مجلة الرسالة/العدد 61/مشهد ومكة
مجلة الرسالة/العدد 61/مشهد ومكة
بقلم الأستاذ أمين الخولي
المدرس بكلية الآداب
سارت الرسالة في عددها التاسع والخمسين، بكلمة ناقدة للأستاذ عبد الوهاب عزام، عن كتاب (جولة في ربوع الشرق الأدنى) للرحالة محمد ثابت، وقد عناني من هذه الكلمة تفضيع الأستاذ عزام خطأ الرحالة في قوله عن شيعة إيران: إنهم يفضلون مشهداً على مكة فنشطت لكتابة هذه الكلمة لا إنصافاً للناقد والمنقود، فهذا شيء قد يكون عند غيري حسابه، إنما عنيت بذلك لثلاث: إحداهن حب الحقيقة، وإنها لحقيقة أن تبتغى لذاتها، ويجمل إلى الناس تصحيح وخالفها تطوعاً. وثانيتهن: أن في هذا الحديث عن تفضيل الشيعة مشهداً على مكة مثلاً شيقاً طريفاً للباحث النفسي عن فرق ما بين العقيدة والفكرة، وصلة ما بين العقل بمنطقه، والاعتقاد بسلطانه. كما أن أمثال هذه الحقائق النفسية هي الأصول القوية لتفسير التأريخ تفسيراً صحيحاً صادقاً. والثالثة: أننا حين نعمل جادين، وندعو محبين الوحدة الإسلامية، وتقريب ما بين الشعوب الإسلامية على تنائي ديارها، واختلاف أنظارها، يجب أن نعرف الحقائق على ما قد يكون بها من قسوة أو شدة، إذ لا غناء في إنكارها، ولا خير لنا في تناسيها أو نسيانها.
قال الأستاذ الناقد (وأفظع من هذا كله قوله عن إخواننا شيعة إيران، إنهم يفضلون مشهداً على مكة، وكيف يعقل أن أمة مسلمة شديدة الغيرة على دينها تعتقد أن الحج إلى مكة فرض، وقاعدة من قواعد الإسلام، كيف يعقل أن هذه الأمة ترى زيارة مشهد افضل من الحج إلى مكة؟. ربما بالغ عامة الإيرانيين في تعظيم مشهد وغيرها من المزارات الشريفة، كما يبالغ عامة المصريين في تعظيم مسجد سيدنا الحسين، والسيدة زينب، والسيد البدوي، وإبراهيم الدسوقي: ولكن عمل العامة لا تفسر به عقائد الأمة. وهذه كتب الشيعة بين أيدينا تنطق بخلاف ما زعم الكاتب) (ص1399 عدد 59 من الرسالة).
والأستاذ عزام خير من يعرف أن القياس قليل الجدوى وضائع الأثر في مثل هذا المقام. فما لا يعقل وما يعقل قد يُعتقد ويهرب معتقده من الحوار فيه أو الجدال حوله، بل يهرب من طلب النفس تفسيره؛ على أن الأستاذ لو أنصف لذكر من كتب الشيعة التي بين أيدينا شيئاً بعينه يفند هذا الزعم، أو يحتسبه على العامة، فيرد عليهم بدعتهم، كما ترد على عامة المصريين بدعمهم في تعظيم المشاهد المصرية والقبور، ولكنه لم يفعل فلم يرح القارئ.
وكيف يكون الأمر إذا كانت كتب الشيعة تقرر هذا التفضيل المكاني بقسوة وعنف؛ وتجعل مكة وبيتها الحرام ذنباً متواضعاً ذليلاً مهيناً غير مستنكف ولا مستكبر لكربلاء، وإلا هوى الله بها في نار جهنم!!. وهذا عالم فارسي شيعي من المحدثين قد أشرب روح العصر واعتداله أو تساهله إن شئت، وهو مع ذلك ينقل عن قديم كتبهم هذا التفضيل؛ بل يعد المروى فيه متواتراً عندهم!! ذلك العالم هو الشيخ أحمد بن عبد الله الكوزه كناني، صاحب روضة الأمثال في تفسير آيات التمثيل بالقرآن الكريم، وكتابه مطبوع في فارس ومنه نسخة في دار الكتب المصرية.
عقد الشيخ فصلاً (في فضيلة أرض مكة وفضائل بيت الله.) الخ ص187. واستطرد في خلاله بفصل عنوانه (في أن أرض كربلاء أفضل من الكعبة) ص 188 وفيه يقول ما نصه: -
(أقول قد ورد في أخبارنا الخاصة أن أرض كربلاء أفضل من الكعبة مثل ما في البحار عن. . . عن أبي عبد الله. . . قال إن أرض الكعبة قالت منْ مثلي: قد بني بيت الله على ظهري، يأتيني الناس من كل فج عميق، وجعلت حرم الله وأمنه؛ فأوحى الله إليها أن كفي وقري، ما فضل ما فضلت به فيما أعطيت أرض كربلاء إلا بمنزلة الإبرة غرست في البحر، فحملت من ماء البحر، ولولا تربة كربلاء ما فضلتك، ولولا ما تضمنته أرض كربلاء ما خلقتك ولا خلقت البيت الذي افتخرت به، فقري واستقري، وكوني ذنباً متواضعاً ذليلاً مهيناً، غير مستنكف ولا مستكبر لأرض كربلاء، وإلا سخت بك وهويت بك في نار جهنم) إلى مرويات أخرى في هذا المعنى آخرها قول الرسول عليه السلام (يقير ابني في أرض يقال لها كربلاء هي البقعة التي كان عليها قبة الإسلام التي نجى الله عليها المؤمنين الذين آمنوا مع نوح في الطوفان)، ونختم هذا الفصل بقوله (والأخبار في هذه المعاني في خصوص كربلاء متواترة من أرادها فعليه المجلد الثاني والعشرون المسمى بمزار البحار).
فليس الأمر من مبالغة العامة، ولا من عمل العامة الذي لا تفسر به عقائد الأمة ولا نكر على الرحالة، ولا فظاعة فيما أخبر به.
أنا لا أقول بصحة هذه المرويات بل تواترها، وليس يعنيني في شيء مطلقاً أن يستمسك إخواننا الشيعة بها؛ بل أحب ألا يكون لذلك أثر حتى تتضاءل الفروق بين المسلمين، ويهون التقارب، لكن ما لا نحبه قد يواجهنا صارخاً به الواقع.
واكتفى بهذه الكلمة قائلاً مع الأستاذ عزام في ختام كلمتي: إنني لراج أن يتم التعارف بين الأمم الإسلامية، حتى لا يكتب بعضها عن بعض إلا عن علم وروية، وتثبت وانصاف، والله ولي التوفيق.
أمين الخولي