مجلة الرسالة/العدد 493/في الأدب المقارن
مجلة الرسالة/العدد 493/في الأدب المقارن
الندوات الأدبية الخاصة
في الغرب
للأستاذ صلاح الدين المنجد
عني مؤرخو آداب الأمم الغربية بتصوير المجالس الأدبية التي كانت تعقد في أوربا في القرون الخوالي. فقد لاحظوا أن أبهاء الأمراء والنبلاء، وانداء الفلاسفة والعلماء، ومجامع الشعراء والادباء، كان لها في أحايين كثيرة اثر بالغ في توجيه الأدب وجهة معينة، وإكسابه لوناً لا عهد له به من قبل، وتوشيته بصور طريفات فيها جمال وحياة
كانت وحدة الأذواق والميول، تدفع في الغالب إلى عقد هذه المجامع، وربما كان السبب في بعض الأحايين، نبل أميرة، أو ذكاء سيدة، أو عبقرية أديب، أو الطمع في غرض نبيل والسعي وراء غاية مثلى. وقد بدأت هذه المجامع تظهر منذ القرن السادس عشر؛ ففي إسبانيا أسس أول مجمع أدبي حوالي سنة (1530) وكان يرأسه (دلافيرجا وكان ينهج هو وصديقه نهج الشعراء الإيطاليين ويقلدون أثارهم تقليداً شديداً
وجعل فريق من المعجبين بالشاعر الإيطالي (بترارك) في فرنسة، مدرسة خاصة به في (ليون)، في منتصف القرن السادس عشر. وكان أفراد هذه المدرسة يتتبعون أثار ذلك الشاعر، ويسلكون نهجه، وينشرون مبادئه لأخلاقية، ويرون أن شعره احسن وارفع شعر ينبغي للشعراء أن يغترفوا من معينه دائماً
وفي هذه الحقبة، اعني في منتصف القرن السادس عشر، أسس في باريس مجمع سموه (بلياد (1550). وكان يرأسه (رونسار الشاعر، وفيه ستة آخرون، وقد كان هذا الاسم يطلق في القرون الخالية على بنات أطلس وبليون السبع اللواتي قتلن أنفسهن من الخيبة، ثم انقلبن إلى نجوم تسطع في السماء، كما تروي الأساطير. وقد اتخذ هذا الاسم سبعة من الشعراء اليونانيين لمجمع لهم؛ ثم أطلقه رونسار على مجمعه بعدهم. وكان رونسار وأصدقاؤه ينشرون الشعر الإيطالي وينقلونه إلى الفرنسية. وقد بينا هذا في مقالنا عن اثر الآداب الأجنبية في الأدب الفرنسي في هذه المجلة، فليرجع إليه وفي إنجلترا جمعت (الكونتس دوبمروك حولها فئة من الشعراء الذين كانوا يقلدون ماسي الشاعر الفرنسي (كهيبوليت و (اليهود وغيرهما، وكانوا يحاولون الوقوف دون انتشار الدرام الحرة التي قامت قبل شكسبير
وفي سنة (1770) قام فريق من الأدباء في غوتنجن فأسسوا مجمعاً سموه (مجمع الاتحاد وكان هدفهم تمجيد (فولتير الشاعر الفرنسي و (ويلند الشاعر الألماني، الذي أطلقوا عليه اسم (فولتير ألمانية) وكانوا معجبين أيضاً بالشعراء الإنجليز
وفي الوقت نفسه أسس في ألمانية المجمع المسمى: وكان يمجد (اوسيان) و (شكسبير) الإنجليزي، وروسو الفرنسي
وفي أواخر القرن الثامن عشر، كانت المدرسة الابتداعية الألمانية التي كان يرأسها (شلجل تتعطش لآثار شكسبير و (سيرفانتس الإسباني، وأدباء الماسي في إسبانية والبرتغال
وقامت في السويد، في أوائل القرن التاسع عشر، جمعية العصبة السويدية المسماة لتنقل إلى شعرها محاسن الشعر الابتداعي الألماني والإنجليزي.
أما في فرنسة، فقد قامت في القرن التاسع عشر عدة ندوات أدبية؛ فقد كان (ستاندال) الروائي، و (آمبير الأديب المؤرخ، و (جاكومونت الرحالة، و (ميريمه الكاتب الروائي، يجتمعون في دار (دليكلوز المصور الشهير والنقاد اللاذع، ليقروا أثار اوسيان الايقوسي، وروائع شكسبير، ويمجدوا آياتهما
وكان هناك عصبة هوغو المسماة (سيناكل ومعنى هذا الاسم، صومعات صغار أدبية. وكان يطلق في الزمن الغابر على الغرفة التي كان المسيح عليه السلام يجمع فيها تلاميذه ثم أصبحت تطلق على كل اجتماع، وخصت أخيراً بمجمع هوغو في فرنسة. وكان من أفراد هذا المجمع (دفيني الشاعر المتشائم، و (نودييه القصصي، وديشامب الروائي، ودموسيه صاحب الليالي، وغيرهم. وكانوا مأخوذين بروائع شكسبير و (بيرون و (سكوت يتتبعون أثارهم ويستوحونها في كثير من الأحايين
وقد نجد في بعض الأحايين مجامع أدبية كانت تقوم حول مجلة أفرادها هم مؤسسوها والمحررون فيها. كالمجمع الذي قام حول مجلة وفي فرنسة، ومجلة (? في إسبانية، ومجلة في السويد، ومجلة (? في ألمانية، ومجلة في إيطالية.
والى جانب هذه المجامع، كانت تقوم أبهاء الأدب وصالوناته. وقد كان لها اثر في نمو الأدب ونهضته وبعثه. واقدم بهو هو بهو اوتيل درامبويه (? وكان لصالونات باريس في القرن الثامن عشر أثر وصدى بعيد، وساعدت على انتشار ألوان طريفة من الآداب الأجنبية. كصالون مدام ديفاند، والآنسة دلسبيناس. . . وكان رجال هذه الأبهاء متأثرين بالأدب الإنجليزي. وفي ستوكهولم كانت سيدتان مركزين للأدب فتحا قصريهما لاهله، وهما: السيدة نوردينفلخت والسيدة لينوجرن ووفي لوندرة قام صالون الدوقة دمازاران في القرن السابع عشر، وصالون اللادي هولاند في القرن الثالث عشر. وكانت هذه الأبهاء وسيطة لنقل الأدب الأجنبي إلى إنجلترا، ومن إنجلترا إلى فرنسة.
وفي القرن التاسع عشر نجد في فرنسة صالون (مدام موهل و (مس ماري كلارك). على أن اعظم هذه الصالونات أثرا، صالون (مدام دستال) في قصر (كوبه) الذي فتح أبوابه من سنة 1795 إلى سنة 1811. وكان مهبطاً للعلماء ومزاراً للأدباء
وتبيان اثر هذه المجامع والأبهاء في نشر الآداب وإحيائها، بصورة أكثر تفصيلاً يحتاج إلى صفحات مطولات. غير أن من المقرر أنها كانت وسيلة إحياء وتلقيح وازدهار، وأنها كانت سبباً في تقدم ونمو وانتشار
هذه لمح عن مجامع الأدب الخاصة في الغرب، ذكرت ما كان له منها شان واثر كبير. وهناك مجامع وأبهاء اقل شأناً أغفلتها. وليت أدباءنا يعنون بنشر ما يعرفونه عن المجامع الأدبية الخاصة في مصر والشام والعراق، في العصر الحالي أو العصر الحاضر، في هذه المجلة. فإن في ذلك طرافة ومتعة وتسجيلاً لصفحة من صفحات تاريخ أدبنا الذي نكتبه اليوم.
(دمشق)
صلاح الدين المنجد