مجلة الرسالة/العدد 496/البريد الأدبي

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 496/البريد الأدبي

ملاحظات: بتاريخ: 04 - 01 - 1943



أدباء. . .!

قرأت في مجلة الثقافة العدد (209) كلمة تحت عنوان (الصحافة والأدب في أسبوع)، فرأيت كتاباً من صديقي الشاعر الأستاذ محمود حسن إسماعيل إلى صديقي أيضاً. . . الأستاذ (ق). وفي هذا الكتاب ذكرُ بعض أصحابنا وذكرى، ويصفنا الصديق الأستاذ الشاعر بصفات جميلة محببة كاللجاج، والتهاتر، والكسل، والجبن، والغفلة، والتخلف عن سير الزمان، ويدعونا إلى ملازمة الصمت على رفوفنا الجامدة حتى يتحرك بنا أو ينسانا الزمان!. . . وهو كذلك

لا أدري! فقد سمعت أن الأوائل قالوا: (عقل المرء مخبوءٌ تحت

لسانه)، وأنهم قالوا:

إذا لم يكن للمرء عقْلٌ يَكفُّه ... عن الجهل، لم يستحي وانتهَكَ السِّتر

وللصديقين مني تحية المخلص المعجب بأدبهما وبيانهما

محمود محمد شاكر

تجارب على التلباثي

كان لظاهرة التلباثي التي أثارها الكاتب العظيم الأستاذ العقاد في (عبقرية عمر) وعلى صفحات الرسالة نصيب كبير من الدراسة، ومن عناية علماء النفس في أوربا بها؛ ولكنها بالرغم من ذلك ظلت مستغلقة عليهم فلم تتضح تماماً. ومن أكبر الأوساط العلمية الأوربية التي تبحث في هذه الظاهرة جمعية في إنكلترا تسمى: شغلت بهذه الظاهرة منذ زمن طويل، وكتبت الكثير من النتائج التي وصل إليها أعضاؤها في مجلتها الخاصة. ولعل من الطريف أن نذكر أن هذه الجمعية لم تكتف بدراسة هذه الظاهرة دراسة نظرية فحسب، بل أجرت تجارب عديدة لتأييد هذه الظاهرة، وقد توصلت فعلاً إلى نتائج مدهشة وطريفة، وقد ذكر الأستاذ باريت الأستاذ بكلية العلوم الملكية بأيرلندة بعض هذه التجارب في كتابة: ومن أهم هذه التجارب، ما قامت به سيدتان من أعضاء الجمعية إحداهما تدعى المس هـ. رامسدن والأخرى المس ك. ميلز فكانت المس ميلز في وقت كل تجربة تسجل في مذكرة خاصة ما تريد نقله إلى المس رامسدن من أفكار أو صور، بينما تكتب المس رامسدن التأثيرات التي يستقبلها مخها، وترسل تقريرها إلى ميلز قبل أن تعرف ما كتبته هذه الأخيرة من ناحيتها. قد نجح الكثير من تجاربهما وإن فشل البعض الآخر. ولنذكر الآن بعض هذه التجارب الناجحة التي ذكرها الأستاذ باريت في كتابه:

كانت المس ميلز تنتظر في عصر يوم 27 أكتوبر 1905 اجتماع الجمعية في لندن، فاسترعى انتباهها نظارة غريبة الشكل يضعها على أنفه رجل يجلس بجانبها، فرأت أن هذه الملاحظة قد تصلح موضوعاً لتجاربها مع مس رامسدن. وحين رجعت إلى منزلها كتبت في مذكرتها: (27 أكتوبر - نظارات - ك. م) وكانت المس رامسدن في ذلك الوقت في بكنجها مشير على بعد حوالي عشرين ميلاً من لندن، ولكنها كتبت هذا المساء: 27 أكتوبر - 7 - مساء. - نظارات هذه هي الفكرة الوحيدة التي جاءتني بعد انتظار وقت طويل - هـ. ر) ويقول باريت إن الأمر لا يمكن أن يكون مجرد تخمين لأن المس ميلز لا تضع نظارات

وتجربة ثانية. . . كتبت المس ميلز في كراستها الفكرة التي تريد إرسالها إلى المس رامسدن: (2 نوفمبر. - يد - ل. م) وكتبت المس رامسدن في نفس الوقت: (2 نوفمبر، 7 مساء، ابتدأت أن أرى يداً صغيرة سوداء. . .) وتفسير ذلك، كما يقول باريت، أن المس ميلز كانت في ذلك الوقت ترسم يدي صورة بالفحم، وكانت والدة المس رامسدن حاضرة عند ميلز في ذلك الوقت فذكرت أن ذلك صحيح

وقد أجريت تجارب عديدة، وكان البعد بينهما حوالي 400 ميل، وكانت الخطة المتبعة في تجاربهما أن رامسدن تبعد نفسها عن التفكير في أي شيء كان، وتحصر تفكيرها في ميلز كل يوم في وقت معين، ثم تكتب ما تستقبله من تأثيرات وترسل ذلك إلى ميلز، وتكتب ميلز في نفس الوقت ما كانت تفكر فيه وترسله إلى رامسدن بالبريد. ويذكر باريت أنه أطلع على الرسائل المتبادلة فوجد حالات كثيرة تتفق فيها النتائج اتفاقاً كبيراً جداً أو اتفاقاً كلياً

وفي ذات مرة كانت ميلز مع والدة رامسدن في إحدى الرحلات، وكانت رامسدن في اسكتلندة، وفي أثناء عودتهما من رحلتهما ذهبتا بنوبري في مقاطعة بركشير ونزلتا في فندق هناك، وكان لصاحب الفندق فتاة صغيرة لطيفة أعجبت ميلز بها كثيراً. وأصبحت ميلز، وإذا بها تستلم من رامسدن خطاباً جاء فيه: (31 أكتوبر 1907، أظن أنك تريدين مني أن أرى فتاة صغيرة لها شعر كستنائي مسترسل وراءها، ومربوط بشريط على الطريقة المعتادة. وهي تجلس على منضدة وقد أدارت ظهرها، ويظهر أنها مشغولة. . . بقطع قصاصات بالمقص. وهي ترتدي (مريلة) بيضاء، وأظن أن عمرها بين الثامنة والثانية عشرة. - هـ. ر)، وقد وصفت صاحبة الفندق الفتاة بقولها: (عندي فتاة صغيرة في الحادية عشرة من عمرها، ذات شعر كستنائي مربوط بشريط وترتدي (مريلة). ولما كانت مريضة فإنها تستلي نفسها بقطع القصاصات. وقد تكلمت طويلاً (عنها؟) مع المس ميلز يوم 31 أكتوبر. - ل. لفجروف.)

هذه بعض التجارب على التلباثي. ويذكر باريت إلى جانبها حالات أخرى وحوادث جاءت عفواً، أي دون أن يقصد بها إلى التجربة، وهو تؤيد ظاهرة التلباثي، وقد استقاها من مصادر ثقة لا يمكن الشك فيها، ويذكر أن معظم هذه الحالات تحدث أثناء النوم.

من هذه الحوادث حادثة وقعت لسيدة تدعى لويزا. أ. هاريسون، فأرسلت يوم حدوثها تقريراً إلى الجمعية المذكورة آنفاً، ومع تقريرها خطاب من زوجها يؤمن على ما تقوله الزوجة التي تذكر أنها بينما كانت مستغرقة في النوم استيقظت فجأة على صوت زوجها وهو يتأوه من الألم، فنظرت حولها ولكنها لم تجده في الحجرة، فنظرت في الساعة فألفتها الثالثة والنصف مساء. وعاد زوجها من الخارج في الساعة السادسة وقد ظهرت بعض الكدمات على جبهته، نتجت عن وقوعه أثناء وجوده في (حمام تركي) واصطدام جبهته بدرجاته الحجرية فقالت له زوجه: (إنني أعرف متى حدث ذلك كان ذلك في الثالثة والنصف لأنني سمعتك تتأوه من الألم في ذلك الوقت) فأجابها: (نعم، ذلك هو الوقت بالضبط، لأنني أذكر أنني نظرت إلى الساعة بعد ذلك مباشرة.) وقد حضر هذه المناقشة بين الزوجين شاهد شهد بذلك!

كذلك أرسلت سيدة تدعى آرثر سيفرن كتاباً إلى الجمعية تقرر فيه أنها استيقظت يوماً من نومها فجأة إثر إحساسها بلطمة عنيفة تنزل على فمها وتجرح شفتها العليا جرحاً بليغاً، ولكنها حين رفعت منديلها إلى فمها لتوقف الدم لم تجد شيئاً، ونظرت إلى الساعة فوجدتها السابعة صباحاً. وكان زوجها في الخارج، فعاد في التاسعة والنصف وقد وضع منديله على شفته، فأخبرها أنه بينما كان يتنزه في قاربه، هبت ريح عنيفة أزاحت (الدفة) فأصابته في شفته العليا؛ وسألته زوجه متى كان ذلك؟ فأجابها: حوالي الساعة السابعة!

وحادثة أخرى. . . استيقظت آنسة تدعى مس كينج من نومها في أحد أيام الأحد في الساعة الرابعة على صوت يناديها: (تعالي إلي يا تريكس، إنني مريضة جداً). وأرسلت الآنسة كينج إلى الجمعية كتاباً تذكر فيه أنها عرفت صاحبة الصوت وهي إحدى صديقاتها وتدعى المس ريد، وهي الوحيدة التي تناديها باسم (تريكس). فكتبت في نفس اليوم إلى المس ريد - على مبعدة مائتي ميل من صديقتها - تخبرها بما سمعت، فردت عليها المس ريد تخبرها بأنها في ذلك اليوم وفي تلك الساعة أحست بألم شديد، وظنت أنها سوف تموت، فمدت يدها إلى صورتها (صورة المس كينج) وقالت لها: (تعالي إلي يا تريكس إنني مريضة جداً، تعالي إلي)!

هذه التجارب والوقائع وغيرها تثبت ظاهرة التلباثي. ولكن كيف ينتقل التلباثي وينتشر؟ ذلك سؤال لم يجب عليه العلم جواباً شافياً. ويقول الأستاذ باريت: إنه ليس عندنا عنه أي فكرة، ولكنه يرى أنه لا ينتقل خلال أي وسط مادي أو أي عامل فيزيقي معروف، وقد يقربنا وجود اللاسلكي بأن نظن بأن الفكر ينتقل بنفس طريقة الرسائل اللاسلكية، أي بواسطة موجات أثيرية يمكن تسميتها (بالموجات المخية). ولا شك في أن حقيقة اللاسلكي تقرب إلى الأذهان ظاهرة التلباثي، ولكن ذلك لا يكفي.

أحمد أبو زيد

كلية الآداب - جامعة فاروق الأول