مجلة الرسالة/العدد 558/الكتب

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 558/الكتب

ملاحظات: بتاريخ: 13 - 03 - 1944



بعض رواد الأقصوصة المصرية

1 - أقاصيص من القهوة

2 - شعاب قلب

للأستاذ دريني خشبة

سعدت هذا الشهر بهديتين من أمتع الهدايا التي أوحت إلى موضوع هذا المقال، وهما مجموعتان من الأقاصيص، أولاها مصرية، والأخرى مصرية سورية، وصاحب المجموعة الأولى وأقاصيص من القهوة، هو شاب من خيرة شبابنا العصاميين، ليس أستاذاً في جامعة، ولا مدرساً في مدرسة، ولا محرراً في صحيفة. . . إنه شاب ممن آثروا الأعمال الحرة فنجحوا فيها لأنهم لم يستحيوا منها. . . إنه صاحب قهوة في مدينة دمنهور، إنه صديقي الأستاذ عبد المعطي المسيري الذي قدمه للقراء في الأمة العربية قاطبة الدكتور طه حسين، منذ عشر سنوات أو نحوها، بمناسبة كتيّبه القصصي الجميل (الظامئون)، الذي أهداه إلي في ذلك الحين، فكأن القطرة الأولى في كأس إخائنا المتين. والأستاذ المسيري قاص هادئ، يجري على فطرته، غير متأثر بأحد من كتاب القصة أو الأقصوصة في مصر أو في غيرها، وإن خيل إليه هو أنه صدى لهؤلاء القصاصين، وهذه إحدى النواحي الضعيفة فيه

كذلك من نواحي الضعف الشديد في الأستاذ المسيري أنه يبالغ في الاستخفاف بمنزلته في عالم القصص. فهو يتمنى أن تنشر له إحدى المجلات الممتازة شيئاً من هذه الأقاصيص التي ينشئها، ثم يطويها حتى يأذن الله فينشرها في إحدى مجموعاته. ولست أدري إن لم تنشر مجلاتنا هذا النوع الرفيع من القصص، فماذا عساها أن تنشر؟ أخشى أن يكون الأستاذ المسيري قد ترجم لنا عن مكنونات نفسه في تلك القصة الجميلة الثالثة التي أرسلها إلينا والتي طلبت فيها البطلة إلى البطل أن يكون أديباً ذائع الصيت ملحوظ المكانة في عالم الأدب، لأنها تمنى نفسها بأن تراه كذلك. وأخشى أن تكون القصة (عمتي) التي قلد فيها الأستاذ المازني هي تاريخ قصير لحياة المسيري نفسه. فالطفل الذي توفيت أمه ووكله أبوه إلى عمه الطفل لتنشئه على هذا التخويف المستمر بالعفاريت و (البعابع) لا بد أن ينشأ على استعظام كل شئ واسترهابه، وإن خيل إلى الأستاذ المسيري أن الوالد اللبق استطاع أن ينقذ ولده من عقابيل ما صنعته العمة المحترمة. . .

إن هذه الأخطاء اللغوية التي يعترف الأستاذ بورودها في مجموعته وذلك في المقدمة لا تنقص من قيمة أدبه وفنه مطلقاً، وإن كنت أبغض أشد البغض أن يتهاون أحد من الكتاب أو أن يغض من أمر اللغة. وبالرغم من ذلك، فأقاصيص من القهوة، هي من أمتع ما قرأت من مجموعات القصص المصري الحديث، وهي شئ يبشر بمستقبل باهر ونضج قريب للأقصوصة المصرية التي هي ظاهرة من أقوى ظاهرات الأدب وأحبها إلى القلوب؛ فأقصوصة (حلة العيد) و (الحاج بكار) ثم قصة (الحياة في القهوة) لا تقل عن أبدع ما أنشأه تشيكوف وأندرييف وجوركي من القصص القصيرة. وليس هذا كلاماً نلقيه على عواهنه، فلمن شاء أن يقرأها وأن يرى بعد ذلك رأيه فيما نقول. . . وسأذكر دائماً أن ميزة الأستاذ المسيري هي قدرته على تحديد هدف القصة، وخلق موضوعها خلقاً كاملاً طريفاً

أما المجموعة الثانية (شعاب قلب) فهي للأستاذ الصديق حبيب زحلاوي المعروف بسعة اطلاعه على طرف الأدب الغربي وقدرته على تميز جيده من رديئه. والأستاذ زحلاوي من أدبائنا العصاميين أيضاً، فهو - كالأستاذ المسيري ليس أستاذاً في جامعة، ولا مدرساً، ولا محرراً صحفياً. . . لكنه من الشباب الذين آثروا الأعمال الحرة، وهم مع ذاك من رجال الأدب. فإلمامهم بالحياة - مصدر الأدب الأول، ومعين المعرفة الذي لا ينضب، ونبع التجارب الذي لا يغيض، هو إلمام الأديب الفيلسوف الناقد الذي يستطيع أن يرد كل شئ إلى أسبابه وأن ينفذ إلى علل الأشياء فيجلوها ويبسطها تبسيطاً عجيباً. . . وشعاب قلب كما قدمنا مجموعة من الأقاصيص التي تشبه المرآة السحرية، تنظر فيها الحسناء السورية، فترى في المرآة حسناء مصرية. . . وقد يحدث العكس. وإذا صح أن نشكر رذيلة من رذائل الماضي، فنحن نشكر للعسف العثماني في أسود عصوره الخالية مطاردته للأدباء اللبنانيين والسوريين لتنال مصر نصيبها الأوفى منهم، فقد ولى معظمهم وجوههم شطر مصر، فأووا منها إلى ركن أمين. . . ولله حبيب إذ يقول: (طوتني مصر كما طوت الآلاف من الناس الذين وفدوا مثلي عليها، فأقلمتني بإقليمها، ونفخت في روحها، وألهمتني وحي بيئتها، فصيرتني كأحد أبنائها، أقوم بالواجب المفروض بمثل ما يقوم به كل مصري مخلص حر. ولما كنت أعود بذاكرتي صوب الشام، مسقط رأسي ومهد حداثتي، كنت أحس بالحرمان يمزقني ويكبت روحي، وأشعر بالواقع يسترضيني ويتودد إلى. . . حقاً لقد علمتني مصر أن أرى فيها وطني وأهلي، ولقد تعلمت منها كيف أبادلها جميلاً بجميل ووفاء بوفاء. لقد علمتني كيف أحبها وكيف أحافظ على حبي مسقط رأسي ومهد ذكرياتي، وكنت أصيح بسمعي دائماً إلى أنات قومي وأوجاعهم وأسعى جهدي إلى مزجها بأنات إخواني المصريين الموجعين!. .) هذه آيات الوفاء ينبض بها قلب مخلص وفي. . . ونحن والله نرد التحية بأحسن منها، ونشكر المقادير التي وحدت آلامنا وأمانينا حتى أثمرت هذا الثمر الجني. . .

ثم ما أجمل بعد هذا شعاب قلب! إنها أرواح صداحة تملأ الكون شعراً وجمالاً وموسيقاً، وإن غسلته بالدموع أحياناً. . . إنها صور وافرة تزدحم بها السطور ازدحاماً عجيباً، فهذه الفكرة تدفع في ظهر تلك، وتلك تأخذ بتلابيب التي بعدها. . . فهلا انتظمت جميعاً في قصيدة رائعة واحدة؟! إنها شعاب قلب حقاً. . . بل هي قطع من قلب معذب، ونفس حائرة، تجيد العناء والبكاء والضحك، كما تجيد النفاذ إلى قلوب المحبين ونفوس الموجعين ومهج الحزانى. . .

ولكن. . . وآه من لكن الملعونة هذه!

ما هذا اللغو يا صديقي الذي لغا به صاحبك في أقصوصة الآباء البيض! ومن زعم له أن لا فائدة من علوم الكهنوت للذين يتهيأون لأن يطلوا على أرجاء الحياة السحيقة من كوّات الدين، وأن علوم الدين على وجاهتها وقداستها تغل العقول وتضيق الأذهان وتبلد الرجولة في الإنسان؟. . .

وما هذه الأحلام المزعجة عن خيانات الأزواج والزوجات؟ وفيم كل ذلك العنف وكل تلك الألوان الصارخة. . . حيث كانت الألوان الرمادية، والألوان الصافية - الألترامارين! - ألطف وأحرى وأنسب؟ أما النادي الشرقي، فقضيته في مجموعتك البديعة لا تقام إلا فيه، لأن فيه قضاتك. وأما اللغة وأغلاطها الكثيرة التي نبهك إليها الأستاذ العقاد في المقدمة فهي سوءة لا تغتفر لك دريني خشبة

أبطال الإسلام: لمحمود نصير بك

في هذا الكتاب أربع وعشرون ترجمة لأربعة وعشرين بطلاً من أبطال الإسلام اختارهم المؤلف الفاضل ليعرضهم عرضاً تاريخياً؛ ليكون للأمة الإسلامية في كل بقعة من الأرض من سيرهم وروائع بطولتهم مثل تدفع الأبناء إلى التأسي بالآباء؛ وتحفزهم إلى العمل على استكمال عدتهم، لتتم لهم كرامة هذه الأمة العربية التي خرجت من ثنيات الوديان وكثبان الرمال ومضارب الصحراء، إلى الممالك العريقة ففتحتها ونشرت عليها راية الإسلام، وبثت فيها تعاليم القرآن.

وهذا المقصد الكريم هو الذي دعا محمود بك نصير في سنة 1924 إلى نشر تلك التراجم تباعاً في جريدة اللواء المصري؛ وهو الذي دعاه في سنة 1944 إلى جمع تلك التراجم في كتاب واحد، حتى يكون الرجوع إليها سهلاً؛ والاستئناس بها ميسوراً

لقد عبت في كلمة سابقة من (الرسالة) وفي هذا الموضع بعينه على من يجدون في رجال الغرب وفي معارك الغرب مجالاً لأقلامهم وميداناً لكتابتهم؛ فعندنا في تاريخ الإسلام والعرب من تفخر بهم البطولة، وتعتز بهم الرجولة، وتزهى بهم المواقف، وتتباهى بهم المعارك. وفي (القادسية) (واليرموك) (وذات الصواري) وفي (عمر) (وسعد بن أبي وقاص) (وخالد ين الوليد) (والنعمان بن مقرن) شواهد من الخبر

ولقد أنصف صديقنا محمود بك نصير حين أنصت لدواعي دينه، ودوافع إيمانه، فأرضى ربه وقومه وإسلامه بهذا الكتاب الكريم

محمد عبد العني حسن