مجلة الرسالة/العدد 566/نحو أدب قومي

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 566/نحو أدب قومي

ملاحظات: بتاريخ: 08 - 05 - 1944



الوادي المقدس

للأستاذ سيد قطب

على ضفافِ الخلودْ ... وفي شِعابِ الزمنْ

والدهر يحبُو وليدْ ... قد كان هذا الوطنْ

يا فجرُ مَنْ ذا رآكْ ... تجولُ تلكَ السماءْ

وليسَ حَيٌّ سِواك ... تُهدِي إليه الضياءْ؟

رأتْك تلك الضِّفافْ ... رأتكَ تلك البُرورْ

رأتْك قبل المطافْ ... وأنتَ طفلٌ غريرْ

وشبتَ والدهر شابْ ... وحنِّكَتْك الحياةْ

والنيلُ بادي الشبابْ ... والزهر يَقْفو خُطاهْ

ينسابُ مثل النَّغَمْ ... في عزف نايِ طروبْ

وكانسيابِ الحُلُمْ ... تُضْفِي عليه الغيوب

خريرهُ صَلَواتْ ... معطّرَاتُ النشيدْ

وموجُهُ أُغنياتْ ... مرتَّلاتُ القصيدْ

يا نيل كم من شِراعْ ... يا نيل كم من سَفينْ

أسْلَمْتَها للوداعْ ... على مدار السَّنِين

يا نيل كم من جموع ... ماجَت بتلك الضفاف

يا نيل كم من زروع ... وذِي وذِي للقطاف

وأنتَ صِنوُ الخلود ... وفي يدْيك الزِّمام

وكل عام تعود ... مُجدَّدَ الأيام

تجرى فتجرمي الحياة ... ويُمْرِعُ الشاطئان

ويستفيقُ الرُّعاة ... وتمرح القُطْعان

ويَنْشطُ الزرزور ... يجمْع العيدان

لِعشه المعْمُور ... بفرخه الوسنا أكادُ خلفَ القرون ... أحس رِكْزَ الجموع

أراهُمُ مُهطعين ... في موكب للربيع

قد شمروا للحصاد ... وخَلَّفوا أمشير

في فرحة الأولاد ... تسابقوا للبكُور

وموكب للرَّواح ... في كل يوم يؤوب

يزُّفه الفلاح ... على مدار الغروب

من الحقول المَرِيعه ... إلى الحمى والديار

تضم فيه الطبيعة ... أبناءها الأبرار

لُحُونُه من صياح ... ومن رُغاءِ النَّعَم

ومن رجيع النُّبَاح ... ومن ثُغاءِ الغنمْ

على مدار القرون ... يسير فيه الرُّعاة

كأنهم خالدون ... ما بُدِّلُوا في الحياة

أحبُّ فيكَ الخلود ... يأيُّها الوادي

أحبُّ فيكَ الصمود ... للْقاهر العَادي

تَصبُّ فيكَ الوفود ... وأنت يقظانُ ساهر

تصوغهم من جديد ... كأنما أنت ساحر

يا مهبط الأسرار ... من الغيوب العميقة

يا موطن الأسحار ... من القرون السحيقة

تأوي إليك الزمان ... خوف البِلَى والفناءْ

يأوي لحصن الأمان ... فيستمدُّ البقاء

ووجهك الفتان ... بِلونه الأسمر

يا طالما يزدان ... بزرعك الأخضر!

ترنُو له عيناي ... في فتنة العاشق

يا أرض يا دنياي ... يا آية الخالق

يا أرض كم تحلمين ... بالزهر أحلام شاعر رُؤاكِ طولَ السنين ... يا أرض، تلك الأزاهر

وريحك المعروف ... يشمه أنفي

في خاطري مألوف ... مميزُ العَرفْ

يا أرض، هذا الصعيد ... مقدس في ضميري

سرى عليه الجدود ... وأخلدوا للقبور

يكاد فرطُ الحنين ... إليهمُ في شعوري

يردهم شاخصين ... إلىَّ خلف الدهور

يا أرض سرٌّ دفين ... مُغَّيبٌ في ثراك

يَرُدُّنا موثقين ... إليكِ أسرَى هواكِ

هذا الثرى المنثور ... في صفحة الوادي

عرفته في الضمير ... رفات أجدادي

يا أرض. هذا النشيد ... من وحيك العبقريِّ

فَاقْضي له بالوجود ... بسرَّك القُدُسِيِّ

(حلوان)

سيد قطب