مجلة الرسالة/العدد 6/طرائف من شعر الشباب

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 6/طرائف من شعر الشباب

ملاحظات: بتاريخ: 01 - 04 - 1933



عتاب

للأستاذ محمود الخفيف

أي ذنب جنيت؟ أن فؤادي ... مذ أردت الجفاء يخفق رغبا

أي ذنب جنيت غير ودادي ... أيكون الوداد عندك ذنبا؟

ذاك ذنبي وكيف أقلع عنه؟ ... إن ذنبي تعلتي ورجائي

ذاك دائي ولست أشفق منه ... فهو برئي وسلوتي وعزائي

كيف أُجْزَى على الوداد جفاء! ... وأُسام العذاب من غير ذنب!

كيف أرجو مع الجفاء عزاء! ... إن هذا الجفاء يُذهب لبي

يخفق القلب إن خطرت ويهفو ... وتَمُرين في سكون غريب

وتظنين أنني عنك أغفو ... كيف أغفو ومهجتي في لهيب؟

لست أنسى وقد مررت سريعا ... لم تبالي بحيرتي واضطرابي

نظرة منك خلفتني صريعا ... نظرة الهجر والجفا والتغابي

أزجر القلب إذ أراك وأبدى ... غضبة الحر وابتئاس الوَلوع

أكتم الحزن والتألم جهدي ... فإذا ما مضيت فاضت دموعي

كنت قبل الجفاء طلق المحيا ... أنهب اللهو والسعادة نهبا

كنت طوع الشباب حرا قويا ... لا أرى في الحياة سهلا وصعبا

كنت كالسيل دافقاً لا أبالي ... بملام ولا أخاف رقيبا

هادئ النفس لا أهاب الليالي ... لا أرى في الوجود شيئاً رهيبا

كنت كالطائر المغرد ضحكا ... مستفيض السرور عذب الشباب

كنت كالطفل لست أعرف شكا ... مطمئن الفؤاد جم التصابي

أسبق الشمس كل يوم شروقا ... فأحيي الصباح فوق التلال

أنزل السهل حيث شئت طليقا ... مشرق الوجه سابحاً في الخيال

يرقص الزهر عن يميني اختيالا ... وتغني الطيور صوب يساري

ويفيض الغدير عذباً زلالا ... رائع الحسن مثل وجه النه كنت جم النشاط أقضي نهاري ... (كفَراش الربيع بين الزهور)

دائم الوثب لا يقر قراري ... أملأ السمع من غناء الطيور

جعل الحب كل شيء نضيرا ... وأثار الجمال كامن حسي

وسها الدهر فاغتدوت قريرا ... كل ما في الوجود يبهج نفسي

كنت أنت الجمال ملء عيوني ... كنت أنت الحياة تملك لبي

كنت أنت الهناء ملء جفوني ... كنت أنت الشعور يملأ قلبي

كنت وحي القريض ينفث سحرا ... في فؤادي فيستجيب لساني

أنظم الدر من حديثك شعرا ... أين من وقعه رقيق الأغاني؟

أعشق الكون كله في هواك ... إذ أرى الكون في هواك جميلا

أطلب المجد كي أنال رضاك ... لا أرى في الجهاد عبئاً ثقيلا

كم سقانا السرور كأساً دهاقا ... وحبانا الشباب عيشاً رضيا

كم نهلنا من الوداع رحيقا ... وشربنا الغرام عذبا شهيا

ويح نفسي أذاك عهد تولى؟ ... أم تريدين بالجفاء عتابي؟

ولعمري لقد سئمت فهلا ... آمل الوصل بعد طول العذاب؟

من رآني يهوله اليوم لوني ... واكتئابي ولوعتي وذبولي

وهن العظم في الصبابة مني ... ودهى الناس حيرتي وذهولي

يهمس الناس: قد علاه اصفرار ... ويشير العليم في غير همس

أيها الناس إن دائي خطير ... أو ليس الغرام يضني ويؤسي؟

قتل الحب كم أحل دماء ... من دماء الشباب في غير حق!

ولكم أورث النفوس عناء ... واستباح القلوب في غير رفق!

ليت قلبي يطيعني في غرامي ... حطم القلب في الهوى كبريائي

أيها القلب أنت أصل سقامي ... واكتئابي ومحنتي وبلائي

ويح نفسي! أما لهمي انتهاء؟ ... كدت أقضي صبابة ونحولا

ويح قلبي! أما لقلبي ارعواء؟ ... أو لم يأن أن يثوب قليلا؟

شهد الله، لو تحرر قلبي ... لتمنيت أن يعود أسيرا فاقتليني إذا أردت بذنبي ... سوف أبقى بما جنيت فخورا

كدت أهوى الشقاء لولا اشتياقي ... لذة الحب لوعة واضطراب

أن بعد الغياب يحلو التلاقي ... ويلذ الهوى وينسى العذاب

أخدع القلب في الهوى وأسَرِّي ... عن فؤادي بأنني سأراك

أن هذا الخيال يشرح صدري ... كيف بالوصل حين ألثم فاك؟