مجلة الرسالة/العدد 525/حملة صقلية
مجلة الرسالة/العدد 525/حملة صقلية
الجبهة الثانية. أين ومتى تفتح؟
هذا هو السؤال الذي تردد على ألسنة الناس في الأسابيع الأخيرة والذي كان موضع اهتمام العسكريين وبحثهم في كلا العسكرين، وكان في غزوة الحلفاء لصقلية الجواب على هذا السؤال. وللمعركة التي تدور رحاها الآن في هذه الجزيرة أهمية كبرى للطرفين؛ فالإيطاليون من جهة، يرون أن غزو هذه الجزيرة خطر يهدد كيان إيطاليا نفسها ويجعلها الهدف التالي بعد صقلية، ويرون أن القرار الحاسم فيما يتعلق بالحرب كلها سيتخذ على سواحل صقلية؛ وهم واثقون بأن كل قوة للحلفاء ستجد مصرعها على سواحل إيطاليا. أما اهتمام الحلفاء فيتجلى في النداء الذي وجهه الأميرال كننجهام لجنوده ساعة الغزو: (إن نجاح الحلفاء في غزو صقلية يعد بمثابة فتح جبهة ثانية كما أنه سيكون الخطوة الأولى في سبيل هزيمة سريعة للأعداء)
قبيل انتصاف ليل الجمعة التاسع من يوليو أخذت جنود المظلات البريطانية والأمريكية تنهال على أرض الجزيرة وهبطت على أثرهم الجنود الذين كانت تقلهم الطائرات الشراعية وأسرعوا في الزحف لتعزيز مراكزهم وراء استحكامات المحور لتدمير منشئاته وشل حركة مطاراته حتى يحال بين المدافعين وبين القيام بعمل جوي منظم ضد القوات الكبيرة التي كانت تقلها سفن الغزو
وفي فجر يوم السبت، أي بعد هبوط قوات المظلات بساعات قليلة، أخذت السفن المحملة بالجنود والأمداد تقترب من مواني الجزيرة منتشرة في الاتجاهات التي رسمت لها من قبل.
ولم يكن غزو صقلية بالأمر المفاجئ للمحور فقد صرح الجنرال إيزنهاور منذ أكثر من شهر لمندوبي الصحف بأنه لن يمض الشهر حتى تكون الأعمال الحربية ضد صقلية قد بدأت، وكذلك كانت الغارات العنيفة التي ظلت الطائرات المتحالفة تشنها على النقط الحيوية والمواقع الرئيسية في الجزيرة بمثابة مقدمات لهذا الغزو، وهو عين ما حدث في جزيرتي بنتلاريا ولبيدوزا حين سبق احتلال الجزيرتين غارات على مثل هذه الصورة من العنف والشدة
وقد وقع الغزو بعد أقل من أسبوع لبدء الهجوم الذي قام به الألمان في الجبهة الروسية، فقد انتظر الحلفاء حتى إذا ضمنوا اشتباك القوات الألمانية في معركة الروسيا الطاحنة شنوا ه هجومهم؛ وبذلك ضيعوا على الألمان فرصة تقديم مساعداتهم الجدية لإيطاليا في صقلية
أما موقع الهجوم فقد اختارها الحلفاء في جزء كان خبراء المحور يرون الحلفاء فيه أبعد احتمالاً من غيره، فاختاروا الركن الجنوبي الشرقي للجزيرة، وذلك لأن وعورة أراضيه وكثرة مرتفعاته وقربه من قواعد المحور الجوية في جنوب إيطاليا تجعل من العسير نزول قوات كبيرة من المشاة والدبابات كما تجعل القوات النازلة أكثر عرضة لضربات العدو الجوية وأقرب منالاً للقوات البرية التي تأتي عن طريق خليج مسينا. لهذه الأسباب كان نزول الحلفاء في هذا الجزء غير متوقع
وقد تطور القتال منذ بدء الغزو تطوراً يعتبر في صالح الحلفاء الذين استولوا على معظم المدن المهمة هناك ولم يبق أمامهم سوى قطانيا حيث تدور بعض المعارك في السهل الذي يحيط بها. ويرجع عدم وقوع معارك كبيرة حتى الآن إلى أن القيادة الإيطالية في الجزيرة تراقب الحالة بعين يقظة حتى تقف على المكان الذي يجب أن توجه إليه قواتها الرئيسية
وبديهي أنه يفرغ الحلفاء من هذا الركن فسيحاولون الزحف بقواتهم داخل الجزيرة للاستيلاء على المواقع الهامة التي تجعل خليج مسينا في قبضتهم، وذلك ليتسنى لهم عزل صقلية عن إيطاليا ووقف سيل الإمدادات التي يوالي المحور إرسالها، وحينئذ يسهل السيطرة على باقي أجزاء الجزيرة الغربية وتعتبر صقلية أول ثغرة يحاول الحلفاء فتحها في القلعة الأوربية، وستختبر على هذه الجزيرة قوة استحكامات أوربا الدفاعية، فإذا نجح الحلفاء ف غزوها فستخذون منها نقطة للهجوم على إيطاليا نفسها، كما أنها ستصبح أعظم قاعدة بحرية للأساطيل المتحالفة في البحر الأبيض المتوسط
ويظهر للمتتبع لسير الأعمال الحربية أن الحلفاء محتفظون بقوات احتياطية كبيرة في شمال أفريقيا حيث تصل إمدادات متوالية من بريطانيا وأمريكا
ويمكن التكهن بأن هذه القوات يحتفظ بها لغرضين: أولهما أن القيادة المتحالفة تعمل لمواجهة احتمال قيام المحور بحركة تركيز أو تطويق قد تؤدي إلى الإحداق بقواتهم، فوجود هذا الاحتياطي يمكن الحلفاء من إفساد أية محاولة في هذا الصدد
أما الغرض الثاني فينحصر في الإبقاء على هذا الاحتياطي لاستخدامه في مهاجمة جزيرتي سردينيا وكرسيكا اللتين سيكونان بلا شك الغرض التالي للحلفاء بعد صقلية، إذ أن احتلال هاتين الجزيرتين لازم للهجوم المنتظر على ساحل فرنسا الجنوبي
وستؤدي الأعمال الحربية في جزيرة صقلية والمحاولات التي سيقوم بها الحلفاء للسيطرة عليها وعلى غيرها من الجزر في البحر الأبيض المتوسط إلى تطورات جديدة سيكون للقوات البحرية منها أوفر نصيب.
محمد شاهين الجوهري
بكالوريوس صحافي