مجلة الرسالة/العدد 555/البريد الأدبي
مجلة الرسالة/العدد 555/البريد الأدبي
والعاديات ضبحا
يقول العالم الدكتور زكي مبارك في مقاله (إلى أصدقائي في لبنان) في هذا الأسبوع في (المصري) الغراء:
(مجد مصر اليوم هو مجد أقلامها، وهو المجد الجدير بالخلود، وقد أقسم الله بالقلم ولم يقسم بالسيف)
قلنا: إن من حفظ كتاب الله معنا قدسها باله عن قوله تعالى: (والعاديات ضبحا، فالموريات قدحا، فالمغيرات صبحا، فأثرن به نقعا، فوسطن به جمعا - إن الإنسان لربه لكنود)
والقسم بالخيل هو مثل القسم بالسيف. والخيل من العدد التي أمرنا الله في (الكتاب) بإعدادها للدفاع وللجهاد بقوله:
(وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة، ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم)
قال شيخنا الأستاذ الإمام الشيخ محمد عبده (رحمه الله ورضى عنه) في تفسير تلكم الآيات الكريمات في (سورة العاديات):
(أقسم بالخيل متصفة بصفاتها التي ذكرها، آتية بالأعمال التي سردها، ليتوه بشأنها، ويعلي من قدوها، في نفوس المؤمنين أهل العمل والجد. . . وكان في هذه الآيات القارعات وفي تخصيص الخيل بالذكر في قوله: وأعدوا لهم الآية. . . وفيما ورد من الأحاديث التي لا تكاد تحصى - ما يحمل كل فرد من رجال المسلمين على أن يكون في مقدمة فرسان الأرض مهارة في ركوب الخيل. . . أفليس من أعجب العجب أن ترى أمماً، هذا كتابها قد أهملت شأن الخيل والفروسية إلى أن صار يشار إلى راكبها بينهم بالهزؤ والسخرية. . .؟
أليس من أغرب ما يستغرب أن أناساً يزعمون أن هذا الكتاب كتابهم يكون طلاب العلوم الدينية منهم أشد الناس رهبة من ركوب الخيل، وأبعدهم عن صفات الرجولية، حتى وقع من أحد أساتذتهم المشار إليهم بالبنان عندما كنت أكلمه في منافع بعض العلوم وفوائدها في علم الدين - أن قال (إذا كان كل ما يفيد في الدين نعلمه لطلبة العلم كان علينا إذن أن نعلمهم ركوب الخيل) يقول ذلك ليفحمني، وتقوم له الحجة علي، كأن تعليم ركوب الخيل مما لا يليق، ولا ينبغي لطلبة العلم. . .) وبعد فقول الزميل الجليل: مجد مصر اليوم هو مجد أقلامها) قول حق. وإنها لظافرة - وهناك تلك العزائم والهمم - بالمجدين عظيمين. و (العلم مذ كان - محتاج إلى العلم) كما قال عمارة اليمني في الميمية العبقرية، وقد كان مجد وإنه ليعود، ومن ساد في القديم ورام العلاء فلابد أن يسود وألف سنة في العز والسلطان لن يذهب سدى. وكتال الله نتلوه كل يوم، وفيه تحريض، وفيه تذكير، وفيه تبشير، وفيه الضياء، وفيه الهدى (فمن تبع هداي فلا خوف عليهم، ولا هم يحزنون)
(القاهرة)
أزهري
تميمة الأسلوب
قضيت ما قضيت من زماني وأنا نهبة للنمائم، ولم يبق من البلية إلا أن ينم عليَّ أسلوبي. وكنت أظنه يحفظ أسراري، عفا الله عنك يا أسلوب المبارك!
أقول هذا وقد حاول ناس أن يقلدوا أسلوبي ليؤذوني، كالذي يصنع الكاتب المجهول، والكاتب المعروف، والدكتور بديع الزمان، والسيد فلان، والفتى الأزهري، والأستاذ الجامعي، وهي أسماء رجال من تلاميذي، فلله الحمد وعليه الثناء
وأنا لن أخذل تلاميذي، ولن أنهاهم عن تقليد أسلوبي، لأني دعوتهم إلى أن يكونوا صورة من روحي وعقلي وبياني
ولكن من هذا الكاتب الذي يتبهنس في العدد السالف من مجلة الرسالة فيحمل الدكتور زكي مبارك جرائر الكاتب المجهول؟
من هذا الكاتب وهو لا يمضغ إلا كلاماً حاورني به منذ عشرين سنة في بيت القاياتي؟
إنه يتمسح بالدين لينتصر عليَّ، وليس هناك، فالإسلام لا يعرف أمثاله، لأنه دين حقائق لا دين أباطيل
ولو كان مسلماً صحيح الإيمان لستر أخطائي إن كنت من المخطئين، ولكنه مسلم بالصورة لا بالحقيقة، ولن يقام لتحديه ميزان، لأنه أضعف من أن يقام لتحديه ميزان.
زكي مبارك 1 - الشيخ الشنقيطي
في صباح الخميس الثامن من صفر سنة 1363 توفى العالم الغزير العلم والرجل القوي العزم الشيخ محمد حبيب الله الشنقيطي عن 68 سنة. ولد رضى الله عنه في بيت علم ورياسة بشنقيط، وتلقى أكثر العلوم على كبار مشايخ القطر الشنقيطي من أقاربه وغيرهم، ثم هاجر إلى مراكش فعلم به السلطان مولاي عبد الحفيظ فاصطفاه أخذ العلم عنه، ثم استأذنه وهاجر إلى المدينة المنورة فجاور هناك، وبعد الحرب العامة الماضية سافر إلى دمشق فصحب شيخ القراءة فيها وأجازه بالقراءات، ثم هبط مصر فندبته مشيخة الأزهر لتأليف كتاب يضم ما اتفق على تخريجه البخاري ومسلم، فعكف على ذلك عشر سنوات ونيفاً؛ وقد تم طبعه بأخرة في ستة أجزاء. واختارته مشيخة الأزهر كذلك مدرساً بتخصص كلية أصول الدين، وعضواً في بعض اللجان العلمية، ورجاه بعضهم أن يلقي محاضرة في جمعية الشبان المسلمين، فلما علا المنبر اقترحوا عليه أن تكون المحاضرة في التاريخ فاقترحها من صدره، فعجبوا منه. وعرف مكانته كثير من أهل العلم والفضل بمصر فزاروه وحفلوا به، رأيت منهم في داره بعض جماعة كبار العلماء ومشايخ كليات الأزهر وغيرهم. وترك في شنقيط والحجاز ومصر من التلاميذ والتآليف المطبوعة والمخطوطة ما يدون اسمه في سجل الخالدين. ودفن بجوار العالم الصالح الشيخ محمد الجنبيهي بمقابر الإمام الشافعي. أفاض الله على قبره رحمة ونوراً وعوض الإسلام منه خيراً.
أديب الأندلس ابن زيدون
في (أهرام) غرة فبراير عالم 1944 كلمة في الدعوة إلى إحياء ذكرى الأديبين العظيمين الحسن بن رشيق وأبي الوليد ابن زيدون، قال كاتبها إن وفاة ابن زيدون كانت سنة 663 وأنه مضى عليها سبعة قرون. والصواب أن وفاته كانت سنة 463 وهي السنة التي توفى فيها ابن رشيق المذكور، على ما في (شذرات الذهب في أخبار من ذهب لابن العماد)، ودائرة معارف البساتي وغيرهما.
عدنان. . .