدبية فنية رائعة، تحس حين تقرأه اتساقاً وانسجاماً بين فصوله المختلفة تفصح عن مكنونات قلوب كاتبيه السمحة، وميولهم الأدبية الرفيعة.
وديع فلسطين
بكالوريوس صحافة