مجلة الرسالة/العدد 5/فلسفة برجسون
مجلة الرسالة/العدد 5/فلسفة برجسون
للأستاذ زكي نجيب محمود
ثورة على المادية
كثيرا ما يبدأ الفكر الإنساني بدراسة نفسه، ثم ينتهي إلى إحدى نتيجتين: فهو أما أن ينظم العقل في سلك المظاهر المادية التي تخضع للقوانين الآلية الصارمة، ثم ينصرف بناء على ذلك إلى دراسة الوجود المادي بما فيه من صور وأوضاع؛ وأما أن ينتهي إلى إنكار ذلك الوجود المادي جملة وتفصيلا، واعتباره من خلق العقل وتكوينه، ثم يتجه على هذا الأساس إلى دراسة العقل وحده، لأن في دراسته دراسة للوجود بأسره، ما دام هو الذي خلق هذا خلقا، وأنشأه إنشاء.
إذا فقد أنقسم الفلاسفة إلى قسمين مختلفين: فريق ينصرف بأسره إلى العلوم الطبيعية لأنها السبيل إلى تفهم مظاهر الكون، وفريق ينكب على دراسة النفس انكبابا، لأنها هي كل شيء. ونحن نستطيع أن نقول في شيء من الدقة أن تاريخ الفلسفة الحديثة ينحصر في هذا العراك العنيف القائم بين علم النفس والعلوم الطبيعية، فهذه تنشد الحقيقة في دراسة الظواهر المادية، وقد ترى في طريقها من بوارق الأمل الباسم ما تمضي معه في بحثها ثابتة اليقين موطدة العزيمة، وذلك يلتمسها في دراسة النفس دون المادة وهو مؤمن أن ليس أقوم من تلك السبيل سبيل.
ولكن جاء القرن التاسع عشر، فانعرج ذلك المجرى الفكري بعض الشيء، واتجه إلى دراسة المظاهر المادية اتجاها مباشراً، دون الوقوف على هذه النفس الإنسانية وقفة تحليلية، ولعل ذلك راجع إلى أن الإنسان قد خيل إليه أن العلوم الرياضية والميكانيكية وما إليها، هي التي دفعت به في العصر الحديث هذا الدفع السريع، وله عذره في هذا الظن. ما دامت الصناعة التي تدوي أرجاؤها في أوربا، والتي قلبت الحياة رأسا على عقب، هي ربيبة تلك العلوم. . . إذا فلماذا لا تدرس هذه العلوم الطبيعية دون سواها؟ هكذا اصطبغت الفلسفة في القرن الماضي بصبغة مادية، وذهبت في الفضاء صيحة ديكارت التي ألح بها في أن تبدأ الفلسفة سيرها من النفس ثم تتابع طريقها إلى العالم الخارجي.
انطوى القرن التاسع عشر أو كاد، فبدأ الإنسان يفيق بعض الشيء من تلك الفتنة التي أخذه بها الانقلاب الصناعي، واخذ الفكر ينزع عن نفسه شيئاً فشيئاً ذلك الثوب المادي الذي أشتمله واحتواه حينا من الدهر. ويبحث عن حقيقة الوجود في (الحياة) التي تدب في أنحاء الكون، لا في حركة القصور الذاتي التي تنتظم الجماد، وما زال الفكر يمعن في هذه النزعة الجديدة حتى كادت الحياة تدب في المادة نفسها، واصطبغت العلوم الطبيعية بصبغة حيوية، وهكذا كتب لها أن تلقي السلاح وتندحر أمام علم النفس فيما نشب بينهما من عراك.
ولعل شوبنهور هو أول من فطن إلى (الحياة) هي أساس الوجود؛ ثم جاء برجسون في عصرنا الحاضر وتناول هذه الفكرة بحثا واستقصاء، حتى استطاع بقوة أيمانه أن يجذب إليها أنظار هذا العالم الذي طغت عليه روح اللاأدرية والشك طغيانا مروعا.
عكف برجسون على دراسة المذهب المادي، وخلاصته أن العالم كتلة موات من المادة والحركة، وأن الحياة والفكر وكل خصائص الإنسان ليست سوى أعراض مختلفة لتفاعل المادة والقوة التي تحرك دقائقها، فكان كلما أمعن في تلك الدراسة، ازداد يقينا بفساد ذلك المذهب، وهو يتساءل في دهشة: إذا كان العقل مادة وكانت كل عملية عقلية عبارة عن هزة عصبية لا أكثر ولا أقل، فما فائدة الشعور؟ أليس مجرد وجود الإدراك دليلا قويا على ضرورته؟
يقول المذهب المادي أن ليس ثمة (حياة إرادية)، أي ليس في الوجود تلك القوة الحيوية التي تريد هذا فتعمله، ولا تريد ذاك فتنبذه، وكل ما هنالك حالات مادية متتابعة، كل حالة نتيجة لما قبلها ومقدمة لما بعدها؛ وهنا يتساءل برجسون: إذا كان الوجود وما يحوي في لحظة معينة نتيجة آلية للحظة التي سبقتها (دون أن تكون هناك قوة مدركة تنشئ وتكون وتختار) وإذا كانت تلك اللحظة السابقة بدورها أثراً آليا للتي سبقتها، وهكذا دواليك، فنحن إذا سنسير في هذا التسلسل حتى نصل إلى السديم الأول، ونتخذ منه سببا لكل ما طرأ على الكون من أحداث، لا فرق بين دقيقها وجليلها! ماذا؟ هل يريدنا ذلك المذهب على أن نعتقد بأن السديم هو السبب فيما كتبه شكسبير مثلا؟ وأنه العلة في خطابه أنطوني وهملت؟!
هكذا أخذ برجسون من منطق الماديين ما يكفي وحده للرد عليهم ودك مذهبهم من أساسه.
العقل والجسم
لعل ما حدا بالإنسان إلى النزعة المادية في تفكيره هو ارتباطه بالمكان ارتباطا وثيقا، حتى خيل إليه أن الحياة ليست الا هذه الصور المكانية التي يحسها؟ ولكن الحق الذي لا ريب فيه هو أن جوهر الحياة وروحها إنما ينحصران في الزمان أكثر مما يتعلقان بالمكان؛ والزمان في الواقع عبارة عن تراكم صور كونية فوقها فوق بعض، أو إن شئت فقل صورة كونية واحدة امتدت على طول الزمان وأخذت تنمو وتتزايد شيئا فشيئا، ومعنى ذلك أن الماضي من بدئه الأزلي لم يفن، وإنما آخذ يتقدم فتتزايد أحداثه قليلا قليلاً إلى أن تضخم فكون الزمان الحاضر. وإذا كان الزمان عبارة عن مجموع الصور التي مرت على الوجود فيستحيل أن يكون المستقبل مشابها للماضي، لأن في كل خطوة زيادة تضاف إلى تلك الكومة المتراكمة، وفي كل دقيقة ينشأ شيء جديد ليس نتيجة لمقدمة سابقة ولكنه خلق خلقاً ولا يمكن استنتاجه قبل حدوثه. فالتغير سنة الحياة وألزم صفاتها.
والذاكرة عند الإنسان هي الوعاء الذي يمتد مع الزمن فيختزن فيه هذه الصور المتراكمة المتزايدة، لكي تكون لنا عونا في حياتنا، إذ كلما اتسعت دائرة الحياة اتسع معها نطاق الاختيار، أي يعرض للإنسان مؤثرات عدة تستدعي منه سرعة اختيار للتلبية المناسبة لكل من تلك المؤثرات. وهذه المؤثرات وتلبياتها تكون في الإنسان إدراكا يستعين به في كل ما يعرض له من مشكلات.
فالكائن الحي كتلة فعالة مؤثرة. لأنه يضيف إلى العالم قوة ونشاطا، وليس الإنسان كما صوره الماديون آلة ميكانيكية لا حول لها ولا قوة، ينفعل ويتأثر بعوامل البيئة دون أن يكون مركزا للخلق والزيادة. ففي قولنا أن الإنسان مدرك لما يعمل اعتراف ضمني بحرية اختياره.
قلنا إن وظيفة الذاكرة هي استدعاء الصور الذهنية التي مرت بنا في التجارب الماضية مقرونة بما سبقها وما تلاها، فتتمكن بذلك من الحكم في المواقف المشابهة التي قد تعرض لنا، حكما صادقا. ولكن للذاكرة فوق هذا عملا آخر، فبوساطتها نستطيع أن نستوعب الخلود بأسره في دقيقة واحدة، وفي ذلك تحرير لنا من قيود الضرورة الطبيعية التي تخضع لها الأشياء الجامدة. يخطئ إذا من يحسب الإنسان آلة صماء في يد القوانين المادية، إنما هو كائن مدرك، حر الإرادة، قادر على اختيار سلوك معين؛ والاختيار خلق وإنشاء، فليس الإنسان رتيبا في حياته كالحيوان المحدود بغرائزه.
وإذا فليس العقل والمخ (أي الجسم) شيئاً واحداً؛ صحيح إن الإدراك العقلي يعتمد على المخ، يسمو وينحط تبعا لسلامة هذا أو انحطاطه، ولكن كما تعتمد ملابسك على المشجب. تظل عالية ما دام المشجب مثبتا في الحائط، وتهوي إذا ما سقط من مكانه، وبديهي أن ذلك لا يدل على أن الملابس والمشجب شيء واحد.
فالمخ مجموعة من التصورات وردود الأفعال، أما الإدراك فهو تلك القوة التي تختار من بين تلك المجموعة ما تريد. المخ هو المجرى الذي يسير فيه تيار الإدراك، ولكن ليس الماء ومجراه شيئاً واحداً، وأن يكن ذلك محدودا بهذا، ولا بد له أن يخضع لإلتواءاته وتعاريجه.
وإذا كان هذا هكذا، فما الذي حدا بنا إلى الاعتقاد بأن العقل والمخ شيء واحد؟ لعل ذلك راجع إلى أن جزءاً من عقولنا، وهو ما نسميه بالذكاء، قد نشأ وتطور لكي يمارس الأجسام المادية ويتفهمها، فاكتسب من هذا الميدان المادي كل تصوراته وقوانينه، وهكذا أخذ الارتباط الذهني بين العقل والمادة ينمو شيئا فشيئا، حتى انتهى بنا الأمر إلى الظن بأنهما شيء واحد؛ ولكن هذا الذكاء الذي يكشف لنا عن العلاقات التي تصل المظاهر الكونية بعضها ببعض، عاجز كل العجز عن إدراك الامتداد الزمني وما يعرض فيه لتلك المظاهر من تغير وخلق، أو بعبارة أخرى هذا الذكاء الذي يفكر في الصور المادية لا يستطيع أن يدرك ما في الكون من حياة، لأنه يلتقط صورا متلاحقة بعضها يجيء في إثر بعض، أي أنه يلتقط صورة الكون في هذه اللحظة، ثم صورته في اللحظة التي تليها، ثم صورة ثالثة في التي تليها وهكذا، ومعنى ذلك أن العالم الخارجي في نظر العقل عبارة عن جملة صور لحظية تملأ كل صورة منها الكون بأسره؛ هذه الصور تتلو الواحدة منها الأخرى لحظة بعد لحظة، وكل صورة لحظية من هذه الصور تمثل الحقيقة الخارجية من أول الماضي إلى آخر المستقبل. الا أن تلك الصور تظل مستقلة في الذهن، لا يتناولها الاستمرار أو الحركة التي تربطها جميعاً، مع أن الحياة ليست الا في وصل هذه الصور المجزأة. مثل العقل في ذلك كمثل الشريط السينمائي الذي يلتقط عددا من الصور المتلاحقة، لا حياة في كل منها على حدة، فإذا ما دبت فيها الحركة والاستمرار، واتصل بعضها ببعض، كونت حياة، أو شيئاً يشبه الحياة. ولن يكون في هذه الصور التي تصلنا عن طريق الحواس شيء من الحياة، حتى يتناولها تيار الحركة الدائم الذي يربط أشتاتها ويكون منها حقيقة واحدة يطرأ عليها التغير والتبدل كلما مر عليها شطر من الزمان.
صحيح أن كل صورة حسية هي جزء من الحياة، ولكن مجموعها لا يكون مجموعة الحياة، إلى أن يتحقق في أجزائها شرط الاتصال والربط، فكما أن كل جزيئي من الخط المنحني يمكن أن يكون جزءا من خط مستقيم بدليل أنهما يتماسان في أي نقطة شئت، ومع لك لا تستطيع أن تقول: بما أن أجزاء هذا هي أجزاء ذلك، إذن فالخط المنحني هو خط مستقيم؛ كذلك قل في الحياة والمظاهر الطبيعية، فليست الحياة هي مجموعة المظاهر الطبيعية، على الرغم من أن تلك المظاهر هي الجزئيات التي تتكون منها الحياة.
يستنتج من هذا أن العقل ليس هو الأداة الصالحة لأدراك الحياة، لأن هذا مطلب فوق مقدوره واكثر مما يستطيع، إذ العقل كما بينا يميل إلى استعمال الوجود لصالحه، وهذا الاستعمال يتطلب منه وقف تيار الحياة الذي يدب في الكون، وتجزئة الوجود للتمكن من بعضه، فالعقل والحواس آلات للتجزئة، والغاية منهما تيسير الحياة لا تصوير الوجود، أي أنها تتناول الوجود في ظاهره ولكنها لا تنفذ إلى باطنه. . . ولما كانت المعرفة الحقيقية هي التي تتمشى مع الوجود في تحوله، وتتغلغل في باطن الاشياء، وتحسها إحساسا مباشرا كما يحس الحمل الوديع وجوب الفرار من غائلة الذئاب؛ فالبصيرة وحدها هي الأداة الصالحة لذلك النوع من المعرفة المباشرة، لأنها حاسة الحياة التي تنقل تلك الوحدة الحيوية التي تربط أجزاء الوجود.
التطور خلق وإنشاء
لا يمكن أن يكون تطور الحياة على تلك الصورة البشعة القاسية التي رسمها دارون وسبنسر، إنما التطور خلق مستمر، وتجديد متواصل، وتغير لا ينقطع.
الانتخاب الطبيعي عند دارون هو الأساس الذي تقوم عليه نشأة الأعضاء والوظائف والأنواع. ولكن لم يكد يستوي ذلك المذهب على قدميه، حتى أحاط به من الصعاب والمشكلات ما لم يقو على رده فكاد يخر صريعاً وهو ما يزال في يفاعته.
كيف يستطيع الانتخاب الطبيعي أن يفسر نشأة حاسة الأبصار مثلا! أولا، لا بد أن نسلم بأنه من المستحيل أن تكون العين قد نشأت على هذه الصورة المعقدة من بادئ الأمر، فإذا فرضنا أنها تكونت بعد سلسلة من الاطوار، فهل من اليسير أن تقنع عقلا سليما أن تلك الأدوار التي مرت بها عين الإنسان تطابق تمام المطابقة الدوار التي مرت بها الحواس الابصارية لأنواع الحيوان جميعا؟! مع أن الانتخاب الطبيعي أساسه المصادفة المحضة! وهل من الجائز أن تكون سلسلة المصادفات التي تعاقبت على عين الإنسان وأذنه وأنفه وسائر أعضائه الأخرى هي التي تعاقبت على أعضاء الحيوانات جميعاً؟!
وإذا سلمنا (جدلا فقط) بأن تلك المصادفة السحرية العجيبة جائزة في أنواع الحيوان لتشابه المؤثرات التي تحيط بها جميعا. فما قولك في الحيوان والنبات، وهما نوعان يسيران في طريقين مختلفين أتم اختلاف؟ كيف يتفق الاثنان على طريقة واحدة للتناسل؟ كيف يوفق الحيوان، عن طريق المصادفة، إلى اختراع الذكورة والأنوثة أداة للتكاثر، ثم يوفق النبات نفس هذا التوفيق وعن طريق المصادفة أيضاً؟!!
كلا! يستحيل أن يكون هذا الأساس الواهي قاعدة التطور، ولابد أن يكون في أجزاء الوجود (مهما تنوعت أشكالها) قوة كامنة متشابهة في الجميع؛ هي الحياة. وهذه الحياة الحالّة في كل شيء تخلق فيه ميلاً خاصاً وتوجيهاً معينا يؤثران في كل جزئي من جزئياته، وهكذا يظل الجسم المادي يتشكل ويتغير حسب ذلك التوجيه الذي تمليه تلك الحياة الدافعة الكامنة فيه. وليس ثمة قوة خارجية تعمل على التطور كما خيل إلى دارون وأشياع مذهبه.
هذه الحياة الشاملة تسعى جهدها للتغلب على الجمود المادي وطمس معالمه من الوجود، فهي تتغلب على الموت بالتناسل، وأن ضحت في سبيل ذلك الافراد؛ وهي تبذل كل ما تملك من قوة لتحرير نفسها من قوانين المادة وأغلالها؛ فوقوف الحيوان وسيره وسعيه وكل ما يأتي من ضروب الحركة والنشاط، هو في الواقع تحد من الحياة لتلك الأغلال والقيود.
كانت الحياة في مبدأ ظهورها أشبه ما تكون بالمادة في جمودها واستقرارها، لأنها كانت تتمثل في النبات وحده، والنبات كالجماد في سكونه واستحالة سعيه وحركته؛ ولكنها ما لبثت أن نشدت الحرية من تلك القيود المادية؛ وراحت تسعى وراء ذلك المثل الاعلى، فاخترعت أنواع الحيوان، وزودتها بشتى الأعضاء التي يستطيع أن يحقق بها شيئا من تلك الحرية المنشودة، ثم ما لبثت أن عقدت أمالها في واحد من تلك الحيوانات جميعا: هو الإنسان. فلا شك في أن الحياة تحاول ما استطاعت أن تسخر من قيود المادة، ونحن نضحك ونسخر إذا ما رأينا كائنا حيا يتصرف كما تتصرف الكتلة المادية الجامدة، كان تزل قدمه فيسقط بقوة الجاذبية كما تسقط قطعة الحجر.
يتضح من لك أن الحياة قد سارت في تطورها خلال مراحل ثلاث:
الأولى: مرحلة النبات إذ كانت أقرب ما تكون إلى سكون المادة وجمودها.
الثانية: مرحلة الحيوان الغريزي كالنحل والنمل الذي يتحرك ويسعى، ولكن في حدود مرسومة وخطة معلومة.
الثالثة: مرحلة الحيوان الفقري، الذي أخذ يسير في طريق الفكر، ولن يزال هذا الفكر ينمو ويشتد ويستقيم، فهو ذخر الحياة وأملها الذي سيحقق لها ما تنشد من حرية.
هذه الحياة التي لا تفتأ تخلق وتغير وتبتدع، والتي تلتمس الحرية من قيود المادة، هي الله، فالله والحياة اسمان على مسمى واحد. ولكنه اله ذو سلطان محدود بقيود المادة، وليس مطلق الإرادة كما تصوره الأديان، الا أنه دائب في التخلص من أغلاله وأصفاده؛ وأغلب الظن أن الحياة ستظفر آخر الأمر، ونكاد نوقن أنها ستتغلب على الموت، فيتحقق لها الحرية والخلود. فكل شيء جائز في نظر الحياة ما دام في الزمن امتداد.
وبعد. فما أجمل أن يرتفع صوت برجسون بشيرا بما في الكون من حياة فعالة خالقة، ليقف تيار المادية الذي طغى على أوربا في القرن الماضي، حتى غمرها بين ثناياه، وكم كنا نود أن نشترك معه في ثل ذلك العرش الذي كان يتربع عليه اله العقل، ولكن على شريطة الا يدعونا إلى تقديس اله آخر: هو البصيرة؛ لأنها قد تخطيء كما تخطيء الحواس.