مجلة الرسالة/العدد 614/رضا الفاروق
مجلة الرسالة/العدد 614/رضا الفاروق
(إلى صاحب المقام الرفيع أحمد حسنين باشا)
للأستاذ محمد الأسمر
(الأبيات الآتية نظمها الشاعر الكبير الأستاذ محمد الأسمر
بمناسبة إبلال صاحب المقام الرفيع أحمد حسنين باشا رئيس
الديوان الملكي من مرضه الذي فاجأه وهو يشيع جنازة
اللوردموين، منتدباً من لدن حضرة صاحب الجلالة الملك
المعظم، وقد كتبها لرفعته الخطاط المبدع الشيخ محمد عبد
الرحمن، وأحاطها بزخرف من فنه الجميل، فجاءت إحدى
طرائف القلم، ونحن ننشرها بمناسبة إبلال رفعته من مرضه
الأخير).
تماثلَ للشفاء عظيمُ قومِ ... إذا مصرُ اشتكت كان الدواَء
عرفناهُ الشجاعَ، فكم دعته ... شجاعتُه، وكم لبَّى الدعاء
سلوا عنهَ الأمورَ إذا ادلهمَّتْ ... سلوا عنه (الرمال) أو (الهواء)
كفاهُ أنه - تفديه نفسي - ... يُقدمُ نفسهُ أبداً فداء
مشي بالأمس ليس يكاد يمشي ... يغالبُ عزمُه الداء العياء
يتابعُ خطوَهُ، والموتُ فيهِ، ... كذا شاءتْ رجولتهُ وشاء
أروني غيرهُ لمح المنايا ... تخف لهُ فما رجع الوراء
مضي قُدُماً يؤدي ما عليهِ ... لواجبهِ؛ فما أسمى الأداء
يُجّثم نفسه أشياء ينسى ... لديها الصارمُ الماضي المضاء
نجا من فتك (غادرةٍ) تمشَّتْ ... لصدرٍ ما حوى إلا الوفاء
ولو عرفتهُ ما عرفتهُ يوماً ... وصدَّتْ عن جوانحه حياء فلولا الله لاقت مصر منها ... ولاقي كلُّ مصريٍ عناء
تساءل معشرٌ عما شفاهُ؟! ... رضا (الفاروق) كان له الشفاء
رعاه الله من ملكٍ كريمٍ ... يرفُّ على رعيتهِ لواء
محمد الأسمر
خواطر في الظلام!
(من ديوان (فوق الحياة) الذي يصدر قريباً)
للشاعر عبد الرحمن الخميسي
- 1 -
أَيُّهذا الغريقُ في الهمِّ يا قَلْـ ... بي سُدًى تَرتَجي نسيمَ الهناءِ
ليسَ للحزنِ يا فؤادي قرارٌ ... أنتَ فيه تغوص دون انتهاءِ
مزَّقَ الصخرُ في الشواطئ جَنْبي ... كَ، إذا أنتَ رُمْت بعضَ النجاءِ
اجتنبْ هذه الصخورَ حراباً ... لك مسنونةً ذوات مَضاءِ!!
فعسيرٌ أراكَ تَدمَى مَزِيقاً ... إنا فيكَ يا ثمينُ. . . بقائيِ
وعسيرٌ أراكَ تَنْشقُّ يا قلـ ... بي أمامي فَتَستفَيض دمائيِ!
فَدَعِ الصخرَ والشواطئَ، واهبطْ ... ما يشاءُ المقدورُ في الْبُرَحاءِ
إنَّ تلك المهاويَ السودَ حتمٌ ... أن تعاني بها صنوفَ البلاءِ
ولئن كنتَ يا فؤاديَ تشتا ... قُ إلى العيشِ فوقَ سطحَ الماءِ
فارتقبْ موجةً من القاعِ تسمو ... بكَ نحو السني ونحو الهواءِ
إنما البحرُ قُلَّبٌ يا فؤادي ... شأنُ هذي الحياةِ والأحياءِ
بينما قاعه على السطحِ أموا ... جٌ عوالٍ تنال ثوب السماءِ
فإذا الموجُ بعد حينٍ قرارٍ ... وإذا العائمُ المُقرَّب. . . ناءِ
- 2 -
يدُ مَن هذه التي دَفَعتَ بي ... وبقلبي إلى خضمِّ الشقاءِ؟ يَدُها؟ بينما أكِبُّ عليها ... طابعاً قُبلةً تبثُّ وفائيِ!
يَدها أم يَدْ الزمانِ. . . أبادتْ ... نشواتي لبُعدِها وهنائيِ
يَدُها أم يدُ الزمانِ؟ أطاحتْ ... بِقلاعي التي بنيتُ ورائيِ
كنتُ شَيدتُ من ظنوني قصوراً ... حَرَما للحبيِبة السمراءِ
شاهقاتٍ يصفقُ الحبُّ فيها ... بجناحين مِن منىً وصَفاءِ
كنتُ أعْلَيتُ من أمانيَّ حتى ... شارفتْ بي مسابحَ الجوزاءِ
كنتُ. . . أوَّاهُ ما الذي هدم السا ... مقَ فاندكَّ في التراب رجائي؟!
ذلك المِعوَلُ الرهيبُ. . . أراهُ ... وهو يَهِوي على رفيعِ بنائي
هو في قبضةِ المقادير سّيا ... نِ لديه تَبَسُّمي وبكائيِ
والليالي وراءه زاحفاتٌ ... ساخراتٌ تضج في استهزاءِ
- 3 -
ذلك الليلُ. . . وهو عندي مكانٌ ... ألتقي فيه بالطيوفِ الوِضاءِ
كنتُ أحيا به، كأنيَ منه ... قطعةً في رحابه السوداءِ
وأبثُّ الرياحَ أوهامَ نفسي ... فَتُغَني بها على الظلماءِ!!
وأُناجي الأشباحَ والفكرَ والأحـ ... لامَ حتى تطلّ عينُ الضياءِ
ذلك الليلُ. . كم تَنَقلتُ فيه ... يَقظاً فرطَ نشوةٍ برجائي
كنتُ أودعته مطامعَ روحي ... وهو يُصغِي ويستجيشُ غنائيِ
والنجومُ التي تَلألأُ ياليـ ... لُ شهودٌ أمامَ حكمِ القضاءِ
أين واريتَ ما سمعتَ من الآ ... مالٍ يا هاتكاً عهودَ الإخاءِ
كيف راحت مطامعي وهي في قلبـ ... كَ سرٌ تلفٌه بالخفاءِ؟!
هي زادي على الحياةِ ومائي ... كيف تأَبَى عليّ زادي ومائيِ؟!
أعِدِ الآنَ للشقيِّ امانيـ ... هِ وإن كُنّ كالسرابِ النائي
أيُها الكاهنُ الجليلُ الذي اهتزَّ ... لشدوي وحارَ في أهوانيِ
أنتَ يا مَن نسجتُ خلدَ قصيدي ... بينِ أحضانهِ وصغتُ غنائي
أيُها الشيخُ. . . يا ظلامُ. . . أعِدْ لي ... أمَلي في شقيقتي الحسناءِ أوحَدَتني على دياجيكَ نفسٌ ... لم تفارقْ تَرَفِعي وإبائي. . .
رضيتْ قسمةً لها بانفرادي ... دون عيشي كسائر الدهماءِ
حَقرَتْ ذلك القطيعَ من النا ... س ولاذتْ بوحشةٍ خرساءِ
لم تعانق سوى العواطفِ والفكـ ... رِ ولم تَتَشِح بغير النقاءِ
غربتي. . . غربةُ المحبةِ عن قو ... مٍ أضاعوا الحياةَ في البغضاءِ
والذي يمتطي المصاعبَ في الدنيـ ... احرامٌ عليه طعمُ الهناءِ
كلما طَهرَ الصباحُ جبيني ... بسناه، علوتُ في استحياءِ
أبتغي النورَ في الذُّرى، وأمَنيِّ ... باكتناهِ المُحَجَبات علائي
وتُصَلي خواطري وهي تسمو ... بي إلى عِالم المعاني الوِضاءِ
بي طموحٌ منِ الحنين لمجهو ... لٍ بعيدٍ. . . مُلَفعٍ بالخفاءِ
واشتياقٌ إلى عَوَالمَ خَلف الـ ... عين، قْامت هناكَ. . . بعد السماء!!
وَمَطَاريِ من الحقائقِ يمتدُ ... رفيعاً، وَيستَحِثُ ارتقائي
قدْ بلوتُ الأنامَ فانكشفَ الستـ ... رُ وساَء الكمينُ تحتَ الطلاءِ
لي نفاذُ يكادُ يخترقُ الأنـ ... فُسَ حتى زهدت في الأحياءِ
أنا يا ليلُ قمة. . . ومٌحال ... أن تطولَ الربي إلى عليائي
كم تَطَلَعتُ. . لم أفُزِ بضريبٍ ... يَتَسامى على حياةِ الرياءِ
كم تَطَلعتُ. . . ثُمَ آبتْ عُيوني ... بدموعٍ سخينةِ بكماءِ. . .
كم تَطَلعتُ. . . فاخترقتٌ فضاَء ... شارداً، يرتمي وراَء فضاءِ. . .
غَمَرتَ هذه الثلوجُ، ثلوجُ الـ ... يأسِ قلبي فَجَمدَتْ أحنائي
لم يكن لي سوى شقيقة روحي ... مُنيَةٌ بين عزلتي وخلائي
أيُّهذا الظلامُ أرجعْ لنفسي ... أمَلى في حبيبتي السمراءِ
إنني قِمَة تَعالَى بها الحقُّ ... غريباً عن سائرِ الأهواءِ
وَحَرَامٌ يُباعِدُ الغيمُ في الأفـ ... قِ ارتفاعي ولا يزينُ علائي
وحرامٌ أطِلُّ حولي فلا ألـ ... قي سوى اليأس مُنذراً بفنائي
إنما تُسأَمُ الحياة. . إذا لم ... تَشدُ من حولها طيور الرجاءِ (القاهرة)
عبد الرحمن الخميسي