مجلة الرسالة/العدد 588/اللغة القانونية في الأقطار العربية
مجلة الرسالة/العدد 588/اللغة القانونية في الأقطار العربية
ووجوب تصنيفها وتوحيدها
للأستاذ عدنان الخطيب
(بقية ما نشر في العدد الماضي)
4 - إن النظام القضائي مختلف اختلافا بينا في الأقطار العربية، ولكنا نجد فوق هذا اختلافا في السماء والمصطلحات، فالمحكمة العليا هي محكمة النقض والإبرام في مصر وهي محكمة التمييز العليا في سورية، وفي العراق هي محكمة تمييز العراق، والمستشار في المحاكم المصرية هو العضو في محاكم سورية والعراق، إلى ما هنالك من أسماء كالقاضي والحاكم والمدعي العام أو العمومي والنائب أو المحامي العام أو الأفوكاتو العمومي ووكيل النيابة ومعاون النائب الخ. . .
5 - لنتجاوز كل هذا إلى القوانين الرئيسية فنجد أننا لم نتفق على اسم قانون واحد منها:
(ا) فقانون العقوبات في مصر والعراق، ولبنان أخيرا، ما زال قانون الجزاء في سورية
(ب) وقانون أصول المحاكمات الحقوقية في سورية والعراق هو قانون المرافعات المدنية في مصر وقانون أصول المحاكمات المدنية في لبنان
(جـ) قانون تحقيق الجنايات في مصر هو قانون الأصول الجزائية في العراق، وأصول المرافعات الجزائية في فلسطين، وأصول المحاكمات الجزائية في سورية
(د) القانون المدني في مصر هو قانون العقود والموجبات في لبنان بينما ما زالت مجلة الأحكام العدلية في سورية والعراق تقوم مقامه
(هـ) قوانين الملكية العقارية والتسجيل العقاري في مصر وسورية ولبنان ما زالت قوانين الطابو والأراضي في العراق.
8 - كيف يمكن توحيد المصطلحات القانونية
لابد لتوحيد المصطلحات القانونية من هيئة علمية عليا تمثل جميع الأقطار العربية، تقر المصطلحات والمعربات اللازمة للكلمات الأعجمية، ثم تتخذ الوسائل اللازمة لنشرها وتعميمها والاعتماد عليها في تشريع كل قطر م يقوم اليوم في مصر مجمع لغوي كريم، وبالرغم من إنه يضم بعض كبار رجال القانون. فإن تمثيله للأقطار العربية، من الناحية القانونية مفقود، مما يدعونا للتأكيد بعدم إمكان الاعتماد عليه كهيئة عربية عليا لإقرار المصطلحات القانونية، لقد قدم إلى هذا المجمع في دورة ماضية أحد كبار رجال القانون في مصر رسالة تتضمن مصطلحات القانون لإقرارها كتعريب رسمي للمصطلحات الفرنسية، وبالرغم من أن هذه الرسالة جاءت محكمة في أغلب المصطلحات الواردة فيها، بليغة في بعض مبتكراتها، فإن فيها مجالا للبحث والمناقشة، وليسمح لي المؤتمرون الكرام بإبداء بعض الملاحظات على هذا المشروع ليتأكدوا من صحة قولي، وسيكون لي أجر واحد إن لم أصب فيها وأحظ باجرين
1 - لاشك أن من المرغوب فيه الإقلال ما أمكن من استعمال أكثر من لفظة واحدة للدلالة على لفظة أعجمية واحدة. ولو كان في العربية مترادفات كثيرة لها، ولكن هذا لا يعني أن نكتفي باستعمال لفظة عربية واحدة لكلمتين أعجميتين مختلفتين إذا أمكن تعريب كل واحدة منهما بلفظة مستقلة، فكلمتا ومثلا عربهما صاحب المشروع بكلمة (مذهب) دون تفريق، واستعمال كلمة عربية أخرى (كمدرسة) أو (طريقة)، ولماذا نعرب عبارة ' بـ (مذهب الوقوف عند النص)، ولا نعربها (بمدرسة الوقوف عند النص) إذا لم نستسغ أن نقول (أهل النصوص مثلا)
ب - يضع المشروع لفظة (لوائح) المستعملة في مصر ترجمة لكلمة الفرنسية، بينما قد يكون من المستحسن أن نعربها بلفظة (الأنظمة) المستعملة في العراق
ج - ويعرب صاحب المشروع - بـ (مرسوم بقانون)، بينما قد يحسن تبني الاصطلاح السوري (مرسوم تشريعي)
د - لم يرد واضع المشروع أن يفرق لنا بين كلمتي وفعرب كلتاهما بلفظة (قانون).
هـ - كما إنه ترجم كلمة بـ (الالتزام) ثم لم يأتنا بكلمة عربية غيرها مقابل لفظة
ووردت في المشروع جملة (وقف الدعوى الجنائية للمدنية) تعريبا لجملة وأرى أن الاصطلاح المعروف في سورية (الجنائي يعقل المدني) يفوقها جرسا وجمالا
ز - وقد ترجمت عبارة بـ (القانون التجاري) بينما جاءت ترجمة بـ (قانون التجارة البحري)، ولست أدري لماذا عدل عن الصفقة إلى الإضافة؟ ولماذا وصف القانون بالبحرية دون التجارة نفسها؟
ح - وأخيرا نجد كلمة عربت بـ (متعهد النقل) ومن الممكن الاكتفاء بكلمة (الناقل)
ولكن أنى لمثل هذه الملاحظات أن تقلل من فخر صاحب المشروع بابتكاراته الخالدة والتي منها:
عقد الإذعان تعريب '
عقد المساومة مقابل -
عقد التمهين مقابل '
هذا إلى جانب كثير من التعاريب الموفقة في إيجازها بالنسبة لما يقابلها مثل:
الخلف العام مقابل
والتسامح بدلا عن
9 - تصفية اللغة القانونية من الكلمات الدخيلة والأجنبية
ليس توحيد المصطلحات كل ما يتعلق باللغة من الأمور التي يجب أن نعمل لها، فهناك كلمات وألفاظ دخلت على لغتنا القانونية بعامل النفوذ أو التشريع الأجنبي، وهناك مشرعون وقضاة لا ينفكون عن إلحاق كلمات أجنبية بالكلمات العربية تعيينا لها وتحديدا
فإذا كانت الكلمات الدخيلة انتشرت بين العامة؛ فهذا لا يعني أن المشرع يجب أن ينزل إلى مستواهم بدل أن يرشدهم ويصحح لغتهم، وإلا لوجب أن يصوغ أوامره أيضاً باللغة العلمية، وإذا كانت الألفاظ العربية غير متفق عليها، فيجب أن يبدأ الاتفاق عليها من هذا اليوم أيضاً. وإذا كان في البلاد العربية تشريع لغته الأصلية غير اللغة العربية؛ فيجب أن لا نسمع بقانون، ولا نرى بعد اليوم قانونا، يطبق في بلد عربي وضع بلغة غير لغة أبناء البلاد الأباة
أي عذر يمكن أن ينتحل للعراق رمز العروبة الخفاق؟ إذا تناول أحدنا قانونه التجاري الذي صدر في مثل هذا الشهر من العام المنصرم، فوجد فيه هذه الطعنات المؤلمة (البورصات) و (السيف) و (القومسيون) و (البوليصة) و (الآفال) و (الكمبيال) و (الجك) و (الكومبيو) و (بوردورو)، و (ليكيداسيون) و (كونه سمان) و (ماركة) و (فاكتور) و (ناولون) و (السيقورطة) و (أكسيون) و (أوبليكاسيون) و (دوكروار) و (ره سي بي سه) و (واران) و (بروتست) و (الونج) و (ره تريت)
لا بل إن المشرع العراقي استعمل في قانونه فعل (التجبير) ومشتقاته فبلغت (135) طعنة في ظهر (التطهير) العربية
وفي مصر رأس البلاد العربية، قضت ظروف القرن الماضي باستعمال كلمات دخيلة في التشريع؛ فسمي المجلس البلدي لمدينة الإسكندرية مثلا بـ (القومسيون)، ولكن المشرع المصري ما زال يستعمل (القومسيون) بدلا عن (المجلس) حتى السنوات الأخيرة وهو ما زال يفسر قوائم الأسعار بـ (كتالوجات) وهو الذي استعمل لفظي (مصرف ومصارف) في تشريع يبحث عن تسليف الزراع لم ينشأ لهم إلا (بنكا) ولا يفتأ في لوائحه بترديد (البنك) و (البنكير)، والمياومين (جوبر) وعمليات (الأربيتراج) والربور - والمحاسبين المحلفين أو القانونيين والبطاقات (الفيشات) ومقدار التخفيض والمطالبات الناشئة عن الغش والتلف الداخلي والخلط
ونحن إذا رأينا الضرورة تقضي باستعمال كلمة دخيلة أو أجنبية في تشريع ما فلنكتف باستعمالها مرة واحدة في كل تشريع، وأي داع يبرر استعمال (البرود كاستنج) كلما وردت جملة (جهاز الاستقبال)، ولماذا تكرر لفظة (دروباك) تسع مرات مثلا في قرار يبحث عن رد الرسوم، أو كلمة (كنتراتات) سبعة عشر مرة تفسيرا لكلمة عقود
هذا في التشريع أما في القضاء فيكفي أن نتصفح أية مجموعة من قرارات المحاكم المصرية لنجد أن كلمة (الخطأ) كثيرا ما تذكر وتعقبها بأحرف لاتينية كلمة وكلمة (غلط في الواقع) وبجانبها وكلمة (غلط في القانون) قبل
وجملة (الخطأ في تطبيق التعريف)، مفسرة بجملة وكلمتي (الرضاء التحليلي) تلحق بهما لفظة
وجملة (إرادة التعبير الخارجي) متبعة بمعناها الفرنسي
هذا في مصر والعراق، أما في سورية قلب العروبة النابض فلا نستطيع أن نحكم على المشرع الوطني الآن، لأنه لم يخرج لنا بعد قوانين مهمة في هذا العهد الجديد، ولكن الغيارى على اللغة العربية النقية تألموا من أن مشروعاً بتعديل مرسوم اشتراعي قديم وضعه مخضرمون في وزارة المالية السورية مر على مجلسنا النيابي في دورته الأخيرة، وخرج قانونا يحوي هذه الألفاظ (بوليصة) و (بوالص) و (مانيفيستو) و (كمبيالات) و (بريم) و (كونكورداتوا) و (جيرو) و (كتلوغات)
بينما لبنان العربي الأشم أخذ يضرب لنا أمثالا رائعة. ففي قانونه التجاري الأخير تجد المشرع حرص كل الحرص على عدم تشويه النسخة العربية منه بالألفاظ الأعجمية؛ فقد استعمل دفتر (صور الرسائل) بدلا عن دفتر (الكوبيا) ودفتر (الجرد والموازنة) بدلا عن دفتر (البلانشو) و (طابع المصنع) بدلا عن (الماركة) وهو لم يستعمل كلمات (كولكتيف)، و (قومانديت) و (أنونيم) توضيحاً (للتضامن) و (التوصية) و (المغفلة) إلا نادرا، وهو قد استعمل لفظة (التعاون) بدلا من (الكوبراتيف) لا، بل إنه أتانا بمصطلحات عربية جديدة؛ فقد استعمل (المؤونة) بدلا عن (مقابل الوفاء) و (الصك المشطوب) عوضا عن (الصك المسطر) (والمشاهد العامة) بدلا عن (السينما والمسارح) واكتفى (بالتظهير) عن (التجيير) و (بالاحتيجاج) عن (البروتستو)، و (نوكيل التفليسة) عن (السنديك) ولم يستعمل أبدا لفظة (كونكورداتو) لإيضاح معنى لفظة (الصلح أو المصالحة).
10 - مقترحات
إذا كان للحرب القائمة من فضل؛ فلاشك أن إليها يعود فضل هذه الروح العربية التي عمت جميع الأقطار، وجعلت (الوعي القومي) يتنفس بين أيدي أطبائه الأشاوس، وما هذا المؤتمر إلا ثمرة من ثماره الطيبة، فعلينا أن نتضافر لما فيه مصلحة الآمال المشتركة والرغبات الموحدة، ومما يسهل مهمة توحيد المصطلحات الحقوقية وإحلال اللغة العربية محلها اللائق الأخذ بالمقترحات التالية:
1 - إقرار تأليف معجم قانوني وانتخاب لجنة تدرس السبل المؤدية إلى ذلك
2 - تبادل المؤلفات القانونية بشكل واسع
3 - فتح فصول خاصة في المجلات القانونية لبحث المصطلحات الجديدة ومناقشتها
4 - السعي لدى الحكومات لإيجاد مكتب عربي للمشاورات القانونية مهمته تقريب التشريع ما أمكن والعمل على توحيده إن أمكن
5 - العمل على توحيد مناهج الدراسة القانونية في البلاد العربية وإيجاد رابطة متينة بين كليات الحقوق العربية 6 - توصية الحكومات بالاعتناء بلغة التشريع والعمل على استبعاد الكلمات البالية أو الدخيلة، ولنا فيما عملته سورية في إقرار لفظة (التنفيذ) بدلا عن (الإجراء)، وفيما قامت به مصر من إبدال كلمة (العدل) بكلمة الحقانية أسوة حسنة وأمل كبير في الوصول إلى أهدافنا القومية وآمالنا المنشودة كاملة غير منقوصة والله الموفق.
(دمشق)
عدنان الخطيب