مجلة الرسالة/العدد 583/مشهد من الفصل الأول من:

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 583/مشهد من الفصل الأول من:

مجلة الرسالة - العدد 583
مشهد من الفصل الأول من:
ملاحظات: بتاريخ: 04 - 09 - 1944



قصر الهودج

للأستاذ علي أحمد باكثير

(كان الخليفة الفاطمي الآمر بأحكام الله مغرماً بحب البدويات

فسمع بجمال فتاة من بادية الصعيد فأرسل إلى أبيها يخطبها

فرد الرسول، فذهب بنفسه متنكراً كأنه رسول آخر من

الخليفة. وطلب من أبيها أن ينفرد بسلمى ليقنعها بقبول الخليفة

فوافق أبوها (الشيخ عمار بن سعد). فلما خلا بها اجتهد بكل

وسيلة أن يجعلها تعدل عن حب ابن عمها (ابن مياح) وتقبل

يد الخليفة الفاطمي ولكن سلمى أصرت على الاعتذار بحب

أبن عمها، وإيثار حياة البادية على حياة القصور. وعندئذ غير

الرسول مهجته وقال لها:

الرسول (الخليفة نفسه):

عِشْتِ يا سلمى طليقَهْ ... لستِ للمُدْنِ صديقهْ

لا تحبِّين مغاني ... ها ولا الدُّورَ الأنيقة

سلمى (يبدو في وجهها السرور):

لطف الله بحالكْ ... قد فهِمتَ الآن قصدي

الرسول:

كيف لا أفهم ذلك ... والذي عندكِ عندي؟

أنا من رأيكِ يا سل ... مى ومَيْلي مثلُ مَيْلِكْ

آهِ لو تسمح لي الأي ... ام يا سلمى بِنَيْلِك! أنتِ لي لستِ لغيري=وأنا لست لغيركِ=إن لي قلباً كقلبِكْ!

سلمى (مدهوشة): عجباً! هل أنت مجنون؟

الرسول:

نعم يا نور عيني ... أنا مجنونٌ بحبّك!

قَسَماً بالدُّرِّ في ثَغْرِ ... ك والوردِ بخدِّكْ

إنني عبدُك يا سل_مى حنانيكِ بعبْدِكْ!

سلمى:

حَسْبك اخْرس! قطع الله لسانك!

الرسول:

يا حياتي حفِظَ الله زمانَكْ!

أتسبّين لساناً يتغنَّى بعبيرِكْ=وجمالِكْ. وشُعاعِكْ؟

سلمى:

بل لساناً كاذباً خنت به عهد أميرك ... باحتيالِك وخداعِك!

الرسول:

الأمير انْسِيه لا تُجرِيه يا سلمى ببالِك=أو خيالِك

أنا خير منه يا سلمى وأولى بجمالِك ... ودلالِك!

سلمى:

آه لو يسمع ما قُلْتَ الملِك=لمحاك السيف من هذا الوجود!

الرسول:

كيف يمحو السيف صبًّا هام بكْ ... حُبُّكِ الخالد أولاهُ الخلود؟

سلمى:

سيف مولانا الخليفة ... سيعافيكَ غداً من جنونِكْ!

الرسول:

ليس بي للقتل خِيفَه ... فلقد ذُقْتُ الرّدَى من عيونك!

(يزحف نحوها ويقترب منها) العيون السود هذِي ... ما لها كُفْوٌ سواي

والجبين الْحُرُّ هذا ... ما له غير هواي!

فَمُك الحلوُ العِقيقيُّ الجميلْ=ما براه اللهُ إلا لفمي!

(تلطمه سلمى بكفها على وجهه)

لطمةٌ منكِ شفاء للعليل ... فأعيديها. . . بروحي ودمي!

(وهنا استغاثت سلمى بأبيها فأراد الوثوب بالرسول فكشف له انه الخليفة فأرتاع الشيخ عمار)

عمار (معتذراً):

ما الذي ضرك لو أخبرتنا ... فاحترمناك أمير المؤمنين؟

الخليفة:

شِئتُ أن أشهد سلمى وأراها ... دون أن تعرف سلمى من أنا

علني أُدرِك من سلمى رِضاها ... فإِذا فُزْتُ به نلتُ المنى!

غير أني خاب فيها أملي ... ولقِيت الهجر منها والصدود

وأشقائي! كل هذي الأرض لي ... غير سلمى لن أفُزْ منها بجود!

سلمى:

لستُ يا مولاي إلا أمتَكْ ... كيف تعصي أمة سيدها؟

إنما كانت تُرجّى رحمتَك ... أنتَ مولاها فهَبْها يدها!

الخليفة: أنا يا سلمى الذي يرجو رِضاك!

سلمى: أنا يا مولاي من ترجو نَداكْ!

الخليفة: أنت يا سلمى التي لا ترحمين!

سلمى: إنما الرحمة حق المالكين!

الخليفة: أنا مِلْكٌ لِغرامِك!

سلمى: أنا مِلْكٌ لِحسامِكْ!

الخليفة: اعلمي غرامي بكِ أمضى من حسامي

لِمَ لا تَغْدين يا مالكتي مِلْك غرامي؟ سلمى: لَسْتُ أهلاً لك يا مولاي!

الخليفة: أنا أهلٌ لكِ يا دنيايْ!

سلمى: أنت أهلٌ لي وأملٌ لِسواي!

علي أحمد باكثير