مجلة الرسالة/العدد 560/منشأ عقيدة اليزيدية وتطورها

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 560/منشأ عقيدة اليزيدية وتطورها

مجلة الرسالة - العدد 560
منشأ عقيدة اليزيدية وتطورها
ملاحظات: بتاريخ: 27 - 03 - 1944



للأستاذ سعيد الديوه جي

- 4 -

(أ)

الاعتقاد بآلهة سبعة

يعتقد اليزيديون أن الله خلق سبعة آلهة من نوره، وكان عمله هذا كمن أوقد سراجاً من سراج. وهؤلاء الآلهة السبعة هم:

الملاك عزازيل وهو (طاووس ملك) رئيس الجميع خلقه يوم الأحد

الملاك دردائل وهو الشيخ حسن خلقه يوم الأثنيين

إسرافيل شمس الدين خلقه يوم الثلاثاء

ميخائيل أبو بكر الأربعاء

عزرائل وهو السجادين خلقه يوم الخميس

شمنائل ناصر الدين الجمعة

نورائل بدين السبت

وقال لهم الله إني خلقت السماء فليصعد كل منكم وليخلق شيئاً، فصعد الأول وخلق الأرض، وصعد الثاني وخلق الشمس، والثالث القمر، والرابع الفلك، والخامس (المصرفع) أي نجمة الصبح (والسادس الفردوس، ثم جهنم. ثم صعد الله إلى محله وتناوب هؤلاء الآلهة السبعة إدارة العالم منذ طوفان نوح إلى الآن، وكل منهم تولاه ألف سنة دون أن يتدخل أحدهم في شأن الآخر. والحكم الآن والتدبير (بين طاووس) وهو رئيسهم والمتأمل في آلهتهم يجد أنهم - ما عدا طاووس ملك - مشايخهم الذين أضلوهم عن الطريق، وأولهم الشيخ حسن، وهو أول من بدل دينهم. وهذا نتج عن الغلو في حب هؤلاء المشايخ حتى أدى إلى تأليههم. والاعتقاد بآلهة سبعة هو اعتقاد الصابئة؛ ولعل هذا الاعتقاد سرى إليهم من صابئة (حران)، وقد علمنا أن هذه المدينة كانت منذ العهد الأموي من أشد الناس تعصباً للأمويين وأنها كانت كذلك مركز الصابئة في صدر الإس (ب) الشيطان (طاووس ملك)

ويعتقدون أن الشيطان - ويسمونه (طاووس ملك) - أشد هذه الآلهة بطشاً، وأنه أقربهم إلى الله تعالى؛ بل إن سلطانه في بعض الأحيان لا يقل عن سلطان الله جل وعلا، وأنا مختص بالملة اليزيدية. وقد جاء عندهم ورأوه، وينكرون أمر طرد من الجنة. جاء في مصحف رش: (إن الأمم لا تعرف ذلك فنقول إن إلهنا نزل من السماء مطرودا محتقراً ولذا يجدفون عليه، فقد غلطوا بذلك وضلوا، أما عندنا نحن اليزيدية فلا نقبل ذلك، لأننا نعرفه وحدنا وهو واحد من السبعة الآلهة المذكور آنفاً ونعرف صورته وشخصه وهي صورة الديك، فلا يجوز لأحد أن يلفظ اسمه أو ما شابه اسمه كالشيطان والقبطان وشروشط وما شاكل ذلك، ولا لفظة ملعون أو لعنة أو نعلبذ أو ما أشبه، فكلها حرام علينا لفظها احتراماً له. وإذا جدف عليه أحد أو نطق بما شابه ذلك أمام يزيدي يجب على اليزيدي أن بقتله أو يقتل نفسه. أما بقية الطوائف فلا تعرف هذه الأشياء كلها، لأنها لا تعرف طاووس ملك ولا يعرفها ولا ينزل عن حدها. أما نحن معشر اليزيدية فأني عندنا وسلم لنا الآيات والحقائق والقوانين، فصارت كلها بالتناسل وراثة من الوالد إلى ابنه ثم صعد إلى السماء). وفي (مصحف رش) ما يستفاد أن (طاووس) هو المتسلط على العالم الفعال بلا منازع ولا يسمح لغيره من الآلهة أن يتدخل في أمره. قال (طاووس ملك) (أنا موجود ولبس لي نهاية. أنا رتبت منذ القديم تدابير العالم وانقلاب الأجيال وتعرف مديريهم لي تسلط على كل الخلائق، وإلى تدبير مصالح كل الذين تحت حوزتي وقبضة يدي. أنا حاضر سريعاً عند الذين يثقون بي ويدعونني وقت الحاجة، ولا يخلو مني مكان في الدنيا كلها. أنا مشترك في كل الوقائع التي يسميها الخارجون شروراً لأنها ليست تحسب مرامهم) وهو فوق هذا متسلط على بقية الآلهة وهم قاموا بوظائفهم حسب إرادة هذا الرئيس.

ومن لم يفعل ما يأمره به (طاووس ملك)، فإنه يندم. جاء في الجلوة: (لكل زمان مدبر مشورتي. ويندم ويحزن الذي يقاومني. جميع الآلهة ليس لها مداخلة في شغلي. بيدي قوة وسلطة على جميع ما في الأرض فوقاً وأسفل) وطاووس ملك نوصي أتباعه أن يخلصوا لتعاليمه ويدافعوا عنها فإن فعلوا هذا، فإنهم يجدون في أنفسهم لذة وفرحاً وينالون خيراً منه. وأما الذين يقاومونه فإنه يسلط عليهم الأوجاع الأسقام. وهو الذي يعطى. ويمنع والعظمة والثروة بيده يعطيها لمن يختاره من بني آدم، ويمنعها عمن يسخط عليه. ويروون حكايات كثيرة تدل على تسلطه على بقية الآلهة، وإنه يفعل ما لا يقدر غيره من الآلهة أن يفعله حتى ولو كانت هذه الأفعال خلافاٌ لأمر الله غز وجل. ومن ذلك: أن الله غضب على عيسى بن مريم مرة فأخذه ونزل به الأرض وألقاه في جب ووضع طبقاً كبيراً من الحجارة على فوهة الجب لئلا يخرج، وبقى هذا المسكين يعاني آلام الوحدة والوحشة والجوع والعطش، وأخذ يستغيث بالآلهة واحداً بعد آخر فلم يجبه أحد خوفاً من الله. وأخيراً خطر بباله طاووس ملك فاستغاث به فما كاد يسمع صوته حتى هرع إلى الأرض وأخرجه من الجب وصعد به إلى السماء. ولما رآه الله جل جلاله سأله من أخرجك؟ قال له: طاووس ملك. فقال له الإله: لا بأس بذلك، لأن طاووس ملك عزيز علىّ ولا أرد له عملاً وأن غيره لا يقدر على إخراجك من محبسك إلا بأمري

أما عدم سجوده لآدم فيعتقدون أنه كان محقاً في ذلك، وكان بفعله هذا ممتثلاً لأمر الله تعالى ولم يخالفه، وإنما نال القربى منه بعد أن حاجه في فعله، وذلك (أن الله عندما خلق السموات والأرض سلم مفاتيح الخزائن إلى طاووس ملك وأوصاه أ، يفتح هذه المخازن كلها إلا واحداً. ولكن طاووس ملك فتح المخزن الذي نهاه الله عن فتحه فوجد فيه ورقة مكتوباً عليها: (لله ألهك تسجد، وله وحده تعبد) فأخذ الورقة واحتفظ بها. ولما خلق الله آدم وأمره بالسجود له أبى، فألح عليه، وأصر طاووس ملك على عدم السجود، وأراه الورقة. فقال له الله تعالى: أفتحت البيت الذي نهيتك عنه؟ قال: نعم. قال له الله: (هرطوقى) باللغة الكردية ومعناها (اذهب إلى الطوق) وهو طوق حديدي يضعه الله في رقبة من يغضب عليه. ولكن الله تعالى لما وجد حجة طاووس ملك قوية وأنه محق بفعله ممتثل لأمره رضى عنه وأرجعه إلى السماء. ويقولون: (هل يمكن أن أحداً يغضب عليه أبوه ويطرده إلى الأبد؟ كلا. إنما غضب عليه ثم رده حالاً احتراماً له)

وأما إغواء آدم وطرده من الجنة، فكان بأمر (طاووس ملك) جاء في الفضل الثاني من مصحف رش: (وأمر جبرائيل أن يدخل آدم إلى الفردوس، ويأمره بأن يأكل من كل الشجر ما عدا الحنطة. وبقى آدم مائة سنة. فقال (طاووس ملك) لله كيف يكثر آدم وأن نسله إن لم يأكل من شجرة الحنطة؟ فقال له الله تول أنت، سلمت الأمر والتدبير بيدك. فجاء (طاووس ملك)، وقال لآدم هل أكلت من الحنطة؟ أجاب آدم كلا، لأن الله قد نهاني. قال (طاووس ملك) كل من الحنطة فتغدو أحسن، ثم أكل آدم من الحنطة وللوقت انتفخت بطنه وأخرجه من الفردوس وصعد إلى السماء. وكان آدم خزيناً كئيب الخاطر يبكي وينوح. ويعتقدون أن سبب الطوفان الأول هو من استهزاء الجنس البشري الذي تناسل من آدم وحواء (أي اليهود والنصارى والإسلام) بإلههم. ولهذا سلط عليهم (طاووس ملك) المياه وأغرقهم. ثم أعقبه الطوفان الثاني الذي مضى عليه سبعة آلاف سنة حكم به كل إله ألف سنة ينزل في أرض (اليزيدية) لأن كل الأماكن المقدسة عندهم. وفي هذا الزمان قد أقام عندهم (طاووس ملك) وهو يكلمهم باللسان الكردي من عهد آدم إلى الآن وجميع وصاياه وتعاليمه أملاها عليهم بهذه اللغة لقدمها

وإن سبب مقاطعتهم للعن وما أشبه هذه اللفظة فإنه بدأ في زمن (الشيخ عدي الكبير) وذلك لأنه عندما وجد تفاقم أمر اللعن عند الحزبين الأموي والعلوي - كما مر آنفاً - حرم عليهم كل لعن ليجتث هذه السنة السيئة من أساسها. ثم تطورت هذه الفكرة بعده على يد أحفاده الضالين المضلين فحرموا اللعن حتى على الشيطان والنطق باسمه واستعاضوا عنه (بطاووس ملك) وإني أرجح أن يكون لفظ (طاووس ملك) محرفاً عن (طاغوت) وقد ورد هذا اللفظ في عدة أماكن في القرآن الكريم بمعنى الشيطان، منها قوله عز وجل: (الذين آمنوا يقاتلون في سبيل الله، والذي كفروا يقاتلون في سبيل الطاغوت، فقاتلوا أولياء الشيطان إن كيد الشيطان كان ضعيفاً) واليزيدية ينطقونه (طاغوس ملك) والتقارب قوي بين اللفظين

والخلاصة أن عقيدة اليزيدية في الشيطان مرتبكة جداً، ومن الصعب أن نقف على أول دخولها عندهم وعلى تطورها حتى آلت إلى ما هي عليه من الارتباك. وأعتقد أن هذا الارتباك في أمره نتج عن أمية هذه الطائفة، وخاصة أن كتبهم المقدسة كتبت في عهد قريب على ما يظهر من سقم عباراتها وابتذال ألفاظها وارتباك معانيها. كما أن القراءة والكتابة محرمة على كافة اليزيدية ما عدا طبقة الملالي وقم الذين يدعون أنهم من نسل (حسن البصري)

وهم يذكرون متناقضات عنه: تارة بأنه خلق العالم منذ الأزل وأنه متصرف فيه، وأن كل صغيرة وكبيرة لا تكون إلا بأمره، وأن جميع الآلهة قاموا بإدارة العالم بمشورته، وإن الله لا يرد له عملاً. ومن جهة أخرى إن الله خلقه كما خلق بقية الآلهة، وإنه غضب عليه وطرده من الجنة ثم أعاده وغير ذلك. ولا شك في أن عقيدتهم فيه متأثرة بالديانة (الزردشتية) فهو إله الشر (وأعماله التي يقوم بها خير بخلاف ما يظنه أهل الملل الباقية إنها شرور، فهي شرور عليهم لأنهم لا يعرفون حقيقتها ولا يعرفون (طاووس ملك)، ولكنها بالنسبة إلى الأمة اليزيدية التي تعترف به والتي يحيها هو، وقد اختارها من دون الخلق، خير وسرور وسعادة)

(البقية في العدد القادم)

سعيد الديوه جي