مجلة الرسالة/العدد 510/البريد الأدبي
مجلة الرسالة/العدد 510/البريد الأدبي
إلى الأستاذ سيد قطب
لست أدري يا أخي كيف قرأت شهرزاد وكيف فهمتها؟ ألم تقف قليلاً
عند المنظر الخامس من تلك المسرحية الفاجرة؟ أكبر الظن أنك نسيت
هذا المنظر فارجع إليه لتغير رأيك، ولتعذرني فيما أوردت من الألفاظ
التي تحرجت من إيرادها في صلب المقال نفسه الذي جعلت أنت مادته
من تلك الألفاظ.
يا أخي:
لقد خجلت الرسالة من إثبات ما نقلته من هذا المنظر فحذفته من مقالي وإن تكن قد أوردت منه القليل الذي يغنى عن الكثير، فلماذا فعلت ذلك؟
يا أخي:
هل تذكر (بالضبط) متى أطلق الأستاذ الحكيم على نفسه لقبه الخالد (عدو المرأة)؟ وهل تذكر لماذا راح الأستاذ يباهي بهذا اللقب؟
يا أخي:
متى نصبت من نفسك مرشداً عاما للناقدين فتبصرهم بآداب هذا الفن؟ ومن ألقى في روعك أنك إمام هذه الصناعة في العصر الحاضر؟ وكيف تظلم رجلاً أن يقول إن شهرزاد الأستاذ الحكيم خطر أخلاقي يجب أن يحارب بأقذع مما قلت فيها؟ هل نسيت بهذه السرعة نضالك الرائع عن أدب القوة ممثلاً في شخص الأستاذ العقاد؟
يا أخي:
إن ما أوردت من أنني حديث العهد بالعمل تحت رئاسة المستشار الفني وأنك قديم العهد به هو صغار لم أكن أوثر لك لانزلاق إليه أو الوقوع فيه، لأن جميع القراء فهموا ما أردت أن تكسر عليه قصدك، وتلوى به كلامك. . . على أن قدم عهدك هذا لم ينفعك في ذاك الموقف الذي أدميت فيه كرامة كان الأولى أن تصان، ألا فلتعلم إذن أننا تلاميذ الأستاذ وحواريوه منذ أكثر من ربع قرن من الزمان. . . وأننا كنا نقف من حوله صفاً في زمن الأزمات الت كانت الجن تشفق من مظاهرته فيها فكنا نشرع للذود عنه أقلام الملائكة في أوجه الطغاة. ولولا أن شيئاً مما كتبناه في ذلك لا يصح أن ينشر اليوم، لأن الفتنة نامت، والقلوب صلحت. لأذعته عليك. . ولكنه هنا. . . تحت يدك. . . فإن شئت أطلعتك عليه. . . على أن رأيك في الأستاذ طه رأي فج فطير، وأنا أعرف به منك. وأنا ما كتبت الذي كتبت إلا وأنا عالم بأني مستثير سخطه، بل منته إلى تبرمه. على أنه سواء عندي أسخط أم رضي، فقد أصبحت قضية اليوم قضية الأخلاق وقضية الأدب في وقت معاً. ولما كنت لا أحسن التسلق على أكتاف الأبطال كما تعود أناس آخرون. فسيان عندي إن عملت تحت رئاسة المستشار الفني، أو تحت رئاسة أحد نظار المدارس الأميرية كسابق عهدي. وإن لي لقلماً وإن لي لآثاراً تغنيني عن التشبث بهذه المظاهر الجوفاء، ورغم أنف من رغم.
دريني خشبة
تأييد الاسكندر من السماء عند اليهود
اختلف المؤرخون في ديانة الإسكندر اختلافاً كبيراً، وعندي أن أسوأ تقدير في ديانته لا يمنع أن يكون هو ذا القرنين المذكور في القرآن الكريم، لأنه بقطع النظر عن ديانته كان فاتحاً عظيماً. وقد ابتدأ به التاريخ عهداً جديداً في سير الفاتحين، فلم تكن فتوحه كفتوح الملوك قبله، إذ كانوا جميعاً يدمرون البلاد، ويهلكون الأمم (إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة) أما الإسكندر فكان كلما فتح مملكة أسس فيها وجدد، وبنى وشيد، وأوجد وسائل العمران، وأحيا قلوب أهالي البلدان. وكان يرمي بفتوحه إلى غرض عظيم، وهو أن يجعل من شعوب الأرض أمة واحدة لا فرق فيها بين شعب وشعب، وقد ألف بهذا بين الشعوب الأوربية والأسيوية ومزج بعضها ببعض، فتعرف كل فريق روح الآخر في العلم والحكمة والعادات والأخلاق، ونشأ من ذلك حضارة جديدة أرقى من الحضارات التي سبقتها، ومثل هذا يستحق التنويه بقطع النظر عن دولة صاحبه، ولا شيء في أن ينوه القرآن الكريم به.
ومن المهم هنا أن نبين رأي اليهود الذين سألوا عن ذي القرنين في ديانة الإسكندر، فقد ذكروا أنه لما قصد أورشليم لفتحها سار في بعض الطرق فرأى رجلاً بهيَّا لابساً ثياباً بيضاً، وبيده سيف مثل البرق اللامع، وهو يشير به إليه كأنه يريد قتله، ففزع منه وعلم أنه ملاك مرسل من الله تعالى، فسقط على وجهه وسجد، وقال: يا سيدي لماذا تقتل عبدك؟ فقال: لأنك تريد أن تمضي إلى القدس لتهلك كهنة الله وأمته، وأنا الملاك الذي أرسلني الله لنصرتك على الملوك والأمم. فقال الإسكندر: يا سيدي، أغفر لعبدك فقد أخطأت، وإن كنت لا تشاء أن أسير في طريقي فإني أعود إلى بلادي. فقال له: أما وقد استغفرت عن مآثمك فلا ترجع، وإذا وصلت إلى أورشليم ورأيت رجلاً على صورتي، فانزل عن فرسك واسجد له، واقبل جميع ما يأمرك به. فمضى الإسكندر في طريقه إلى أورشليم، ولما وصل إليها قابله كاهنها على صورة ذلك الملاك، فنزل الإسكندر عن فرسه وسجد له وسلم عليه وعظمه؛ وحمل إلى بيت الله مالاً كثيراً، ثم سأل الكاهن أن يتوسل إلى الله فيما عزم عليه من محاربة داريوس ملك الفرس، فقال له: أيها الملك، امض في طريقك فإن الله معك، وهو يظفرك بداريوس ومملكته. وقد سار الإسكندر بعد ذلك في فتوحه إلى أن ملك أقاليم الدنيا السبعة (تاريخ يوسيفوس ص26 - 38)
فالإسكندر عند اليهود كان ملكاً يشبه أن يكون نبياً، وقد جاب الدنيا غرباً وشرقاً حتى ملك أقاليمها السبعة، ولا شك أن هذا يتفق كل الاتفاق مع الشخص الذي ذكره اليهود في سؤالهم للنبي ﷺ، ويتفق كل الاتفاق مع ما جاء عن ذي القرنين في القرآن الكريم، وهكذا نجد الاتفاق بينهما قريباً على أي وجه فرضناه، ولست أرى بعد ذلك وجهاً لإعادة الكلام فيه.
عبد المتعال الصعيدي
حول ذكرى السيد جمال الدين
أشكر للأستاذ محمود أبو رية ما نوه عني في بريد (الرسالة) بيد أني لا أتفق معه فيما ذهب إليه وسماه رعاية لحرمة الأمانة العلمية. ذلك لأني لست من تلامذة الفيلسوف (جمال الدين) - وليتني كنت منهم - وإنما حز في نفسي أن ينسى الشرقيون عباقرتهم في سرعة مخزية، فذكرتهم علهم يذكرون، وعرضت عليهم صورة قبست خطوطها مما قال عنه معاصروه، ونسيت - وهذا يؤسف حقَّا - أن أذكر المرجع الذي عنه أخذت.
محمود شلبي
رواية الأصمعي وحماد لشعر زهير
قرأت في العدد 222 من (الثقافة) كلمة للأستاذ الفاضل (قاف) تحت عنوان: الأدب المنحول؛ أورد خلالها قصة فحواها أن الرشيد سأل حماداً الرواية عن المقصود من قول زهير (دع ذا وعدَّ المدح في هرم)
فاصطنع حماد (بيتين) نسبهما إلى زهير، وزعم أنهما أول قصيدته وأنهما المشار إليهما بقوله: دع ذا. . . الخ
ثم أعاد الرشيد السؤال على الأصمعي للتثبت من صحة قول حماد فأجاب: بل هذا أول مقالة زهير، ولعله كان مشتغلاً بأمر في نفسه أو مع غيره حين بدا له أن ينشئ في مدح هرم؛ فكان أن قال (مبتدئاً غير منقطع مما كان فيه): دع ذا وعد المدح في هرم. إلى آخر ما قال
ونحن نسجل هنا أن الرواية بهذا الوضع دليل على غفلة حماد والأصمعي، وقلة تثبتهما من قصيدة زهير، إذ البيت المذكور وهو بتمامه:
دع ذا وعد المدحَ في هرِم ... خير البُداة وسيدِ الحْضر
يقع الرابع من قصيدة رائية لزهير يقول في مطلعها:
لمن الديار بُقنةِِ الحجر ... أقوينَ من حججٍ ومن شهْر؟
وهذه رواية الأعلم الشنتمريّ (410هـ - 476هـ) وهو أشهر من جمع ديوان زهير وقام على شرحه
على أنه إن صحت إجابة الأصمعي كان معنى ذلك أن الأبيات الثلاثة الأولى - لا بيتين فقط - من نظم حماد الراوية دون زهير
ونحن لا نميل إلى الأخذ بهذا الرأي، لما نلحظه من شدة التواؤم بين الأبيات جميعاً؛ ثم لأن القصة نفسها تشير إلى أن حماداً جُوبه بمقالة الأصمعي فأقر بزلته واعتذر، وأذيع أمر ما كان منه في مربد البصرة، فلم يبق إذن مجال لرواج كذبته ونفاق أبياته المصطنعة على رواة شعر زهير وشارحي ديوانه ممن جاءوا بعد ذلك.
(جرجا)
محمود عزت عرفة
انصفوا المعلم الإلزامي
الأستاذ الجامعي مسئول عن كل ما يقول لأنه موضع الالتفات في كل ما يقول. ومن ثم فلا بد لنا من الرد على قولة نحمد الله على أنها لم تك مدعمة بالأسانيد ولم تك صادرة عمن لابس التعليم الإلزامي وسبر أغواره. . .
فلقد راعنا حقاً أن يقوم في محاضرة عامة الأستاذ توفيق الطويل مدرس الفلسفة بجامعة فاروق فيطلق حكماً غريباً جريئاً على التعليم الإلزامي إذ يقول: (إن التعليم الإلزامي يجب أن يلغى فما له من نفع ولا فائدة. . .) لا. لا يا سيدي الأستاذ فما بمثل هذه الأحكام المرسلة تعالج مشكلة التعليم الإلزامي
ولقد والله شهدت للتعليم الإلزامي تلك الأزاهير اليانعة من أطفال النيل التي فتحتها يد السحر من التعليم الإلزامي فانتقلت من الظلام إلى النور، فما من طفل في الريف إلا وهو يقرأ أو يكتب. . . وما نريد ممن يقيده الفقر عن إتمام أقل مراحل التعليم سوى أن يحسن القراءة والكتابة حتى يخلص من مشاكل الجهل بهما
وثمة ناحية أخرى يا سيدي وهي أن للمعلم الإلزامي فضلاً آخر يتمثل في صورة القدوة الحسنة في روعة النظافة ودقة النظام. وإننا لنحمد الله على أن أكابر كتابنا الاجتماعيين وخاصة في (الرسالة) التفتوا إلى فضل المعلم الإلزامي؛ فقد كتب الأستاذ الكبير الزيات مقالاً صادقاً جعل فيه المعلم الإلزامي (جندياً مجهولاً) كما شهر الأستاذ الفاضل العقاد قلمه مدافعاً عنه.
وبعد فما نظن أن هناك من ينكر فضل هذا الجندي المجهول ممن يقيمون الأحكام على أسس من الاختبار والاستقراء.
حسين محمود البشبيشي