مجلة الرسالة/العدد 505/الأزهر حصن الدين وينبوع الأدب
مجلة الرسالة/العدد 505/الأزهر حصن الدين وينبوع الأدب
للأستاذ حسن عبد العال
صاحب جريدة (الإصلاح) الحلبية
فقدت استنبول صفة الإسلام بزوال الخلافة منها وانتقلت هذه الصفة إلى القاهرة، وكانت القاهرة مع وجود الخلافة في عاصمة الإمبراطورية العثمانية عاصمة (عملية) للإسلام، فقد حفظت آثار الإسلام وأخذت طابعاً إسلامياً بارزاً في مساجدها القديمة ومدارسها الدينية، وعاداتها التاريخية، ومواسمها المذهبية، وهي الآن مركز لأعظم جامعة إسلامية وأقدم جامعة في العالم ففيها الأزهر، والأزهر دعامة الإسلام وركن العروبة؛ وينبوع الأدب وقاموس اللغة، وقد حفظ الأزهر مآثر الإسلام وبالغ في إغداق الفضل على اللغة العربية حتى صانها من الفناء وضمنها من البلاء، وأحاطها بسياج صد عنها المكارة فنعمت في أروقته وعاشت في ظلاله حتى صدرت إلى مجاهل الهند والصين، وبلغت آداب العرب ذروة المجد في هيكل الأزهر، حتى أشرقت على العالم العربي بجمالها وبهائها، وغرف العرب والمسلمون من معينها في كل زمان ومكان، وتدفقت شهداً من أفواه الأدباء الفطاحل
هذه صورة عن الأزهر، وهو على كل حال أجمل وأفضل، ولئن كان في حالته المتواضعة ومتانته في الدفاع عن العروبة والإسلام قذى في عين جماعة السخفاء من المتأدبين، وحصناً لا يثبت فقرهم الأدبي أمام غناه في المناعة والجبروت، لقد نجده ضرورة للأدب وحياةً للقومية، ونوراً للعالم الإسلامي؛ وفي هذه الضرورة وهذه الحياة وهذا النور رحمة تصيب كل من نطق بالضاد وآمن بالله الأحد، رحمة عامة شاملة، لو جزأتها إلى تراكيب الاصطلاحات الحديثة لكان معنى هذه الرحمة اقتصادا أو سياسة واجتماعاً، ارتبطت بها أجزاء العالم الإسلامي المبعثرة، والأقطار العربية المتفرقة. وإن شئت الدليل فقل لي ما يكون شأن عالم إسلامي بدون هذه الجامعة؟ وما حالة بلاد العرب بدون هذا للغتها؟ وما قيمة القومية بلا لغة ذات قواعد وآداب؟ ولأذهب بك إلى شي اقرب من هذا كله، ولأذكرك بحقيقة تلمسها وتؤمن بها، لتعتقد ببداهة فضائل الأزهر، فلولاه لما قرأت أدباً لطه حسين، ولا تلذذت بما كتب عبد الوهاب عزام، ولا أخذتك روعة علم أحمد أمين، ولا استنزفت مقالات أحمد حسن الزيات كل ما في نفسك من إعجاب، ولا كان سعد أخطب الخطباء وأحسن الزعماء، والمنفلوطي في طليعة الكتاب. كلهم طلبوا في الأزهر وحفظوا ألفية ابن مالك، وقرءوا مجموعة المتون، واستظهروا رسالات الكتاب ودواوين الشعراء، وحفظوا القرآن والحديث، وحضروا دروس المعاني والبيان والبديع والتفسير وفقه اللغة، حتى علموا بلغتهم ودينهم، ورسخت أسس أدب أمتهم في صدورهم؛ ثم مالوا إلى آداب الأمم الأخرى اقبلوا عليها إقبال العالم بالأدب، ونقلوا روائعها إلى قومتهم، فأحسنوا الانتقاء، وأتونا بأدب متين جميل جيد السبك، حسن الأسلوب غزير المادة كان الأدب الحديث لهذا الزمان، ولكنه كان مؤسساً على فضل الأزهر وأصوله في التدريس، ولو لم يكن كذلك لقرأنا الآن أدباً ركيكاً وخيالاً بارداً كله لحن يتطاير منه السخف، فالحمد لله على نعمة الأزهر وأدباء الأزهر وعلوم الأزهر فلقد أغنى الأمة العربية بالأدب الممتاز، وجعلها في حل من الاقتصار على أدب يكتبه جماعة من أدبائنا الحديثين، ممن تأدبوا من هوامش الأدب وأطراف الكتب. . .
وبعد فالأزهر كله فضل وفخر. وفخري منه أنني طلبت فيه
حسن عبد العال