مجلة الرسالة/العدد 545/من الشعر الحر
مجلة الرسالة/العدد 545/من الشعر الحر
الحديقة الميتة والقصر البالي
للأستاذ خليل شيبوب
أمر عليها كل يوم فأبصر
أشجارها مهشومة الأغصان
ويأخذني حزن عليها فأشعر
باليأس يعقل خاطري ولساني
تهدم السور حولها فبدا
للعين عُرْيُ الحديقة
كأنها ملحية
قد خلعت جمالها
فأصبحت قبيحة
كاسية أسمالها
مرهاء غيرت الليالي حالها
تطلب عند الناس عطفاً وجَدَي
من القلوب الشفيقة
رقص البِلَى في ساحها عريانا
وشدا الفناء لرقصه ألحانا
بهما اهتدي
عادي الردى
فعدا
ومحا معالمها كأن لم تعلم
وكأن فيها الطير لم يترنم
وكأن فيها الزهر لم يتبسم
وقفت الأشجار ولهي والعشب فيها جف كرها
فهو مصفر سقيم
وهو موطوء هشيم
ذبل النبت الدميث
ونما فيه أثيث
هائج السوق خبيث
شائه غطى مظنات المسالك
فهو فيها بعد ذاك اللين شائك
أين وضاح الزهَرْ
أين معقود الخَمَر
أين مسرى الحور
أين مجرى الماء كالنور
كلها صارت عِبَر
ألقصر في جانبها واقف
ذاهلُ
رسم محيل بالأسى واجف
سائلُ
يا جنة كان النعيم بها يشدو
لحن أطيارك
والحسن فيها كان صفحته تبدو
في وجه أزهارك
ألشمس تخشع حين تبصرك
ثكلى
ولذاك مالت عنك تغرمك
ظلا والريح عاثرة تمر بك
خجلى
لفك الليل بالسواد جلالا
وزوى عنك حين لاح الهلاك
وأراك النجوم لا تتلالا
يا من رأى القصر قد أقْوتْ ملاعبه
وطلقته بلا رجعى كواعبه
غربت أقمارهُ
واُمحت أنوارهُ
فطويت مفاتن المجالس
واُنتهبَت ذخائر النفائس
وأصبحت فيه كرسم دارس
فماد ركناه واُزورَّت جوانبه
أين رجالاته وجودهم
كان شِفاءَ المنى وجودهم
زين الرجالات
محققو الغايات
ومقصد العفاة
ما أخلفت راجياً فضلاً وعودهم
عزاء أيها الحسن
فإنك لا تذل ولا تهونُ
إذْا فقدت مباهجك العيونُ
رآك القلب أبهج ما تكونُ
وعين الحب هادية أمونُ
عزاء أيها الحسن إيه يا جنة جفاها النعيم
هكذا العمر أُنسه لا يدوم
كأنك نفس مات فيها غرامها
فلم يبقى إلا بؤسها وسقامها
حليةُ النفس الهوى
فإذا توى
عادت كغصن قد ذوى
أو ظِلِّ نجم قد هوى
على قدر ما في النفس من خالص الجوى
يكون لها قدر ويسمو بها اللب
فإن فقدته فالفناء بها ثوى
وما قيمة النفس التي ما لها حب
يا روضة ذبلت
وخميلة خملت
أنت مثال السعد إذ فاتا
بل أنت رمز الحب قد ماتا
هكذا تصبح الحياة رفاتا
أقول للغادين لو يسمعون
هنا الهدى لو كنتمُ تبصرون
هلمو انظروا كيف تبلى القصور
وكيف تموت الحديقهْ
كذلك فيكم يجف الشعور
وتخفى الأمورُ
ويعمى البصير
وتموت الحقيقةْ خليل شيبوب