مجلة الرسالة/العدد 551/البريد الأدبي

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 551/البريد الأدبي

ملاحظات: بتاريخ: 24 - 01 - 1944



حول خلود الروح

عقيدة خلود الروح من العقائد الغامضة المغلفة بالأسرار، ولذلك فقد لقيت على مر العصور نقداً عنيفاً، وطعناً جارحاً. ولعل أقسى ما وجه إلى هذه العقيدة من حملات، تلك الحملة الشديدة التي شنها عليها الفيلسوف الألماني أرنست هيكل في الفصل الحادي عشر من كتابة (لغز الكون) وقد انتهى هذا الفيلسوف من نقده إلى القول بأن (الإيمان بخلود النفس الإنسانية إنما هو عقيدة تتناقض تناقضا صارخاً مع الحقائق التجريبية الثابتة للعلم الحديث). ولكن خلود الروح - على الرغم مما أدلى به هيكل وغيره من الفلاسفة - لا يزال حقيقة عزيزة على الإنسان. وحسبنا أن نقرأ ما كتبه الأستاذ زكي نجيب محمود بعدد الرسالة الممتاز تحت عنوان (هجرة الروح) لنتحقق من أن الإنسان لا يسعه أن يطلق هذه العقيدة، ولو قام على بطلانها ألف دليل! وإذا كان فولتير يقول لنا (إننا إذا فكرنا في البرغوث لم يخطر ببالنا أن له نفساً خالدة؛ فلماذا إذن أعتقد أن لي نفساً خالدة؟ لماذا يتملق الناس أنفسهم ويغترون بأنهم هم وحدهم الموهوبون بعنصر الخلود والروحانية؟ لعل السبب في ذلك زهوهم المفرط. وإني أشعر أنه لو كان الطاووس يتكلم لأعرب عن إعجابه بنفسه، وادعى أن مكان النفس من جسمه هو ذنبه الجميل!) إذا كان فولتير يقول هذا؛ فإن في استطاعتنا أن نرد عليه فنقول: (أليس أمل الإنسان في خلوده بعد الموت دليلاً على خلوده؟ إن رغبة الإنسان في الطعام ما كانت لتوجد لو لم يكن الطعام موجوداً. فالزهرة والنملة فانيتان وهما لا تنشدان خلوداً، أما الإنسان فراغب فيه ساع إليه، ويستحيل أن يكون له ذلك ما لم يجد في فطرته وجبلته ما يوحي إليه أنه خالد)

أجل، إن العقائد لا تبنى فقط على العقل، ولكنها تبنى أيضاً على الشعور، وقد فطن إلى هذا أحد الباحثين - وهو سترلانج - فقال: (إنني أعلم علم اليقين أنه ليس يكفي أن أرغب في امتلاك القمر، لكي ينعطف إلى هذا القمر، كما أنه ليس يكفي أن أصبو إلى مجد نابوليون لكي يسعى إلى هذا المجد، ومع ذلك فإني أقول إنه يكفي أن أرغب في خلود النفس لكي يكون هذا الخلود حقيقة ثابتة لها وجود. فما هو الفارق إذن؟ إنه لفارق كبير، وبيان ذلك أن الرغبة في نيل القمر، والطموح إلى مجد نابليون، لا يعدو كل منهما مج تهاويل شخصية ليست نتيجة لطبيعتي إن في كثير أو قليل. أما رغبتي في الخلود فهي ظاهرة أولية عامة لها أساس في الطبيعة الإنسانية كلها)

أما الاعتراضات التي تثار ضد عقيدة خلود النفس فقد تكفل بالرد عليها الكاتب الفرنسي شاتوبريان في كتابه: (عبقرية المسيحية) (القسم الأول، الكتاب السادس، الفصل الرابع). وهذه الاعتراضات كلها يمكن أن تنحل بسهولة، إذا عرفنا أنه لا يجب علينا أن نتخذ من جهلنا لبعض التفاصيل والجزئيات ذريعة للقول بفساد العقيدة كلها. ويعجبني في هذا الصدد قول ترتليانوس (أبن لي الحالة التي أنت عليها، أقل لك الحالة التي ستصير إليها)

زكريا إبراهيم

حول ختان البنات في مصر

كتب الدكتور الفاضل (ع. أسامة) في هذا الموضوع الهام مقالاً ممتعاً في رقم544 من مجلة (الرسالة) الغراء، وقد ورد فيه بعض نقط دفعتني إلى ما يأتي:

يقول الدكتور الفاضل: (تختص مصر بهذه العادة دون سائر بلاد العالم المتمدن، إذ لا يشاركها فيها سوى قبائل السودان وأواسط أفريقيا). والواقع أن الشعب السوداني كله مختص بهذه العادة، ولم يستطيع الخلاص منها رغم الجهود العظيمة التي يبذلها شبابه وشيوخه بين حين وآخر أملاً في أن يقلع هذا الشعب المسلم عن هذه العادة الضارة

وقد كتب الدكتور السوداني سيد أحمد عبد الهادي مقالا عام 1939 في جريدة النيل السودانية مشابهاً لما كتب الدكتور أسامة عن هذه العادة، وبناء على ما جاء في مقال الدكتور سيد أحمد أفتى فضيلة مفتي السودان بما يحرم ختان البنات بهذه الطريقة التي كتب عنها الدكتوران. وتسمى عندنا (الفرعونية). والمعروف أنها انتقلت إلى السودان من مصر. وقد كان لإثارة هذا الموضوع آنذاك آثار حسنة ظاهرة، ولكنها ما لبثت أن اختفت مع مرور الأيام. وأكبر الظن أن الدافع إلى الدكتور السوداني إلى الكتابة في هذا الموضوع كان ما تتكبده المرأة السودانية من ألم وصعوبات عند الوضع. الأمر الذي يترتب عليه كثير من حوادث الوفيات بين النساء

أما سكان أواسط أفريقيا الوطنيون فهم قوم ما زالوا على الفطرة، ولم ينتشر بينهم ختان البنات والأولاد على أية طريقة ما إلا في اندر الحالات التي لا تبرر ذكرهم في كلام الدكتور أسامة. ومع ذلك فقد لا ينعدم بينهم (الخرافات المتعلقة بالاعتقاد في إصابة بعض النساء بالجن والمشايخ والأسياد، وما يجده الدجالون من سوق رائجة بينهن باستغلال هذه المعتقدات)، ولهذه المعتقدات في أواسط السودان وشماليه أثر ظاهر يماثل أثرها في مصر، ولكنها في جنوبيه لا يوجد لها أثر مرتبط بهذه الناحية

هذا ما عن لي أن أذكره شاكراً للدكتور أسامة جهوده وغيرته، وأرجو أن يوفق فيما دعا إليه. خصوصاً في هذا الظرف الذي يحتم على أبناء الشرق أن يصلحوا من حالتهم الاجتماعية التي هي أساس كل تقدم يرمون إليه

(وادي حلفا)

سليمان نجيت

في الصديقة بنت الصديق أيضا

كان الأستاذ الكبير عباس محمود العقاد منصفاً كل الإنصاف في اختيار العنوان لرده على المآخذ التي وجدتها أنا وبعض الفضلاء في كتابيه: (الصديقة بنت الصديق) و (عبقرية الإمام)، ولكن ما أجاب به عن الأمرين اللذين أخذته بهما لم يصب عين ما أردت منهما، لأنه جرى فيما أجاب به عن الأمر الأول على مذهب ضعيف للنظام في الصدق والكذب، وهو أن الصدق مطابقة الخبر للاعتقاد، والكذب عدم مطابقته له. والصحيح مذهب الجمهور في الصدق والكذب، وهو أن الصدق مطابقة الخبر للواقع والكذب عدم مطابقته له. فالنبي حين رأى شبهاً بينه وبين ابنه إبراهيم يرى أنه يشبهه في الواقع، وعائشة حين قالت له إنها لا ترى شبها بينهما، ترى أنه لا شبه بينهما في الواقع، وفي هذا تكذيب له غير لائق، ولا سيما أن ألسنة المنافقين كانت تلوك في أمر مارية حين سأهم ولادة إبراهيم ما لاكوه في عائشة، وهي أكبر من أن تقابل النبي بهذا القول الذي يرتاح له أعداؤه من المنافقين. وقد قال الأستاذ العقاد: (فالتكذيب هنا إنما يكون إذا قالت إنك يا رسول الله لا ترى شبهاً بينك وبين إبراهيم. أما أن تقول عن نفسها إنها ترى الشبه وهي لا تراه، فذلك هو الكذب الذي ينبو عنه مقامها). وإني أقول إن هذا هو مذهب النظام في الصدق والكذب بعينه، ومؤاخذتي للأستاذ العقاد في ذلك الأمر لا تقوم على أسامة

وأما جوابه عن الأمر الثاني فقد خرج فيه عن الذنب الذي قذفت به عائشة، وطلب منها النبي في ذلك الخبر أن تعترف به وتستغفر منه إن كانت ألمت به، فالذنب الذي قذفت به هو الزنا، وهو يخالف سائر الذنوب في انه يندب للحاكم إذا أقر به شخص عنده أن يعرض له بالرجوع عن إقراره، فكيف بطلب النبي أن تعترف به إن كانت ألمت به. على أن الاعتراف بالذنب ليس من أصول الإسلام في شيء، وإنما هو أصل من أصول المسيحية. وقد جاء في بعض الأحاديث أن الله يحب من العبد إذا ارتكب ذنباً فلم يفضحه أن يستره عن الناس. فالذي أنكره من ذلك الخبر هو ما فيه من طلب اعتراف عائشة بذنب لا أساس له، وما فيه من إفادة شك النبي في براءتها مما قذفت به، وفي جواب عائشة عن ذلك أكبر دليل على ضعف ذلك الخبر.

عبد المتعال الصعيدي

لبشار أم لكثير عزة؟

في الرسالة (543 - 959) كتب الأديب عبد الحميد عثمان عبد المجيد كلمته تساءل فيها: كيف أورد مؤلفاً قصة الأدب في العالم الأبيات البائية المشهورة التي نسبها صاحب الأغاني إلى بشار - تساءل كيف نسبا هذه الأبيات إلى كثير عزة؟. . .

ويظهر أن الخلاف في قائل هذه الأبيات قديم جداً، وأن الخلاف في القائل واسع لا يقف عند بشار وكثير عزة. والظاهر أن بعض الكتاب القدماء نسب هذه الأبيات إلى ذي الرمة أيضاً؛ فقد ذكر صاحب مصارع العشاق أن كثير عزة خرج مرة للقاء عزة واشتدت به الحال فأنشد:

يزهدني في حب (مية) معشر ... قلوبهم فيها مخالفة قلبي الخ

ثم قال: (هكذا رواه ابن اسحق، وقال الشهاب محمود بذلك ونقل في الطبقات الأبيات إلا أنه قال:

يزهدني في حب (عزة) معشر. ثم قال هذه الأبيات لكثير عزة، وقد توهم قوم أنها لذي الرمة بدليل قوله:

يزهدني في حب (مية) معشر، وليس كذلك. وإنما كان سهواً

هذا كلامه بالنص ومنه يعلم أن هناك من نسبها إلى ذي الرمة، ولكنه رحمه الله يجزم - كما ترى - أنها لكثير عزة، وهذا الجدل والدفع والجذب يقوم، مع أن الأصفهاني ذكر الأبيات في شعر بشار بغير خلاف!

وليس هذا بأول خلاف ولا بآخر جدل يقوم على بيت من الشعر وتعيين صاحبه. والقطع برأي في مثل هذه المسائل يحتاج إلى شيء من الدقة وشيء من التريث. ولا بد من الرجوع إلى كل ما يكن الرجوع إليه من المراجع والموسوعات

برهان الدين الداغستاني