مجلة الرسالة/العدد 525/أقوياء الأبدان في العصور الإسلامية

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 525/أقوياء الأبدان في العصور الإسلامية

مجلة الرسالة - العدد 525
أقوياء الأبدان في العصور الإسلامية
ملاحظات: بتاريخ: 26 - 07 - 1943



للأستاذ كوركيس عواد

للمؤرخين روايات ونوادر كثيرة بشأن بعض جبابرة الناس الذين أوتوا من ضروب القوى البدنية، ما أبقت لهم ذكراً وشهرة في صحائف الكتب. ونحن نأتي في هذا المقال بشيء مما انتهى إلينا من طرائف أخبارهم في ميادين البطولة. فمن ذلك ما ذكر عن مبلغ قوة الأمين، سادس خلفاء بني العباس (193 - 198=809 - 813 م) من أنه كان (في نهاية القوة والشدة والبطش والبهاء والجمال، إلا أنه كان عاجز الرأي ضعيف التدبير غير مفكر في أمره، ويروى أنه اصطبح ذات يوم وقد كان خرج أصحاب اللبابيد والحرب على البغال، وهم الذين كانوا يصطادون السباع، إلى سبع كان بلغهم خبره بناحية كوني والقصر، فاحتالوا في السبع إلى أن أتوا به في قفص خشب على جمل بختى، فحط بباب القصر وأدخل، فمثل في صحن القصر والأمين مصطبح. فقال شيلوا باب القفص وخلوا عنه، فقيل له: يا أمير المؤمنين، إنه سبع هائل أسود وحش، فقال: خلوا عنه، فشالوا باب القفص، فخرج سبع أسود له شعر عظيم مثل الثور، فزأر وضرب بذنبه الأرض، فتهارب عنه الناس، وغلقت الأبواب في وجهه، وبقى الأمين وحده جالساً في موضعه غير مكترث بالأسد، فقصده الأسد حتى دنا منه، فضرب الأمين بيده إلى مرفقة أرمنية وامتنع منه بها، ومد السبع يده إلى الأمين، فجذبها الأمين وقبض على أصل أذنيه وغمزه ثم هزه ودفع به إلى الخلف، فوقع السبع إلى مؤخرة ميتاً. وتبادر الناس إلى الأمين، فإذا أصابعه ومفاصل يده قد زالت عن مواضعها، فأوتى بجابر، فرد عظام أصابعه إلى مواضعها، وجلس كأنه لم يعمل شيئاً. فشقوا بطن السبع، فإذا مرارته قد انشقت على كبده)

ونظير ذلك ما عرف من تناهي قوة الخليفة العباسي المعتصم (218 - 227=833 - 842م)، فإنه (لم يكن في بني العباس من قبله أشجع منه ولا أتم تيقظاً في الحرب ولا أشد قوة. قيل أنه اعتمد بإصبعه السبابة والوسطى على ساعد إنسان فدقه. وكان يلوي العمود الحديد حتى يصير طوقا، ويشد على الدينار بإصبعه فيمحو كتابته)

ومثل ذلك ما تناقله بعض المؤرخين بصدد قوة المعتصم ومتانة جسمه، وإليك الخبر: (قال ابن أني دؤاد: كان المعتصم يخرج ساعده إلى ويقول: يا أبا عبد الله، عض ساعدي بأكث قوتك، فأقول: ولله يا أمير المؤمنين، ما تطيب نفسي بذلك، فيقول: إنه لا يضرنين فأروم ذلك، فإذا هو لا تعمل فيه الأسنة فضلاً عن الأسنان)

وزاد السيوطي على الخبر المتقدم ما هذا نصه: (وقال نفطويه: وكان (المعتصم) من أشد الناس بطشاً، كان يجعل زند الرجل بين إصبعين فيكسره)

وروي الخطيب البغدادي أن المعتصم (انصرف يوماً من دار لمأمون إلى داره، وكان شارع الميدان منتظما بالخيم فيها الجند. فمر المعتصم بامرأة تبكي وتقول: ابني ابني! وإذا بعض الجند أخذ ابنها. فدعاه المعتصم وأمره أن يرد ابنها عليها، فأبى. فاستدناه فدنا منه، فقبض عليه بيده، فسمع صوت عظامه، ثم أطلقه من يده فسقط، وأمر بإخراج الصبي إلى أمه)

ومما حكاه ياقوت الحموي عن ابن زهر الطبيب الأندلسي الشهير، المتوفى سنة 595 أو 596هـ (1198 - 1199م)، أنه (كان شديد البأس، يجذب قوساً مائة وخمسين رطلاً بالاشبيلي، وهو ست عشرة أوقية). وهذا الخبر عينه نقله ابن أبي أصيبعة بأن زاد في التعريف أن (كل أوقية عشرة دراهم)

ونظير ذلك ما روي عن بكتمر السلاح دار الظاهري المنصوري، المتوفى سنة 703هـ (1303م) من أنه كان (حسن الرمي، يرمي على ستة وثلاثين رطلاً بالدمشقي)

ومثلهما في هذا الباب، أنس بن كتبنا الملقب بالمجاهد، المتوفى سنة 723هـ (1323م)، فقد (عانى الفروسية ورمى النشاب، حتى صار أوحد عصره فيه، يقال رمى على قوس زنة مائة وثمانين رطلاً)

وقد عرف غير واحد من هؤلاء الأبطال الأشداء، فكان من جملتهم كستاي أمير السلاح المتوفى سنة 720هـ (1320م)، فأنه (كان شديد البأس قوى البدن، كان يأخذ العظم الكبير من الشاة فيكسره بيده قطعتين) ومن الغرائب في هذا الباب، ما حكي عن قطيلجا بن بلبان الجوكندار، المتوفى سنة 720هـ (1320م)، من أنه (كان فارساً بطلاً خفيف الحركات، يقال أنه ساق فرسه، فأخذ نصف سفرجلة من غصنها، وبقى نصفها الآخر مكانه)

ومثله في هذا الميدان ما نقله ابن رافع السلامي في ترجمة عبد الرحمن بن عبد المحسن بن عمر بن شهاب بن علي الواسطي، الذي كان حياً سنة 728هـ (1327م) من (أنه قوي شديد البطش، يضرب الأجرة بيده فتصير فلقاً، ويضرب الجوزة يكسرها. . . قال أبوه: ودخل اللصوص داره وأخذوا المتاع، فتركهم حتى خرجوا ومشي خلفهم إلى الصحراء فعقر منهم واحداً وهرب الباقون)

وممن وهب قوة بالغة واشتهر بأمور من هذا القبيل، أحمد ابن أبي بكر بن محمد بن محمود الحلبي، المتوفى سنة 754هـ (1353م) فقد (كان قوي اليدين جداً، حتى كان يأخذ الحية فيحملها بذنبها ويرفعها إلى فوق ويقصفها إلى أسفل ويرميها وقد انقطع وسطها وانخلعت فقرات ظهرها)

ونظيره في هذا الأمر، أبو بكر زكي الدين الخروبي رئيس التجار بالديار المصرية، المتوفى سنة 787هـ (1385م)، فقد كان أبداً شديد القوى. حكى لنا أنه كان يقبض على الركب الحديد فتتعصر رجل الراكب)

(بغداد)

كوركيس عواد