مجلة الرسالة/العدد 616/رثاء البشرى
مجلة الرسالة/العدد 616/رثاء البشرى
بمناسبة مرور عام على وفاته
لشاعر القطرين خليل مطران بك
وا رحمتا ليَ من صروف زماني ... أَنَّي رمت رَأَت السهامُ مكاني
إني لأسأل والرفاق تحملوا ... أتُرى يطيل عذابيَ الملوان
من مبلغ السلوان مقروحَ الحشا ... سدت عليه مسالك السلوان
منعاك يا عبد العزيز أمضّى ... وأضاف أشجاناً إلى أشجاني
فاجأتني بالنأي قبل أوانه ... هل حرقة كالنأي قبل أوان
أتسوء إخواناً ملكت قلوبهم ... ظرفاً وكنتَ مسرَّة الأخوان
رَبَّ البيان وأنت بالغ شأوه ... أعجزت بالسبق البديع بيانه
أدب يخال مطالعو آياته ... أن الكلام مثالث ومثاني
فقت الذين أخذت عنهم يافعاً ... وبززت من جلوا مِن الأقران
هذا بإجماع فماذا عارضت ... دعوى دعني من سَنَي البرهان
لا خير في زمن إذا ما طاولت ... فيهِ الصِّعادُ عواليَ المُرَّانِ
أحدثتَ أسلوباً وكنت إمامَهُ ... وبقيت فَذّاً فيه مالك ثان
جمع السهولة والجزالة لفظه ... تتخالفانِ حِلىً وتأتلفان
ديباجة عربية مصرية ... نقشت برائعة من الألوان
مَن للنوادر تَجَتْني منها النهى ... ما تشتهى من طيبات مَجَان
مَن للبوادر لا يجود بمثلها ... بل الروية أَحْضَرُ الأذهان
من للدعابة وهي قد قَرَنت إلى ... حلم الشيوخ فراهَةَ الشبان
إن ثَقَّفَتْ لطفت وفي ضحكاتها ... إيماضُ برقٍ لا انقضاض سُنان
نُهَلٌ تساقاها القلوب فتشتفى ... غلَلٌ وتُقضَى للقلوب أمان
بدوات أَلْبقِ كاتب ومحدث ... صافي البداهة بارع التبيان
في جِدِّهِ ومزاحه متصرفٌ ... بيراعة خلابة ولسان
أخَلا من البشرى عصر لم يكن ... فيه على ذاك المثال اثنان شخص قليل ظِلُّهُ طاوي الحشى ... يمشي فلا تتوازنُ الكتفان
طلقُ المحيا إذ تراه وربما ... نَمَّت بكامِن دائه العينان
حُبَّت ملامحه بمسْحَةِ أُدْمَةٍ ... هي من (مِنا) إن شئت أو (عدنان)
وبعارضيه الهابطين وَلِمَّةٍ ... شعثاَء لم تُلْمَمْ من الثَّوَران
وَمَضنّةٌ يطوي عليها صدرَه ... وكأنه أبدا عليها حان
من ذلك التمثال لاحت للورى ... آيات أيِّ حجىً وأيِّ جَنان
حُسنُ المنارة في سطوع ضيائها ... لا في زخارفها ولا البنيان
أما خلائقه فقل ما شئتَ في ... جَمِّ المروءة راسخ الإيمان
ما ضاق صدراً وهو أصدق مسلم ... بتخالف الآراء والأديان
نعم الفتى في غيبة أو مشهد ... نعم الفتى في السر والإعلان
بالعدل يقضى في الحقوق وبالندى ... يقضى حقوقَ الأهل والجيران
يسعى كأدأب من سعى لِمُهمه ... مهما يجشَّم دونه ويعاني
متشمراً بغدوِّه ورواحه ... عَجِلَ الخُطى مسترسل الأردان
لو كان ما في جِدِّهِ في جَدِّهِ ... لعلت مكانته إلى كيوان
لكنه لم يُلْفَ يوماً عاتباً ... أو طالباً ما ليس في الإمكان
ورعى حقيقة نفسه وأجَلَّها ... عن أن تبدل عزةً بهوان
ما منصب فوق المناصب أو غنى ... فوق المطالب غاية الفنان
مهما يزاول فالكرامة عنده ... هي في إجادته وفي الإتقان
ماذا يكون سليل بيت صالح ... عالي المنارة باذخ الأركان
الوالد الشيخ الرئيس وَوُلْدهُ ... شَرْواه في أدب وفي عرفان
صبراً جميلاً يا أخاه وأنت مَن ... بحجاه يدركُ حكمه الرحمن
كم في القضاء تلوح للفطن الذي ... وَلى القضاء سرائرٌ ومعان
وعزاءكم يا آلهُ أن الذي ... تبكونه في نَعْمة وجِنان
وعزاءكم يا معجبين فضله ... فيما دنا ونأى من الأوطان