مجلة الرسالة/العدد 570/جمال وشوك
مجلة الرسالة/العدد 570/جمال وشوك
(إلى أخي الصابر الراضي الأستاذ محمد سعيد العريان)
للأستاذ محمود الخفيف
ياَ حُسْنَها تُعْجِبُ مَنْ ينظُرُ ... صَبَّارَةٌ يا طُولَ ما تَصْبِرُ!
ظَامِي الْحَصَى مَنْبِتهُا مُقْفِرُ ... لاَ نَبْعَ يُرْجَى حَوْلهَا أو يُرَى
إلا لَمِاماً عَارِضٌ مُمْطِرُ
لولاَهُ ما إِنْ عَرَفَتْ مَوْرِدا ... قَدْ حُرِمَتْ في القَفْرِ حتَّى النَّدَى
عَزِيزةٌ تحْيا بِرَغْم الصُّدى ... كَمْ أَشْبَهَتُ في عَيْشِها حُرَّةً
العارُ تَأْبَاهُ وَتَرْضى الرَّدى
مُحْصَنَةٌ ما داعَبَتْها الرِّياحْ ... ولاَ ثَوَى في فَرْعِها ذو جَنَاحْ
لها مِن الشَّوْكِ رهيبُ السِّلاَحْ ... كأنما العِفّةُ لم تَكْفِها
فاتّخَذَتْ أُهْبَتَها للِكفِاَحْ!
واعَجَباَ! أَغْصاَنُهاَ كالنِّصاَلْ ... لَكنما رَفَّ عَلَيْهاَ الجَماَلْ
ما شاَبَ هذا الحُسْنَ قَطُّ ابِتذَالْ ... فَماَ تَراهاَ العَيْنُ مَيَّاسَةَ
تَأَوَّدَتْ في نَزَقٍ أو دَلاَلْ
وحِيدَةٌ أَفْرَدَهاَ الموْلِدُ ... يَتِمَةٌ ماَ هَدْهَدَتْهاَ يَدُ
بالْيُتْمِ لاَ تَشْقَى ولاَ تَسْعَدُ ... ماَ عَرَفَتْ في قَفْرِها راعِيًا
أَو أَسْخَطَتْها عِيشَةٌ أَرْغَدُ
نَعْماَؤُها أَنْ تَجهَلَ الأَنْعُماَ ... وغايَةُ الشِّقَوةِ أَنْ تَعْلَماَ
مَنْ عَيْشُهُ الحِرْمَانُ لَنْ يُحْرَما ... ومَنْ يَعُبُّ الماَء في وفْرَةٍ
كانَ حَرِيَّا أَنْ يُحِسَّ الظما
وحْشيّةٌ ما اتخَذَتْ مِن حُلىً ... إلا التي تَنْسِبُها للِعُلى
ياَ رُبَّ حُسْنٍ إذ يُرَى عاطِلا ... أَصالةُ السِّحْرِ به أَبْرَزَتْ
جَمَالَهُ فَهْوَ يُرَى أَجْمَلاَ
في غَيْرِهاَ إِنْ رَفَّ خُلْوُ الزَّهَرْ ... أَو لاَحَ لِلْعًيْنِ شَهِىُّ الثّمَرْ أَذْهَلَ هَذَا عَنْ سِوَاهً البَصَرْ ... كم زينةٍ في العَيْنِ بَرّاقةٍ
زاغَتْ بها الأبصارُ عَمَّا استَتَرْ
صَبَّارَتي شَقّتْ عَلَيكِ الحياة ... لَكِنّما جُنِّبْتِ أَيدِي الجُناةْ
في وحْشَةِ البِيدِ أَطيلي الصَّلاَة ... زاهِدَةَ الصَّحْرَاءِ لا تحْزَني
ياَ رُبَّ بُؤْسٍ كان فيه النَّجاةْ
يا شَوْكةَ الصَّحْراءِ لَنْ تَعْدِمي ... رِعايةً مِنْ رَبِّكِ الأكْرَمِ
في كَنَفِ البارِيْ لَمْ تَيْتَمِي ... الخالقُ الرزَّاقُ لوذي بهِ
في عُزْلَةِ الصحراء واسْتَعْصِمِي
كم رَاعَني فِيكِ صَريمُ الإبَاءْ ... وتُضْرَةُ العوِد برَغْمِ الشَّقَاءْ
وبَسْمَةٌ فيها الرِّضا والرَّجاءْ ... وَرَوعةُ الحُسْنِ وزَهْوُ الصبَاَ
والطُّهْرُ والعِصْمَةُ والكبرياءْ
صَوَّرْتِ ياَ صَبَّارَتي الناضرةْ ... إِنسِيَّةً كالظبْيَة النَّافِرة
قاَسِيَةٌ شَوْكاتُها زاجِرَه ... رَيَّانةَ العًودِ عَلَى بُؤْسها
ضاحكةً رائعةً ساحِرَه
في نَشْوَةِ المُبْتَهل الزاهد ... وفي خُشُوع الرَّاكعِ السَّاجِدِ
جَلَسْتُ في الصَّحرْاءِ كالعابد ... أَرنو إلى زاهِدَةٍ سبّحَتْ
لله في محرابه الخالد
يا حُسْنهَاَ كم تُعْجِبُ الناظرين ... صَبَّارَةٌ: لَفْظٌ ومعنى مبين
ذكّرْتِ يا عصماءُ قلبي اليقين ... ما أًنتِ يا صَبَّارَتي صُورَةٌ
أَنتِ خَيَالُ الصَّبْر للموقنين