مجلة الرسالة/العدد 610/نقل الأديب

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 610/نقل الأديب

ملاحظات: بتاريخ: 12 - 03 - 1945



للأستاذ محمد إسَعاف النشاشيبي

624 - مقالة أبى ذر جندب

في (تاريخ الطبري): أتى أبو معاوية فقال: ما يدعوك إلى أن تسمي مال المسلمين مال الله؟ قال: يرحمك الله - يا أبا ذر - ألسنا عباد الله، والمال ماله، والخلق خلقه، والأمر أمره. قال: فلا تقله. قال: فلاني لا أقول: ليس الله، ولكن سأقول: مال المسلمين. وقام أبو ذر بالشام وجعل يقول: يا معشر الأغنياء، واسوا الفقراء، بشر الذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله بمكاو من نار تكوى به جباههم وجنوبهم وظهورهم. فما زال حتى ولع الفقراء بمثل ذلك، وأوجبوه على الأغنياء، وحتى شكا الأغنياء ما يلقون من الناس. فكتب معاوية إلى عثمان: إن أبا ذر قد أعضل بي، وقد كان من أمره كيت وكيت فكتب إليه: جهز أبا ذر إلى، وابعث معه دليلا، وزوده وارفق به. فلما قدم المدينة ودخل على عثمان قال: يا أبا ذر، ما لأهل الشام يشكون ذرَبك؛ فأخبره أنه لا ينبغي أن يقال مال الله، ولا ينبغي للأغنياء أن يقتنوا مالا. فقال: يا أبا ذر، علَّي أن اقضي ما علَّى، وآخذ ما على الرعية، ولا أجبرهم على الزهد، وأن أدعوهم إلى الاجتهاد والاقتصاد. ودخل أبو ذر على عثمان وعنده كعب الأحبار، فقال لعثمان: لا ترضوا من الناس بكف الأذى حتى يبذلوا المعروف وقد ينبغي للمؤدي الزكاة إلا يقتصر عليها حتى يحسن إلى الجيران والإخوان ويصل القرابات. فقال كعب: من أدى الفريضة فقد قضى ما عليه، فرفع أبو ذر محجنه فضربه فشجه. . .

625 - هؤلاء مماليكنا. . .!

(إخبار العلماء بأخبار العلماء): بلغ ثوسيوس (الشاعر اليوناني) أن عدواً له اغتابه فقال هذا الشعر (على طريقة يونان): بلغنا أن كلباً وقرداً اجتازا بمقبرة سباع، فقال القرد للكلب: اصعد بنا لنترحم على هؤلاء الموتى. فقال الكلب، ومن أين هذه المعرفة بينكما؟ قال القرد: سبحان الله! أما تعلم أن هؤلاء مماليكنا؟ قال الكلب: والله ما أعلم شيئا من هذا ولكني كنت أحب أن يكون أحدهما حاضراً وتقول هذا.

626 - ليس للشيطان ذنب

(تاريخ بغداد): قال مالك بن أنس: لهؤلاء الشطار ملاحة، كان أحدهم يصلي خلف إنسان فقرأ الإنسان: الحمدُ الله رب العالمين حتى فرغ منها ثم أرْتِج عليه، فجعل يقول: أعوذ بالسميع العليم من الشيطان الرجيم، وجعل يردد ذلك فقال الشاطر: ليس للشيطان ذنْب إلا أنك لا تحسن القراءة.

627 - نحب فيها المال والجاها

الشميس الأندلسي:

لله في الدنيا وفي أهلها ... معمْياتٌ قد فككناها

منْ بَشرٍ نحن، فمن طَبْعِنا ... نحب فيها المال والجاها

دعني من الناس ومن قولهم ... فإنما الناسُ أخلاَّها

لم تُقبِل الدنيا على ناسكِ ... إلا وبالرحب تلقَّاها

وإنما يعرضُ عن وصلها ... من صَرفَتْ عنهُ محيّاها

628 - فسماهم الزوار ستراً عليهم

قال العباس بن خالد البرمكي: كان الزوار يسمون في قديم الدهر إلى أيام خالد بن برمك - السؤَّال، فقال خالد: هذا اسم أستثقله لطلاب الخير، وأرفع قدر الكريم عن أن يُسمى به أمثال هؤلاء المؤملين، لأن فيهم الأشراف والأحرار وأبناء النعيم ومن لعله خير ممن يقصد وأفضل أدبا، ولكنا نسميهم (الزوَّار)

وفي ذلك يقول بشار:

وكان ذوو الآمال يُدعون قبله ... بلفظ، على الإعدام فيه دليل

فسماهم الزوار ستراً عليهم ... فأستاره في المجتدين سدول

629 - بين إمامين. . .

في كتاب (سحر العيون):

من بديع الاتفاق أن قاضي القضاة شيخ الإسلام بدر الدين محمود (العيني) الحنفي لما ولي مشيخة المدرسة المؤيدية التي بباب زويلة مالت منارتها فبلغ ذلك قاضي القضاة شيخ الإسلام شهاب الدين أحمد بن (حجر) العسقلاني وكان بينهما ما يكون ما بين المعاصرين فأنشد بديهة:

لجامع مولانا المؤيد رونق ... منارته تزهو على الفخر والزين

تقول وقد مالت عليه تمهلوا ... فليس على حسني أضر من (العين) ى،

فلما بلغ ذلك العيني أجابه بهذين البيتين، والمشهور أنهما من نظم الشيخ شمس الدين النواجي على لسان العيني:

منارة كعروس الحسن إذ جليت ... وهدمها بقضاء الله والقدر

قالوا أصيبت بعين قلت ذا خطأ ... ما أوجب الهدم إلا خسة (الحجر)

630 - افتح عينيك

قال صاحب كتاب (سحر العيون):

كنت حاضراً في مجلس بين يدي شيخنا المرحوم برهان الدين أبي إسحاق إبراهيم بن الملاح - وقد سأله بعض أبناء الأتراك أن يقرأ عليه في العروض، فكسر العين من العروض، فقال له الشيخ: افتح عينك.

631 - فكيف تدعي أنه لا حقيقة لشيء

في كتاب (تلبيس إبليس) لابن الجوزي: حكى أبو القاسم البلخي أن رجلا من السوفسطائية كان يختلف إلى بعض المتكلمين، فأتاه مرة فناظره، فأمر المتكلم بأخذ دابته، فلما خرج لم يرها، فرجع إليه فقال: سرقت دابتي. فقال: ويحك! لعلك لم تأت راكبا، قال: بلى، قال: فكرْ، قال: هذا أمر أتيقنه فجعل يقول تذكرْ فقال: ويحك، ويحك! ما هذا موضع تذكر، أنا لا أشك أنني جئت راكباً. قال: فكيف تدعي أنه لا حقيقة لشيء وأن حال اليقظان كحال النائم، فوجم السوفسطائي.

في (العقد) لابن عبد ربه: دخل رجل على المأمون فقال لثمامة بن الأشرس: كلمة: فقال له ما تقول؟ وما مذهبك؟ قال: أقول: إن الأشياء كلها على التوهم والحسبان، وإنما يدرك منها الناس على قدر عقولهم، ولا شيء في الحقيقة. فقام إليه ثمامة فلطمه لطمة سودت وجهه. فقال: (يا أمير المؤمنين) يفعل بي مثل هذا في مجلسك؟ قال ثمامة: ولعلي إنما دهنتك بالبان، ثم أنشأ يقول:

ولعل آدم أمنا ... والأب حوا في الحسابْ

ولعل ما أبصرت من ... بيض الطيور هو الغراب

وعساك حين قعدت قم ... ت وحين جئت هو الذهاب

وعسى البنفسج زئبق ... وعسى البهار هو السذاب

-